د. مصطفى أحمد علي - بطاقة بريدية..

تذكرهما.
معهما عرف باريس وحياة باريس...باريس التي يعشقها، باريس الكوسموبوليت : باريس الريغي والمآكل الشرقية والمطاعم الطريفة..باريس الباريسية: باريس مونمارت ومطاعم لوبيز ومقاهي شاتليه وليالي الجاز وجنون الكاتورز جويّيه!
تفرقت بهم السبل، وحالت دونه ودونهما الليالي!
قام بجولة قصيرة في غنينغباخ. شغلته ذكريات قديمة عن ما حوله من جنان وحسن. ودّ لو انه بعث ببطاقات بريدية إلى أصدقائه بباريس، ثمّ تذكّر بطاقة بريدية بديعة وصلته من اليونان: بناء قديم يتدلى منه جرس نحاسي كبير . علّق تلك البطاقة حيناً على جدار داره، حينما كان له بباريس دار، ثمّ نزعها.
كانت بعثت بها من اليونان، أرض أجدادها. كانت تحيطه بمشاعر واضحة، أما هو فقد مال إليها ميلا قويا، لكنه لم يكن يملك أمر نفسه، فلم يلتقيا، ثم، بعد حين من ذلك، التقيا وتواعدا وتقابلا. ركب معها سيارة في شوارع باريس. كان الزمان اغسطس، والمدينة عامرة بالسياح، فارغة من أهلها وكانت هي حديثة عهد بقيادة السيارات.
شاهدا فيلم "الطمبور" (=الطبل)، ثم شاهدا فيلما انجليزيا، نسي اسمه، وتذكّر أنهما ملّا الفيلم مللا دفعهما إلى أن يقطعا مشاهدته. كان ذلك على شارع الشانزيليزيه. ثم دعاها إلى شراب ساخن في مقهى ( النيوستورز).
كان صادقا حينما حدثها عن نفسه، وعن مشاعره نحوها!
أكان هذا الصدق سببا في بكائها ونشيجها وهما في المترو؟ تقاطرت دموعها على ردائه، ثم ضمها إلى صدره ضم مفارق.
لم تكن جميلة، ولكنها كانت صافية الضحكة، طفلة الملامح، باريسية الخطوة والنكهة. معها، زار مراتع صباها في نواحي فاغرام.
اوصلته إلى داره ثم افترقا، ولكنه احتفظ بذكراها تسري إلى خاطره ويملؤه الشجن.
حين ألمّ بباريس هذا الصيف، التقى بشقيقتها، على طعام في مطعم كردي، وسألها عنها، وعرف أنها أوشكت على اكمال دراسة الطب، وأنها سعيدة بخطيبها اليوناني.
صارحها: هل تعلمين أنني كنت أحمل لها مشاعر قوية ومودّة؟ إجابته في ضحكة ذات معنى: أجل!
أما زالت تتذكر بكاءها في المترو؟
أما هو، فبلى!

د. مصطفى أحمد علي
اورتنبيرغ، أغسطس ١٩٨٧

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى