د. أحمد الباسوسي - قراءة سريعة في أعمال الدكتورة د. وفاء الحكيم

فن كتابة القصة القصيرة يختلف عن فن الحكي التقليدي. ومن يتصدى لكتابة القصة القصيرة يجب ان يدرك تماما انه لايمارس الحكي كما يمارسه الناس والكثير من كتاب القصة، بل يمارس فنا جميلا تنتفض له وتتداخل كافة مشاعره وخلجاته من اجل ابداع لوحة جميلة يصبح الحكي خلفيتها وليس سيدها، مثل قصائد الشعر الملهمة واللوحات التشكيلية التي تعكس خلجات الفنان الداخلية والخارجية واسقاطاتها على واقعه الشخصي والعام.
والكاتبة الطبيبة وفاء الحكيم من طراز الكتاب الذين يجيدون كتابة فن القصة القصيرة باقتدار لافت وابداع متميز، ينعكس ذلك في اعمالها السابقة خاصة مجموعتها القصصية المتميزة " تقاطع" حيت لاتستسلم أو تستسهل اسلوب الحكي الديكنزي التقليدي بقدر ما تأخذك بقوة الى عمق الداخل سبرا لغوره قبل ان تدهمك بروعة اللوحة السردية المرسومة وكأنها صورتها تشكيليا باعتبارها رسامة ماهرة من طراز فريد.
ان منحوتاتها السردية في هذه المجموعة لا تسلمك نفسها بسهولة لكي تسبر غورها برغم من بساطة اللغة والحدث والتحكم في عدد سطور القصة، بل يتطلب الأمر منك ان تسبح معها الى الاعماق وتعيد القراءة، وتستمر سائرا مع الدهشة والتأمل والاستغراق قبل ان تفيق لتكتشف ان النص قد أخذك بشدة، وان اشياء كثيرة قد تحركت داخلك بشدة أيضا، وانك لم تعد نفسك قبل التورط في قراءة هذه النصوص.
ان نص أشياء مؤجلة نموذج صارخ لارادة الكاتبة في ممارسة عملية الابداع وليس مجرد الحكي، فهي تتميز برهافة حس شديدة حال المبدعين الفنانين، وقدرة فائقة على التقاط الخلجات اثناء التفاعلات الانسانية البسيطة وتحويلها الى لوحات فنية جادة على شاكلة المبدعين الجادين الملهمين.
ونص اشياء مؤجلة يبحث في علاقة انسانية شديدة التجريد، شديدة العقيد، واشتباك مشاعري معقد جدا بين طرفين يملكان رادرين فائقي الاستشعار والرصد. علاقة استمرأ طرفيها على وجودها كما هي، واصبحت تمثل كيانهم الواعي وغير الواعي ايضا.
استمرأ الطرفان ثبات دورانها حول المركز ومجاهدة الصراع والصدام عن طريق استراتيجية التأجيل المذهلة المريحة، ومعالجة التكرار والرتابة "الملل" الناتج عن طريق تحويلة الى اداة لتجريف الحزن الشخصي والعام "لتَّكْرَاْرُ دَاْئِرَةٌ تَجْرِفُ مَعَهَاْ كُلَّ أَزَمَاْتِ الْحُزْنِ المُبْهِجِ، ولَاْ يَتَبَقَّى سِوَى مَلَلِ الدَّوَرَاْنِ.
ان مفارقة النص المدهشة في هذا السياق فلسفية حكيمة تطرح الرؤية العميقة الجادة للكاتبة في الحياة ونظرتها لواقع يتأرجح ما بين ماهو عميق بعيد يؤكد ذات الكاتبة ويخفف من توتراتها واستعداداها للتكيف والتعامل ويحقق طموحاتها وتوقعاتها في التعبير عن ذاتها والآخرين على طريقتها باعتبارها نحت طريق مختلف في كتابة القصة القصيرة يعيد لها احترامها وقداستها وجديتها. وأيضا بين ما هو ظاهري سطحي يلامس الواقع من الظاهر ويتعايش مع هموم الناس والكاتب ذاته، ويجد نفسه وقد انضم الى قوافل الملايين من كتاب القصة القصيرة في مصر والعالم.
ان مفارة نص اشياء مؤجلة المدهشة تأخذنا الى حيث تريد الكاتبة خلال هذه العلاقة وما تبغيه الاساليب والحيل الدفاعية النفسية بين طرفيها من الرغبة في بقاء الحال كما هو عليه واستمرار الدوران حول المركز ومعالجة آثار التكرار والملل.
انه الحل السحري الذي ورثناه من خلال ثقافتنا التقليدية التي تنشد الاستقرار وتجنب الصراع والمواجهة خوفا من تغير يفضي الى مجهول قد لا تحمد عقباه.. ان نصوص الكاتبة جديرة بحق بالقراءة الجادة والتأمل واظهار كل ما يبطن داخلها من جمال وحكمة وابداع .

د. احمد الباسوسي
16/6/2020


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى