أمل الكردفاني- إشكاليات شخصية في الفن والأدب

هناك مراحل معينة لابد أن يمر بها المرء ليصل للإحتراف..ولكن قبل التوجه هذا لابد أن يمتلك مرونة عالية جداً، ولكن ذكية أيضاً.
إن بيئة الفن والأدب هي بيئة بشرية، لا تختلف عن بيئة السياسة والرياضة والوظيغة العامة والتجارة الخاصة..فبما أنها بيئة بشرية، فهناك خاصيتان متلازمتان وحتميتان، وهما خاصيتا التفاعل والصراع:

خاصية التفاعل:
لا يمكن لإنسان أن يحقق أي إنجاز بدون وجود بشر آخرين من حوله. فحتى لو حقق ذلك فإن ثمار ما أنجزه لا تحمل تلك القيمة التي تعتبر دافعاً للعمل..إن الأخرين هم أساس كل عمل فردي، فبدون الآخرين يمكن للفرد أن يكتفي بالبقاء في غابة لالتقاط الفواكه والثمار، والأكل والشرب حتى يموت..
إن الآخر يمنحنا عدة احتياجات، منها الهوية، فهويتنا لا تتحدد إلا مع وجود آخر مختلف الهوية. فالإنسان كائن تصنيفي. ويمنحنا الآخر الرغبة بالعمل لتحقيق التفوق، فالتفوق يعني الوصول لنقطة لم يبلغها شخص آخر..فلا يمكن أن يكون هناك متفوق إن لم يكن هناك آخرون يتفوق عليهم. والآخرون يعطوننا الإعتراف؛ إن الإعتراف هو القيمة المثلى لكل مجتهد، فليس (تسلا) المخترع العظيم كان ليجد دافعاً للتفوق بدون آخرين يتفوق عليهم. إن رجل الغاب الذي يعيش وحيداً لا يحتاج للتفوق.. يحقق الإعتراف بذاته إشباعاً نفسياً بالقدرة والقوة.. وبالتالي التَّمَاسْ مع الحياة..إن الفنون والآداب والرياضة والسياسة وغيرها ليست مطلوبة لذاتها بل مطلوبة بسبب وجود الآخر..وهذا يعني أن الإنسان كائن متفاعل. والبيئة التفاعلية هي الأساس الذي تنهض عليه معاني الحياة التي تميز بين الوجود المحض والوجود المعيش.
الصراع:
والخاصية الثانية هي بالتأكيد: الصراع، إذ أن التفاعل لا قيمة له بدون الصراع...فإذا كان هناك مجموعة من الأفراد متساوون في القدرات الذهنية والجسدية، مع اقتناع متساوٍ بينهم بعدم وجود مبرر للتفوق، فهؤلاء في الواقع سيكونون الأقل إنتاجا من غيرهم. فهنا لن يختلف الفرد عن الجماعة. وستستطيع هذه الجماعة الحياة في صورة واحدة وفق نمط واحد محدد وتحت أفق واحد لا يتجدد ولا يتبدد. وهكذا فإن الصراع هو مناط تطورنا البشري..وليس السلام والأحاسيس الطيبة. إن الأحاسيس الطيبة في الواقع لابد أن تختبئ هي ذاتها خلف الصراع، إذ أنه بدون الآخر الشرير لن يكون هناك (أنا الطيب)..فمعايير الخير تنبثق عن الشر، والعدل عن الظلم والطيبة عن الخبث..لتجد نفسها متميزة عن مصدرها وهو الصراع، ولكنها في الواقع تساعد على دفع صراعنا البشري نحو الأمام.
هاتان الخاصيتان هما ما تميزان نشاطنا الإنسان، المادي، أو المعنوي (الحب، الكره، الشغف، الإحباط، الغبطة، الكآبة،الأمل، القنوط...الخ).
وهذا ما يجب أن يضعه كل متوجه نحو الفن والأدب.
فهناك وهم بأن بيئة الفن والأدب، هي بيئة مثالية، ولكنها في الواقع ليست كذلك، سواء من منطلقها، أو من صيرورتها. ولذلك يجب التعامل معها كما لو كانت بيئة سياسية بحتة، من حيث، بناء التحالفات، وتجهيز أسلحة الهجوم والتدمير، ودروع الصد الدفاعية، اي التعامل معها كبيئة لا أخلاقية. كما يجب فهمها أيضا كبيئة تجارية، تتنافس على تحقيق الربح، ولا يمكن أبداً أن يكون هنالك من يتلقى ربحاً بدون أن يكون هنالك آخر يتحمل الخسارة. إن التوازن في صراع بيئة الآداب والفنون لا يتحقق أبداً. بل أن الفن والأدب، قد يدفعان بالفنان أو الأديب نحو الإنتقال إلى طور صراعات أعلى كالصراعات السياسية. إذ يكون الفنان أو الأديب مستهدفاً دائماً من حيث الاستقطاب السياسي، الذي هو تحالف مستمر بين (القوة المسلحة والقوة المالية). هذه القوة تسمى سياسة، وتتحالف بغرض استقطاب أسلحة جديدة لدعم سيطرتها (السلطة) كالمفكرين والفنانين والأدباء والمخترعين والإعلاميين ورجال الدين والملحدين...الخ. إننا جميعاً خُدامٌ لهاتين القوتين في نهاية الأمر. ولذلك فالفنان ليس إستثناءً من ذلك، وعالمه ليس طوباياً كما قد يتصور.
إن أسوأ ما قد يقع فيه الفنان هو طرح نفسه محلاً للتقييم، إذ أن هذا يعني عدم فهمه لتلك البيئة المتفاعلة والتصارعية من جهة وعدم فهمه لتنوع القدرات التقيميية من جهة أخرى. إن أفضل ما يجب ويتحتم على الفنان أو الأديب فعله هو أن يطرح هذا السؤال على نفسه بتجريد وذلك من خلال أداتين:
القراءة المستمرة.
العمل والتجريب المستمرين.
هنا يكون الفنان أو الأديب، في حالة نقد ذاتي مستمر، وبالتالي مرونة تمنحه القدرة على التطور الهادئ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى