د. ميثاق بيات الضيفي - ديناميت الحروف النسوية!!!

” ضعف المرأة.. هو اقوى سلاح في العالم !!!”

غالبًا ما يتم العثور في الدراسات الحديثة على مفاهيم مثل “الصوت النسوي” و “النظرة النسوية” و “الكتابة النسوية”، والتي عادة ما يرتبط ظيهورها هي والانعكاسات الجادة لتفاصيل الرؤية النسوية للعالم، ارتباطًا وثيقًا بالاهتمام العام بقضايا النوع الاجتماعي في الثقافة الحديثة، وأدى التغيير في الدور الاجتماعي للمرأة، وتطور دورها واختراقها للمهن التقليدية للذكور بما في ذلك المهن الإبداعية، إلى حدوث تغيير في فكرة هيمنة المبدأ الذكوري في التكوين لصورة جديدة للعالم عبر مرور المرأة بمرحلتين، كانت ألاولى بمحاولة اثباتها لمساواتها والابتعاد عن مشاكل الاختلافات بين الجنسين، وبعد إثبات كفاءتها من خلال الاعتراف بالوضع العام والمهني والوضع المالي بدأت المرحلة الثانية بالبحث عن لغتها الخاصة ، التي تختلف عن اللغة الذكورية ، ولكنها تلعب دورًا متساوًا معها في بناء النصوص الثقافية، فيمتد عبرها التأنيث إلى جميع أنواع الممارسات الفنية التي يتم تشكيلها تقليديًا في سياق الثقافة الذكورية.
وهنا يمكن للمرء أن يرى تفسيرًا جديدًا تمامًا لكل من الصور النسوية والأنوثة بشكل عام، فتتحدى الفنانات والمخرجات والكاتبات هذا الموقف تجاه المرأة، والذي يمكن تسميته بـ “التدمير الرمزي”، وينكرن سلبية المرأة باعتبارها موضوعًا للإبداع الفني في جميع مظاهرها، ويكاد هذا ان يكون واضحا في الأشكال الفنية والتي يشار إليها عادة باسم الفن ما بعد الحداثي، وقد أدت العديد من الأعمال والمعارض الفنية والعروض والكتابات والمؤلفات النسوية إلى تحويل مجال الإبداع الفني بأكمله من خلال أشكال جديدة ، ووعي ذاتي جديد، وفهم جديد للسياقات وتفاصيل تجربة النوع الاجتماعي، ونتيجة لذلك فإن الحركة النسوية كحركة ثقافية واجتماعية وانسانية وكفصل جديد في تاريخ الفكر والفن لا يمكن فصلها عمليا، اذ حدث صعود الفن النسوي في نهاية القرن العشرين على خلفية تغيير عام في أسس الثقافة في الوضع الثقافي، ولا يخفى على احد غموض وعقدة العلاقة بين الحركة النسوية وما بعد الحداثة، ففي الفن النسائي ذي التوجه النسوي أثيرت أيضًا مسألة مجموع “نظرة الذكور” وأصبح من المعتاد اعتبار عين الكاميرا المراقبة والمقيمة على أنها “عين ذكر”، بينما تصبح المرأة موضوع هذه النظرة، فيتم لذلك تفسير مفهوم “المظهر الذكوري” على نطاق واسع لإن المظهر في المجتمعات الشرقية بشكل عام هو في الأساس “ذكر” في طبيعته، وهذا يعني أنه على الرغم من وجود الاستاذات والطبيبات والمؤلفات والمخرجات وكاتبات السيناريوهات فإن الجامعات والمستشفيات والمكتبات والمعاهد السينمائية لا زال يحكمها ويديرها الرجال، ومع ان جميع القصص والروايات وحتى المسلسلات والأفلام قد لا تحتوي على مؤلفين من الذكور، ولكن من صنعها واخرجها وانتجها يجب أن يعمل ضمن نظام يمتلكه ويديره الرجال حصريا، وحتى على مستوى المخرجين فلا يوجه الرجال أعينهم بالضرورة لكنهم يتحكمون في أولئك الذين يفعلون ذلك، وليس غريبا ان قولنا ان مظهر الرجل لا ينتمي دائمًا إلى الرجل، لكنه هو من يتحكم به، أما المتفرجة فلا يبقى لها وبيدها شيء سوى التعرف على النظرة الذكورية لتلك الاشياء.

ومع كل ما يدور من اقوال وتحفظات وتحيزات ذكورية ينادى بأنها مبادئ وقيم منهجية لكن العدل يوجب ويفرض التشكيك فيها، لأنها اولا ما هي الا صناعة تمت بيد الطرف الذكوري,، وثانيا لأنها تثير الشكوك حول وجود البصيرة النسوية، وإذا كانت النظرة الملحة التي تفصل موضوع النظرة عن موضوعها بإسقاط الرغبة في هذا الشيء، هي في الأساس ذكورية، كما يدعي العديد من النساء، فهل من الممكن أن يتمركز الفن والابداع البصري بالنساء من حيث المبدأ؟” ينشأ مثل هذا السؤال عند محاولة تحديد تفاصيل إبداع المرأة في مجال التصور، وقد أعطت الممارسات الفنية الحديثة إجابة إيجابية على هذا السؤال، وان حقيقة وجود الفن والادب تمكن للمرء أن يتحدث عن “الكتابة النسوية” التي اكتسبت مكانة قوية في الثقافة الحديثة لتحدد التركيز الرئيسي لهذه الرسالة عن المرأة نفسها، والتي تصبح موضوعًا للنشاط الإبداعي فيجب أن تصف نفسها، لأن هكذا عمل هو اختراع لرسالة متمردة جديدة ولكن بشرط ومستجدات ضرورية عادلة، والتي ستسمح لها بإكمال الاختراق الضروري وتحويل وجودها الى صور حية ومرئية، وهذا الاختراق يتم على مستويين، مستوى الفرد ومستوى العمل، وفي تنفيذ المستوى الأول يؤدي الوعي الجسدي دورًا مهمًا يجب أن يكون مسموعا وهذا يتفق مع الاهتمام بالبدنية التي لاحظناها في الفنون البصرية ويمكنها إنشاء نص مكتوب بلغتها الخاصة، اما المستوى الثاني من “الاختراق” فيمكن ان يكون بغزو ساحق للتاريخ، والذي تم بناء وخط اغلبه على قمع النساء وقمع عقولهن وصوتهن ومحي دورهن في واقع الحياة، لتحدث تحولات هائلة في وضع المرأة كموضوع مبدع، والذي يتم التعبير عنه في انتشار الأدب “النسوي” وتأنيث الأنواع التقليدية واللا تقليدية من الثقافات، فلذا قد يمكننا أن نقول أن تشكيل التأليف النسوي في كل من الفنون البصرية والأدبية، يبدأ باكتساب “نظرة” المرء و “صوته”، مما يهدف إلى تمثيل العالم النسوي ليتم توجيه هذا الرأي إلى الخارج، وإلى عالم الرجال الذين ينظر إليهم على أنهم آخرين، وهو ليس بالضرورة معاديًا لأن صورة العالم المعروضة في إبداع المرأة تجعله أكثر ثراءً وأكثر انسجامًا، ومن المثير للاهتمام أن يكون العدد الهائل من النساء في مجال الإنتاج الثقافي المعاصر لا يتحدث مهموما عن عدم ظهور انسجامات فكرية جديدة بين الجنسين لأنه وبشكل شبه عام لا يوجد مكان للنساء في الفضاء الذكوري المحدود، ونستطيع الجزم هنا بأن عين الكاميرا الحياتية لو كانت عين امرأة لكانت قادرة على اختراق العالم الذكوري ، وتنقلت بسمة مميزة في الإبداع الفني، فيمكنها على الأقل أن تدعي أنها مختلفة في الواقع، ومميزة في هيكلها الاجتماعية، ولأحدثت عمليات موازية في المجتمع، واجتاحت بشكل متزايد وبقوة منطقة الذكورة، ومن هذا وذاك فقد اتخذت الكاتبات بحزم مناصب في المهن الإبداعية أو الأنواع الفنية التي كانت تعتبر ذكورية، وحافظت على المهن النسوية التقليدية، وعلى كل حال فإن الاستبعاد والاضعاف والتعنيف المتخبط والمتعمد على المرأة هو مهزلة يمكنه أن يؤدي بالمرأة “لانفجار إبداعها”، متزامنا مع تغيير الوضع الاجتماعي لها، وإلى استنتاج أن غيابها أو تهميشها في مجال الإنتاج الثقافي لقرون عديدة كان نتيجة لهيمنة الثقافة التسلطية والعنصرية “الذكورية”، التي حظرت جميع الأنشطة غير التقليدية لها بما في ذلك الإبداعية، وهنا نتساءل هل من الممكن أن تأخذ مثل هذه النظرة المحددة اجتماعياً لعمليات التأنيث في الثقافة لطفرة حقيقية وكبرى في قيام انقلاب مجتمعي وحدوث ثورة ثقافية نسوية كبرى؟!!!




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى