وحيد نور الدين - التيهور.. بورتريه للشاعر مبارك وساط

ذو بأس شديد ، إذا ضرب البغلة بالرأس على الرأس تدمع عيناها و تترنح كالسكرانة . فتبا له من زمان راحلته بغلة هرمة ، وما لم يعد من القبح بد فالأنسب ان تمضي سكرانة . صغارا كنا نرنو الى برنوسه الاثير على مشجب الفصل الدراسي هامدا – وخيبة الصباحات الكالحة سقطت عميقا في لجة ضحكه الهادر – و ثمة فينا قدرة فائقة على صنع الفرح من لا شئ تقريبا .، فالصباحات اياها لم تكن بالتمام كالحة و لا بالمرة خائبة . صباحات الأعياد …أعياد الميلاد و هي عديدة على مدار العام . لكل قصيدة من قصائد مبارك وساط عيد ميلاد احتفلنا به على طريقة الهنود الحمر في بني الأحمر…
و احتفل به السي عباس على طريقته الخاصة جدا جدا ، في مقهى الاخوان او مقهى الأوباش ….على الناصية في لباس العيد ، رجلا على رجل يفتح الجريدة او المجلة على قصيدة مبارك و يكيل للسلطات من قعر ّ طيز العقرب ّ سبا و شتيمة في عز الصهد و الرصاص : ينعل بو امهم …..رجل في الستين اهتزت اركان البنيان القديم من ضحكته المجلجلة يوم بلغه خبر اعتقال ولده مبارك ، قال : الى ما كفاهم مبارك نزيدهم عبدالقادر ….تم التفت الي : و أنت بوك آش باقي كتدير هنا ؟ ….لماذا لا تعتقل انت ايضا ، و انت كذلك ، وهؤلاء جميعا ….أم تراه الشاعر وحده جدير بهذا الوطن ؟
امرأة في الخمسينات ، تعود بالخبز من الفران ، هي ام مبارك ، تصادفها على الطريق المغبرة امرأة من ضوء تغتسل من غبار المعارك – بأمطار المساء – وترفع شارة الصمود امام أبواب مخافر الشرطة ، و قد تباغثك بسؤال عن كتاب اقترضته من مبارك قبل اعتقاله : انت أي متى غ ترجع لي كتاب هايدغر ؟؟ هي لم تدخل المدرسة قط و لكنها تعرف
كل الكتب . امرأة من ضوء بشساعة افق تكسوه الثلوج ….لولا ان الثلج في هذه الديار قد طاله الصدأ أمام عينين – كانتا
يمامتين سجينتين و جلدهما أقزام لا يبرجون بطون امهاتهم الا في أعياد المجوس.
عفوك شاعرنا ، ليس للأقزام الا أم واحدة ، وذات عيد ماطر كان الذبح و السلخ في التلفزيون ، و كانت الاقدام تغوص في الوحل حتى الأذنين ، و اشعة شمس الشتاء تنعكس على أديم الثلج و تسقط في العيون …و البغلة تسكر جراء هذا ، فكانت بالفعل سكرانة ، وكان ان استعادت وعيها من هول الضربة المعلومة بالرأس على الرأس هكذا ّ دزززززات ّ ..
فكان ان أفاقت على غير ما صورت لها ذماغها الجسيمة . الصاع صاعين ركلت تحت الحزام وبقيت صاغرة تنظر في براءة لا غبار عليها ، فلا غبار في موسم الامطار .. و حده اكسير أشعة الشمس على الجليد الصدئ في عينيك يخطف
يحطف لبك فتمضي اليه مشدوها متضورا ..تمضي و الناظر يتبعك و البغلة ترمش كحيلة عينها كبيرة لولا انها عين البغلة .
ترى فيم عساها البغلة ترمش يا مولانا ؟ يا لبراءة البغال ؛ ترمش . في البدء لم تكن بغلة . في البدء كانت فرسا جموحا
اجتمع الأجلاف عليها ، أوثقوها و شلوا حركتها في منحدر حتى يتسنى للحمار ان يعتليها …يا لقبح المشهد . فقبح من مشهد و قبح من لا ينطحه بالرأس على الرأس هكذا ّ دزاااات ّ …
الدوخة الكبرى تلم بك جراء النطح على رأس البغلة .. – تسبل أهذابك على صرخات و بروق – و تمضى على خطى الشعراء و هدي – قمر ميت تبكيه بجعة وحيدة – و تلك الهامات المائلة في السفح تطاول النجوم و لا تطاول الجبل .
قال – انها المنارات تطأطئ هاماتها ….في أفق يتغضن و يرتعش – و أقول انه الأزرق و ان تسربل فضيا من بين الأغصان في غابة يهدهدها قمر ميت عند سفح الجبل – في غابة ما ….امرأة تقبل ذئبا كسيحا ….على عتبة الغابة …هياكل عظمية تضحك للنجوم …و في كوخ مهجور أنام متسترا على صيحتي – مهلا ايها الشاعر ؛ آهل جدا ذاك الكوخ الذي يأويك ، انت المتشيت بصخبك تشيت الطفل الفقير بلعبته الافعوانية .، آهل جدا ذاك الكوخ و مقهى الأوباش و ضحكتك المجلجلة تهتز لها أركان البنيان العتيق – حيث الوقت دائما منتصف الليل – ذات الضحكة التي يتردد صداها في اركان الغابة السبعة و يصلني ممهورا بعواء الذئاب الكسيحة ، فأستجمع شتاتي ، و أقتفي الأثر على – الرمل الذي يهدهد اقدام الينابيع اليافعة ….و السماء تغسل عيون الموتى – و لا تغسل عيون القمر و لا صدأ الأفق الجليدي …مهلا أيها البياض ؛ الان تبتدئ الحكاية : غابة مائلة ، قمر ميت ، جماجم تضحك ، بجعة وحيدة ، ضحكة مجلجلة و عواء من الجهات السبعة ….فنهر سريع يخترق الغاب يشطره شطرين ، كتفاحة فاسدة على مائدة في مطعم الحي الجامعي . من ذا يريد التفاحة ؟؟
- لأعمى الذي يغتسل بتنهداته أم أنا الصامت قرب القيثارة ، ملفوفا في معطف من غبار ؟ – و صار لك معطف يا ميارك ؟ …يا للبرنوس الأثير . . شمس الشتاء فاترة خامدة لا تدفئ العظام فبالأحرى هذا الجليد …عفوا ذاك الجليد ، ذاك في قمة الجبل . وحدك وحدك يا وحدك انت القادم من حيث الصهد يجئ ، وحدك وحدك تذيب هذا الجليد و يحدث التيهور ….يجرف الطفيليات و الجماجم الخاوية . يكفي ان تصعد الجبل . يكفي ؟ كأن تسلق الجبال كان امرا هينا ؟ ….و هو كذلك ولكن في بعد مشين . فرفعا لكل التباس تركت التسلق و ركبت النهر السريع . و جذفت ضد التيار باتجاه النبع الصافي – هل أقول ان أصابع النهر يأكلها الندم ؟ …هل انصت للدمعة التي ….تهطل بغزارة ….من ثقب حذائي …- حذائي أنا أثقلته مسامير اسكافي الحي ، ذاك الذي لا أعرف طول قامته ، فلم أره قط الا قاعدا يدق المسامير في أحذية السابلة . الاسكافي الذي لا اعرف كيف و من اين يدخل دكانه ، فليس لدكانه باب فيما أرى . الاسكافي الذي يداه كماشتان معروقتان بكدمات و شقوق و أضلاف أشفق لحال امرأة يتلمس نهدها ….دائم الحسرة على زمن كان فيه الناس يعتنون باحذيتهم احتراما لوجه المدينة و طرقاتها التي لا تؤدي لغير التهلكة ….ان هو الا حديث اسكافي يدق المسامير في حذاء جلد ه من ذبائح و جيف ، و خطوه في علم الغيب و قصيد شاعر – …عجزة يتقاسمون خبز الملاحم القديمة …شحاذ يغفو في محارة بحجم خرائب عمره الطويل –مهلا ايها البياض ؛ من يحتذي هذا الحذاء المثقل بالمسامير ؟ من يعفينا صدأ هذه المسامير ؟ من يجذف ضد هذا التيار .

…………..


ملحوظة : .كل ما ورد في هذا النص بين عارضتين مقتطف من ديوان : على درج المياه العميقة


10 مارس 2007

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى