أشرف الخريبي - النهر.. الإله

إلي كل الصبايا اللواتي مللن انتظارا مريرا لمسافات زمن بعيد باحثين عن تفاصيل شمس لا تجيء إلي النوافذ رغم ضغطة النهدين..

إليها..

إلي البنت التي حين أسكنتها كلامي سكنت فسكنتها ساكنا.ومسستها مسا جنونيا فصارت جزءا من جنوني رغم ما بيننا من غباء اللغات

آه.... يا البنت الجميلة أنت يا رفيقة دربي أثكلك الموت تحت زند الحقيقة، لا شيء يتبعك هناك ولا رفاق.ولا زمن يحتويك. ولا نهار. لا عرس لعُرسك لا شيء يتبعك هناك ولا رفاق ولا زمن يحتويك ولا نهار .أطبقي راحتيك علي ساحتي واطمئني يا بنت ليلي كل هذي الشجرات الحزانى لك كل أحلامي في الليل لك كل ليل بعد منتصف الليل لك وأنت ما زلت تشاهدين ذبول الشارع، البنايات القديمة والمطر تفتشين عني وأنت..

أنت البنت التي ما كانت تخون هواها فاتصفي باكتمالي واستأنفي صعودك نحو المغيب وانتظمي الآن في صفوف صفوف تلك كلماتي الأخيرة لك.... الإمضاء

إلهك الرخامي المتشكل في خارطة الأرض نهرا

كانت لسعة البرد في هواء الصباح كافية لجعل البنت ترتعش يتقلص كل جسدها وترتعش تنفخ في يدها زفيرا ساخنا لا يود الخروج لهذا العراء ورغم ذلك ترتعش بيدا أنها لما داعبتها الطيور الصباحية وكلمتها النوارس علي ضفة النهر أغوتها بالنزول للماء لتستحم.لكنها ابتسمت وبعيونها المستنيمة مرت علي الأشياء.غارقة في تفاصيل صباح بليد، ريثما تطلع من نومه الأمس تائبة عن الدفء الواهمة إياه.

كانت ذابلة كشجرة التوت في الخريف تعدد حكاياتها وتحمل مرساتها وتمضي تنثر للفضاء البعيد شوقا كليما لإله رخامي ينام في صدرها. البنت ذات الفستان الشفيف والحزن الشفيف الوجه الشفيف. تغير أسمائها فتصير البنت الجميلة البنت الصغيرة البنت بلا صفة ولا معرفة تصبح زورقا مبحرا لقاع المدينة.كل صباح تفتش عن رزقها، تحمل رعشتها وتمضي بمحاذاة النهر تكلم النوارس تنظر الشمس الطالعة علي استحياء فترتعش هي ضفرت شعرها ضفيرتان طويلتان منسابتان علي الجسد / خلف الجسد. خلف الوجه.تترقصان بطيئتان بإيقاع مشيتها حين تملأ البنت فراغ الرصيف. تعمل من غدها بسمة رائقة وتنكمش لما تفاجئها رعشة في البدن فينتظم الخطو علي الرصيف.

انهضوا الآن..كي تروها تسير مرتعشة في العراء في لسعة البرد في هواء الصباح.تغوص البنت بين البنايات تبحث عن يومها تفتش عن يُتمها\عن عريها \ عن أقل البراعم كي تحتضنه.لكنها تمضي في قلبها رعبا منحبسا من زمن عاهر تبني من الذكريات القديمة ملامح لها هي البنت الجميلة تمضي

كل ما قاله الشعراء المُحدثون \ النبيون \ الحكاءون المتعاطفون معها كل ما قالوه عن براءتها وفقرها وحزنها. وسرها،يومها وأمها وسريرها.دفئها وليلها كل ما قالوه عنها...........كوابيس أحلام غير كافية.كانت تسير في لسعة البرد تلك الكافية لجعلها ترتعش.تمسك الشوارع والأرصفة، ليل الحارات والقطارات التي لم تجئها حين كان إلها رخاميا يسكن في صدرها يُخرجها من اشتعالها بالبرد وبالوحشة الأنثوية.كانت لما رأته أول مرة عانقته لاهثة فمنحها دفئا قاسيا لا يروح.ومسها مسا شفيفا فصار كائنا في مداها الوسيع وصار لها ساكنا في صدرها الوسيع.أخذت تحتضنه فوق الحوائط والبنايات ووجوه من قابلوها فأمسي حنينها.يدثرها من رعبها الليلي ووحدتها يخبئها حين تنساب دمعاتها يضمها بقسوة ذكريات بعيدة .هي ذات مرة ترتعش وكل مرة ترتعش تقف هناك وحيدة تتابع دقة الصمت وحيدة تحت مظلة الباص وحيدة.احتوت البنت ابتسامتها ووحدتها. لما جاءتها الطيور الصباحية وأغوتها النوارس بالنزول للنهر.سرت قشعريرة في البدن الدفيء كانت تحب المطر ولون مساحات صوت القطار حين يهز أرجاءها تجيء إليها وشوشات وابور الجاز في ليالي الشتاء العفي.فيقشعر البدن متحفزا ،صوت أمها المليء بوجع قال عنه الطبيب افتقار إلي الدفء والألفة العائلية تنكمش البنت من البرد تحت الغطاء وهذا الفضاء يعلمها أن تري كل شيء فوق الحوائط تضع أوراق الجرائد القديمة علي فتحات الشباك المكسور لمنع دخول الهواء فيخونها الهواء ويدخل تحت الأغطية كلها في الليل حين تنام. لكنها أبدا شاعرة بالفراغ وقسوة البرد تذهب للنهر تراه في مشية الصبح.

قالت البنت لو اذهب للنهر الفرحان واستضي بضي الوضوء وأتضوع بالضحى. أضيع ضفة في ضفتيه استبيح خداعه المباغت لتفاصيل جسمي الحييي.استقبل القبلات الجريئة للموج الهاديء أمد إليه عريي واستحم في مياهه وارتوي من عطشي الدائم لفوران الزبد فيصير النهر إلها رخاميا معي.البنت مشت خلعت ثوبها في هذه البرودة القاسية ومشت للعراء عارية لم تكن كشجرة التوت في الخريف. كان طرح التوت علي نهديها النائمين في استكانة حلمها الأنثوي الباهر حين ينتفي الزمن عنها. تغطي جذعها الممشوق براعم خضراء يانعة وورق مُزهر ناعم. كان كتفاها شفيفان مثل الموج البعيد

وهي البنت الجميلة تستجير بما لا يُجرها. تفتح باسم ارتعاشها طريقا نحو الوضوء الحبيب بعد أن رمت كل شيء لذئب غريزة لا تراها غاصت يديها تحت أسرارها وأمسكت الكلام الذي يود أن ينفلت من لسانها

في هذا الصباح البارد الهاجع من صمت الشمس عن الخروج لبوتقة الكون كانت البنت قد مشت هكذا إلي النهر عارية يغطيها ورق التوت.

هكذا

طافية هكذا...

هي ذي تتهادي ببطء ثقيل تحرك أعضائها في اتجاه الهواء بقليل من الارتعاش.هي المتجهة صوب النهر.. ..........اتجهت

تحسست بأقدامها حافة الأفق وضفة النهر.....ونزلت

سبحت باتجاه المدى.. وبكت

في البدء داعبت الماء................ وداعبها

انحنت بصدرها .. .........................وهوت

لامس الماء وجهها بلل أطراف شعرها المرسوم جدائل جدائل.انتشت البنت ودخلت في انبجاس ضوء مريع ولما خفق قلبها خفقة خرجت تنظر النهر صامتة تأملته بشهقة طويلة وحملت انكسارها الغريزي قاطبة." بيد أن الماء بعد الحزن ماء "

حين أنفضح عجز الماء عن احتواء الجسد. وطال فراغ الخروج من حلول البنت بالنهر. ارتدت فستانها ومضت.علي ورق التوت داست.خان البنت الهواء ثانية رفع ذيل فستانها فلم تستقر مشيتها فقدت توازنها ولفت نصف دائرة كيما تمنع مداعبة الريح لها تحسست إلهها الرخامي في صدرها وسال آسها في حينها. لسعها هواء الصباح المنتشي واستعادت توازنها ولما ابتسم الإله لها عانقته عناقا مريرا. ناحبا ومضت شاحبة ووحيدة مثل شجر التوت في الخريف المر بلا ورق ولا صفة ولا معرفة قالت البنت: لم يكن سكوت النهر إلا اشتهاء احتواء الجسد فلماذا يبعد النهر عني ؟لماذا تصير المفاتيح جذور الهواء ؟ لماذا يصير النهر خطوط الخرائط وفي الأطلس المدرسي وقط ؟وقفت البنت في مواجهة معرفتها الأولية لم يكن في يدها غير تكرمش المنديل فارهصها وجيبا في قلبها واعتصرت بالشهيق الطويل المحتدم.أمام باب المحل الذي تبيع فيه

انحنت لتفتح......عزت عليها الخطاطيف الصدئة جاهدت ضربت الخطاف في الأرض فلم تنفتح الأبواب.قرفصت البنت أقدامها وأمسكت الخطاف بيد مرتعشة.تدك المفتاح في صدأ القفل الحديدي تسمع تكة تعرفها تتنهد البنت هي المليئة بالسكون والارتعاش تنهدت.. مضت يحتويها الشحوب النهائي والهواء يداعب طرف فستانها.حين مست أساها المخنوق بليل طويل وصبح بارد.أبعدت كل الخطاطيف فارتفع الباب لأعلي صاعدا.وابتسم ألهها الرخامي لها


اشرف الخريبي
روائي وناقد مصري عربي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى