راضي المترفي - قصة حب فلسطينية

في محطة مزدحمة بالعابرين لفتت انتباهه بتوحدها وتحفزها كمحارب ساموراي ووقوفها في مكان يتيح لها حرية حركة لو تعرضت الى اعتداء او استفزاز من هؤلاء المكتظين وزحامهم فقرر الاقتراب منها بحذر وهدوء ثم وضع حقيبته على حافة ساحة معركتها المفترضة واخرج علبة سجائره واشعل لفافة منها وانتظر ان يدفعها الزحام باتجاهه او يدفعه نحوها وقال في نفسه :

ستلفظ بغداد هذه الجموع الى بطون حيتان من الصفيح والحديد لتسير بنا هذه الحيتان نحو الغرب وكل (ذنون ) منا يتجه الى مجهول لايعرف ان كان هناك شاطيء امان وتظلله جسده العاري شجرة يقطين او ان مجهوله ينتهي عند (طريبيل ) بوابة الموت والمجهول والشيطان معا وشاهدة مقبرة بلد اسمه العراق وعموما فانه غير مهتم بالمكان الذي سيلفظه به حوت الصفيح المهم هو الهروب من مقبرة لافرق فيها بين الحي والميت .

بدأ عامل شركة السفريات يقرأ الاسماء ويسلم ايصالات الاجرة التي عادة ماتدفع مقدما

لم يكن اسمها ذو نكهة عراقية عندما قرأه العامل وهذا مازاد برغبته بالتقرب منها لكنه اطمأن بعدما اتى اسمه بعد اسمها فعلم ان جلوسه اما ان يكون بجانبها او خلفها مباشرة وهذا مايتيح له فرصة الحديث معها خصوصا والطريق يمتد مئات الكيلومترات .

جمع كل ماتبقى له من جرأة وسأل : هل انت عراقية ؟

انا فلسطينية كانت اسرتي تقيم في العراق منذ نكبة 1948 وسافروا قبلي الى عمان بسبب سوء الاوضاع وبدي الحق بهم . وانته ؟

عراقي لايعرف لنكباته تاريخ عايش الخاكي نصف عمره ولما سرحوه لم يجد غير الجوع والوجع والخواء والحصار فقرر ان يهرب الى المكان الذي يستطيع حوته حمله اليه .

حوتك سيرميك في عمان هل تعرف حدا هناك ؟.

اخبروني ان اغلب من سبقوني يتجمعون بالساحة الخضراء ووصفوها بأنها ذا قلب حنون وتحتضن الجميع وقد اجد فيها ملاذا ولو الى حين .

ستجدها تكتظ بمن تقطعت بهم السبل او المنتظرين لموافقات طلب اللجوء او من عملوا عند اهل البلد ولم يحصلوا على اجور اضافة لاصناف يضيق عنها الوصف وعموما الاردن بلد فقير حتى لو وجدت فيه عملا قد لاتحصل منه الا على بعض الدراهم او ( يعطيك العافية ) بعد شو مهنتك بالاساس ؟

عام 1978اكملت الاداب وفي الجيش تعلمت السياقة والحلاقة والحدادة وفي الاجازات مارست كل اعمال البناء من (طواس الى لباخ )

. كل هذه المهن وتهاجر ؟

. كل هذه المهن ولاتوجد فرصة عمل واحدة ولو ليوم او يومين تكفي لسد الرمق وتبعدني عن الهروب نحو المجهول .

. كان الله في العون

. وانتي ؟

. مالي انا ؟

. لماذا تهاجرين ؟

. نحن قوم عشنا الشتات منذ زمن بعيد وتعودنا العيش في الاوطان من غير انتماء لكن في احيان كثيرة نعشق البلد الذي نقيم فيه ومنها تبتدي المشاكل عندما نجبر على تركه .

. افهم من هذا انك تعشقين بغداد ؟

.ومالفائدة وانا اجبر على الرحيل عنها ؟

.تستطيعين العودة لها او البقاء فيها ان رغبت ؟

. صعب وكمان صعب التفسير وقد تستطيع انته العودة مهما طالت غربتك الا نحن .

. ماذا تركت في بغداد ؟

مهاجرة عنها بالجسد فقط .

. كان الله بالعون

تحرك حوت الصفيح بعدما طلبت ان تكون هي بالمقعد القريب من الشباك معللة ذلك بحاجتها لخزن اكبر عدد ممكن في ذاكرتها من الصور لبلد احبته حد العشق ودفعها الخوف للهروب منه .

في ساعات الطريق الطويلة خاضا في كل الاحاديث كلمته عن حياتها وقص لها كل ماجرى له في سنوات عمره واكتشفا ان لهم اصدقاء مشتركين واماكن التقوا فيها . ثم سألته عن سر بقائه اعزب حتى الان فحدثها عن قصة حبه التي قتلتها التقاليد واعاد لها السؤال فحدثته عن الحبيب الذي هاجر الى كندا وانقطعت اخباره منذ سنوات بعيدة . وكان كل من ينظر لهم في الطريق يتصور انهم اسرة قررت الهجرة نحو بلاد الله الواسعة .

وصل حوت الصفيح عمان ولفظ ما بداخله من( ذنونات ) فتقرقوا بكل الاتجاهات وتمشت معه ثم قالت لدي طلب واخاف ان تحرجني برفضه .

فقال :اطلبي حتى اذا كان طلبك ان اعود ادراجي .

قالت لا ليس هكذا انما معي مبلغ من مال لا احتاج اليه خصوصا وانا اصبحت قريبة من عائلتي واتمنى ان تأخذه ريثما تجد عملا وهذا عنواني لو احتجت لشيء لاتترد بالوصول الي.قال: العنوان ممكن لكن المال اجهل مايحدث غدا واخاف عدم الوفاء .

قالت استحلفك بحبك لبغداد ان تقبله .

موافق شرط ان تعتبريه دينا .

وضع يده بيدها مودعا وقال لها :

كنت احمل هم الخوف من الغربة وهم البعاد عن الاهل والوطن فزادا هما اخر .

سألت :ماهو ؟

انظري في عيني ستجدينه ظاهرا عليهما .

ربما تكون احسن حالا من ابن زريق الذي ترك قمره في بغداد وانت اتيت به معك الى عمان لشد مايبهر فيكم ياعراقيين انكم تعشقون في احلك الظروف واصعبها وقد تموتون حبا وعشقا

قال كل ما اريده منك هو وعد يصبرني في غربتي

قالت :الايام بيننا وقد نلتقي ايها العاشق .. استأذنك

بقي في عمان نصف سنة رآها فيها عدة مرات وزار بيت اهلها وتعرف عليهم وغاص في غربته بعد ان حملته الظروف الى ليماسول في قبرص ومن ثم سوريا ولبنان واماكن اخرى وحملها جرحا فوق جروحه حتى عاد الى وطنه وفي ليالي رمضان الاخير اتصلت به امرأة على النت وتجاذبت معه اطراف الحديث ثم سألته عن امرأة كانت تراسله في اغلب الاماكن التي تواجد بها.

فقال لها يربطني بهذه المرأة خيط سري واحس بانتماء حقيقي لها لكني لم ارها ولو مرة واحدة في حياتي .

فقالت انا هي .

قال ولكن اسمك مختلف

قالت تعمدت ذلك

قال لكن من انت

قالت انا الذي سافرت معك من بغداد الى عمان في حوت الصفيح .

ارتبك وتاهت اصابعه عن حروف الكيبورد فاحست به وقالت له مطمئنة :

للحديث معك بقية .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى