مالك معاذ سليمان - موقف.. قصة قصيرة

ارتال الصحون في ازدياد مضطرد مع ميلاد كل دقيقة وعلي القيام بغسلها جميعا، وقبل ذلك كله لا بد من تلميع الملاعق والاشواك والسكاكين وتوزيعها بعناية فائقة على طاولات المطعم تمهيدا لوجبة العشاء. صندوق الطماطم وكيس الخيار ينتظرانني بلهفة. ومن اجل اعداد الخبز العربي، فإن العجانة تصدر انينا كأنه موسيقى تصويرية لمشهدي التراجيدي.اما الفرن فينتظرني بصبر نافذ لإعداد الخبز العربي. تذكرت في تلك الأثناء اول يوم قدمت فيه الى هذا المطعم وكيف كنت سعيدا لدرجة الثمالة، فقد كنت محظوظا بالفوز بهذه الوظيفة خاصة وانني لا احمل اذن عمل في مدينة دنفر كولورادو. سلمني صاحب المطعم قائمة طويلة بالمهام المطلوب مني انجازها اثناء ساعات العمل. فغرت فاهي مندهشا وهممت ان اذكره بأن الشخص الماثل امامه انسان من لحم ودم وليس رجلا اليا او جنيا، لكن فرصة الحصول على عمل في تلكم الظروف الصعيبة الجمت فمي، ثم اردف تلك القائمة بشرط آخر وهو التبسم في وجوه الزبائن، والذي يعتبر من الامور المهمة في هكذا العمل... في تلك الليلة تسمرت امام المرآة لساعة من الزمن مدربا نفسي على التبسم بدون سبب فكان ذلك اشق علي من تسلق جبال روكي...صوت ماء منهمر بغزارة لم استطع تحديد مصدره. التفت مذعورا ناظرا تحت قدمي، يا للهول، لقد سدت حبات الارز حوض المغسلة فتسربت المياه وغطت معظم ارجاء المطبخ. نظرات الطباخ ومساعده والنادل مصوبة نحوي. إنها تمزقني كما الخناجر المسمومة. يا الهي!! ما من احد يمد لي يد المساعدة، ولا بد من معالجة الموقف بسرعة .والا اصبحت في خبر كان. هاتف يأتيني من اعماقي: الوقت كالسيف، فلتقطعه قبل ان يقطع عيشك ايها الانسان المسكين.ارسل نظراتي المستجيرة الى الساعة الحائطية علها تتوقف من اجلي ولو لبرهة من الزمن، غير أن عقاربها
ابت الا ان تمضي قدما، غير آبهة لنداءاتي المستغيثة.. هاأنذا قد أنهيت مهمة معالجة المغسلة ومسح البلاط في زمن خرافي. التفت حولي علي انعم بنظرة اعجاب او تقدير، فلم ار غير اعين غضبى تنظر الي شزرا وتطالبني بالمزيد من المستحيلات. تجاوزت الآن الساعة السابعة بعشر دقائق،
وصوت النادل بدأ يعلو في غضب وارتال الصحون تزيد ولا تنقص وصندوق الطماطم والخيار والعجانة تنتظرني بلهفة، والاصوات تناديني من هنا وهناك : أين الصحون يا مالك؟ أين الخبز يا مالك؟ آين ذاك وآين تلك يا مالك؟؟ رأسي توشك أن تنفجر وعلي في ذات الوقت أن اتشبث بالابتسامة وأن اعض عليها بالنواجذ والانياب. غصت صالة المطعم بالزبائن الذين ما انفكوا يتوافدون زرافات ووحدانا. بعضهم يقهقه بصوت عال بعد ان بلغ حد الشبع. اما أنا فأضحك مع نفسي من نفسي المشتتة ما بين المغسلة والفرن وصندوقي الطماطم والخيار، دافنا صرخاتي الهستيرية في دواخلي الممزقة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى