ظافر الجبيري - ليالي السيّد جيم

فيما الوحدة ُسيدة ليل كتوم ، ينعق بوم غيرَ بعيد على طرف بيت (السيد ج) كان الوقت مساء ،وقد خف شعوره قليلًا بتواريخ الفجيعة! وبعد يومين من حلم انفلات سيارته في وادٍ سحيق . يستعيد ذكرياتٍ مبعثرةً لامرأة ترحل من المكان ببطء ، يتذكر فستانها القديم في خزانة الملابس في غرفة مهجورة.. حذاؤها تحت الدرج ملأته الرُّتَيْلاء بخيوطها الحصينة !...صمتٌ يتآمر عليه طوال أربعة أعوام، يملأ قلبه بفراغ دامٍ وتوغِلُ السيدة بعيدًا منتصرةً للغياب .

يحضر الصوت على السور القريب من المدخل ..وتواصل البومة البيضاء النعيق بصوت رتيب ، فتزداد الوحشة .

ما إنْ يتمكّن الليلُ من بسط جناحه على الأرجاء حتى تمرَّ بخاطره ذكريات البُوم والقرية: نكبات حلّتْ ومصائب جرتْ طعناتُها في خواصر كانت آمنة .. ثم قالوا في اليوم التالي:

"سمعناه ينعق على طرف البيت بعد المغرب! "

وأنت يا سيد ( ج ) من سيسمع بومتك الأليفة ؟! ومن سيدري عن صراع الحكمة والوحشة في وحدتك ، بيتُك خارج القرية ، صرتَ بعيدًا عنه بالسكنى في مدينة أخرى، تزوره من وقت لآخر كيلا يملأه الصمت والخراب ، الحكمةُ التي تمنحك إياها عينا بومتك المؤنسة تكاد تفقدها في عتمة الليل ؛


* * *
*

يسمعها ، تطوف بأجنحتها عبر الفناء ، تستقر على أغصان الشجرة الأكبر ، تُنشِد غرابةَ حضورها، فتزداد رعونةُ الصمت ، ويبقى الصوت حاضرًا والعينان الواسعتان باستدارة آسرة.

يخرج إليها، يتأمل العينين الساكنتين كدوائر تتّسع على صفحة ماء، الوحدةُ سيدة الليل لرجل بلا أحد في هذا العالم ..تأمّلها لدقائق وحيدةً بين الأغصان ، ثمّ ، طارتْ بلا زجر، بلا طلقة ،بلا ريش متناثر ،ودّعها الوحيدُ وأكمل ليلته بالقليل من الألم وبذكرى عينين جميلتين لهما استدارة الصوت على صفحة الماء!

النماص 5/2016م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى