منى محمد صالح - ندى لصباحٍ خريفي!.. قصّة قصيرة

- قلبي لا يعرف سر الإنغلاق في وجه الحزن!.
لايدري كيف تواردت عليه تداعيات الداخل، هشّة، امتص هواجسه بصمتٍ وهو يسحب نفساً طويلاً من سيجارته، يتصاعد دخانها متعرجاً أمامه، يراقبة بتلذذٍ فاتر، وخدر لذيذ يسري في أوصاله.
مجرد محاولة لقولِ المستحيل، تزاوج الضوء والماء، وكأنها اللغة هي الأخري قد أصابها الجنون.
إرتفع الصوت داخله يناديها من جديد، فيما يشبه الخفض العذب للريح:
- سوميت،
لا تَسُدّي بابكِ، دعيه موارباً، تنفطر نواة التضاد، فيض الكلام، مط الحوريات لبواعثها، قُبلتي المُشتهاة، تلك التي ما زالت في منتصف الطريق إليكِ.
وكتب لها في محضِ سؤالٍ، جَسَّ شُعيرات الحِسْ، مداه البعيد.. القريب، مثل دُنوّ النبض:
- أتعلمين ما الوجع..؟
ويردف بذات تضاده المُنفلق بعناده البهي:
- وكيف يبدو وعراً حين نسلكه حُفاة الروح، يستقيم بنا على سبيل ما نريد، ندى لصباحٍ خريفي، أنجماً تنبت لها أجنحة، أجِنّة، تعيد نواة الانفطار إلى أولها، يندلق كل ماكان، ومالم يكن، وما سيكون، ضياءٌ يخرج إلي البريه، وحيداً عارياً، يعتق نفسه محاذياً حذر الصهيل..
وأمتلئ بكِ دونما أسئلة!
آه‍ِِ.. من حزنٍ يُعاث في فرحٍ لا يصطفيكِ!.
أنا لا أملك وعداً، ولا أطيق إبتعادكِ.

سحب نفساً آخر من دخان سيجارته، إستعذب هذا التداعي. كانت الكتابة لها تشبه الغناء، نغم ياخذه إلى طريق لا نهاية له.
لست بكائياً، ولا أعلق خيباتي على أحد، أعرف حدود المستحيل الذى بيننا، يصادر روحي المتعبة، يأخذني إليكِ ولا أصل.

أنتِ هُنا في كل شيء من حولي. تتشابك أنفاسنا جزلى في حروفي التي أكتبها لك، بين أسطر كتابي، يتصاعد عطرك، إشتهاءٌ حنون، ضوء النهار، ليلٌ لا ظل له، مصاباً بالدهشةِ.. يحتلّ الداخل كأجملِ الإنتصارات، يخرج خيوطاً ملساء من بين دخان سجائري، رايت كم هي جميلة عينيكِ الحزينتين، كزجاجٍ نقي يبلله المطر.
- آه‍ِِ يا سيدتي، ما أجملنا حين نبدو تعساء حدّ العذوبة.
- وهل يشدو الناي دون القصيدة؟!

أتاه صوتها حنوناً، بالغ العذوبة.تبددت هواجسه القديمة في ومضةِ لحظة خاطفة، إمتص دخان سيجارته، ونفثه دفعة واحدة، أحس بمتعة زائدة، تابع الكتابة لها، وكأنه يحادث نفسه، بدا له صوته صافياً ومريحاً، وقافلة الفرح تتسع شواهقاً من الوجد، وهو يردد :
- أنا أعشق كل شيء فيكِ كصوفي مبتهل، ولا أريد لهذا الوجع أن ينتهي.
أعادت سوميت، قراءة رسالته المرة تلو الأخري، و هي تحاول ستر ما ينتاب دواخلها. كان قلبها الصغير السنجابي يضطرب بفرحٍ آخر.
طوّت الرسالة، دسّتها تحت وسادتها بتؤدة بالغة، و هي ترسل تنهيدة دافئة، كأنما رذاذ عطرها تسلق سقف القلب وفاض، إبتسامة عريضة إنبلجت على شفتيها، وكست ملامح وجهها رقّة وليونة، لم تعهدهما من قبل.
أغمضت عينيها وهي تستعذب طعم قبلة عذبة مشتهاة، مازالت في منتصف الطريق إليها.

برمنجهام 20 فبراير 2019
منى محمد صالح.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى