سعيد نوح - كلما رأيت بنتاً حلوة أقول يا سعاد.. جزء من رواية

إهداء
إلي روح سعاد و أبي وسعاد الصغيرة
سعيد نوح
********
1- كمن يودع الموتى
عادت في الساعة الثالثة كعادتها . كانت في يدها حقيبتها السوداء ‘ أمسكت بالإيشارب وقالت لامها إنها مرهقة للغاية وتريد أن تنام قليلا ثم تصحو على آذان المغرب لأنها صائمة.
حين رأت الأم براد الشاي بالنعناع يغلى قالت لماجدة " خشي صحي سعاد من النوم بقى لها ييجى ساعتين نايمة.. "
لم تستطيع أن تصب الشاي ، كان صوت ماجدة أسرع من كل شيء … أخذت في يدها كوب الشاي الفارغ وهي تعدو ..
كانت ماجدة تصرخ وهي ممسكة برأس سعاد بين يديها … تهزها وسعاد ممدة لا ترد على أحد .
قال سعيد للرجل الذي يحاول أن يضع المروحة الكهربائية أمام وجه سعاد : لماذا ماتت سعاد ولم أمت أنا ؟
كان يوم الاثنين الثاني عشر من يناير 1993 يوما باردا جدا .. لم ينتظروا وصول كل أعمام سعاد وذهبوا بها في تمام الحادية عشر مساءاً ، هكذا أشار الشيخ مجدى أخوها الأكبر .
يوم الخميس الرابع عشر من يناير دخل الأب شقة ابنه الأكبر مجدى ، وجده يرقص وهو يبكي .. أمسك الأب بالفوطة وربطها على وسطه وابتدأ المبارزة .
يوم السبت الموافق 29 من يناير وقع سعيد على الأرض وخرجت الدماء من فمه ، ودخل حجرة الإنعاش . يوم الاثنين الموافق 31 من يناير تخلص الأطباء من حمل هويدا زوجة سعيد .
***************
2- عن العرس
حين توقف النعش نظر خلفه ... بسمل وحقول ثم صاح بصوته الذي يعلمه كل الحاضرين ... لا إله الله ... رددوا وراءه كأنهم جوقة يعلمون ما يجب عليهم .. ولم يكن بينهم صوت واحد نشاز . استمرت هذه الأغنية الجميلة جدا حتى نظر إلي امرأته في شرفة منزلهم وقالها : دعيها تمضي يا أم مجدى .. سمع صوتها الواهن يقول لها : مع السلامة يا حبيبتى ... فتحرك النعش ... عند الصلاة رفض ذلك الرجل أن يؤم الناس ، تقدم ابنه سعيد وصلى بهم . كانت عيونه جامدة وهو يزيح الناس عند القبر وصوته يعلن أنه لا يدخل ابنته إلا هو وابنه سعيد وخالد هارون خطيبها . وكان أول الداخلين وتبعه ابنه سعيد وخالد . ثم أمسك بالكلوب وقذفه بعيدا ونادي على من يلبس جلبابا غامق وأمره أن يقف على باب القبر . كان النور في القبر كأنه بزوغ الشمس رغم أن الساعة لم تتجاوز الحادية عشر والنصف مساء . أخذ ابنته على يديه ، أمسك برأسها وأمر سعيد أن يمسك بوسطها وخالد يمسك بأطرافها ولا يلمس غيرها . ارتعش خالد لما اقتربت يداه من ظهرها ، تجهم وجه وأمره بالخروج ، وحين رأي دموعه تتساقط استبقاه . وضعوها على الأرض .. صنع لابنته مركبا على الرمل ووضعها في منتصف المركب تماما .. فك الأربطة بيديه .. ثم رفع الكفن عن وجهها وأمر سعيد أن يبوس أخته في جبينها ، ثم قال لخالد سلم عليها من مكانك وأخرج .. سلم خالد عليها . كانت عيناها مفتوحيتن بعض الشيء ووجهها متوردا وعلى فمها ابتسامة رائعة ، قبل ابنته ثم أمرها إن سألها ناكر ونكير ، أن ترد بما علمها .. ورجاها أن تذكره عند ربه بالخير .. ثم نام بجوارها وسالت الدموع من عينيه وهو يردد : نور على نور يا ابنتي .... الله عليك يا سعاد . وفعل سعيد مثله ليرى إن كانت أخته مرتاحة هكذا ... ثم لملم بعض الرمال تحت جنبها اليمين ثم قام منتفضا وأشار لأبيه على بعض الصراصير ، فنظر الرجل إليها وقال : ستنصرف الآن ، ثم أشار لابنه بالخروج . تزحزح سعيد على الرمل وهو ينظر لوجه أخته المبتسمة المتوردة ويقول لها : ألن تعودى معى ياسوسو ؟ وبخه أبوه وأمره بالخروج ، نظر بطرف عينه وهو يحبو على الرمل إلي سقف القبر ، كانت الصراصير قد اختفت تماما ، تبعه أبوه وهو يردد مع السلامة يا ابنتي ، وأغلق القبر .. ورفع الرجل يديه وهو يؤمن على دعاء الرجل الملتحي .. ثم كان أول الواقفين في صف طويل يتلقي العزاء في ابنته الجميلة ويرد برتابة على من يشدون على يديه . في العودة وضع يداً على كتف سعيد والأخرى على خالد ... رد رد على تساؤل سعيد عن اختفاء الصراصير .. قال فضل الله يمنه على من يشاء ...
********************
محمد موسى والد سعاد
كان عاملا باليومية في شركة الحرير بحلوان وامرأته حامل في تلك البنت ، فتم تثبيته وأصبح له أجر ثابت . يوم مولدها لم يكن في بيته أي نقود . في صباح الاثنين ذهب إلي العمل وسأل امرأته عن حملها فقالت له ربما تضع حملها اليوم ... خرج وهو يدعو لها بأن تقوم بالسلامة . وفي حوالي الساعة الثانية عشرة استدعاه مديره ليعلن له أنه قد حصل على العامل المثالي هذا الشهر . وله أن يذهب إلي الخزينة ليصرف خمسة عشر جنيها .. فرح واستأذنه لينصرف لأن زوجته ستضع اليوم ... هنأه الرجل وأمر له بعلاوة أخرى قيمتها خمسة جنيهات .. أسرع إلي الخزينة .. أمسك بالعشرين جنيها وعاد إلي امرأته .. كانت تنام على السرير وليس بجوارها سوى أطفالها الصغار : مجدى وسعيد وماجدة .. حكى لها عن بركات المولود الجديد ، فحكت له زوجته أنها نامت بعد انصرافه فرأت من يخبرها بأنها ستلد بنتا كالقمر ، وأن اسمها سوف يختاره الصغير سعيد .. ابتسم الرجل ونادى على ابنه وسأله عن اسم أخته التي ستولد بعد قليل فقال الصغير " سعاد يا أبي " فضحك الرجل وسلم وصلي على النبي ، وقال : لتكن سعاد فهي المسعودة في الدنيا والآخرة إن شاء الله . تقبلت المرأة وقالت : يظهر سعاد عايزة تخرج . أمر مجدى أن يسرع إلي أم حسني الداية . فانطلق الولد مسرعا .. دخل إلي المطبخ .. أشعل الوابور ووضع عليه بعضا من الماء .. وسمع زوجته تدعوه بصوت واهن .. أسرع إليها .. كانت الطفلة بين أقدامها مشدودة بالحبل السري ، فهلل وكبر ودخلت أم حسنى وهي تسمي على المولودة .. قطعت للطفلة حبلها السري وغسلتها ولفتها في القماط الأبيض وزغردت وخافت على المولودة الصغيرة أن تكون خرساء لأنها لم تبك ، هزتها يمينا وشمالاً فانطلق صوت الطفلة بالبكاء زغردت مرة أخرى وأخذت حلاوتها وانصرفت . ضم أبو مجدى الطفلة إلي صدره وقبل زوجته ودخل إلي المطبخ مرة أخرى يعد لزوجته وأولاده الطعام .. أطعم زوجته الفراخ والشوربة بيده .. وقام يتوضأ ويصلي ويحمد الله على هبته ... ولم يعد للجيران سيرة سوي هذه الطفلة المسعودة . شبت الطفلة وكان لها من علامات الصلاح الكثير ، فقد حفظت القرآن وهي ابنة السابعة ، وتحجبت في العاشرة ، وهي بنت العامين كان سعيد يحملها على أكتافه طوال اليوم .. لا يتركها إلا قليلا ، ولما أكملت الخامسة كان سعيد يلاعبها في الشارع ، هرع إلي أبيه يخبره أن سيارة داست على بطن سعاد !! انتفض الرجل وجرى إلي الخارج ... كان الناس يلتفون حول السائق وبعض النسوة ترش الماء مكانها وتشممها البصل ... أفاقت الصغيرة ونظرت في وجوههم . وجدت أباها منكباً عليها فتعلقت في رقبته بخوف . وكبر الحاضرون ، والسائق لا يصدق نفسه ... البنت التي مشت السيارة فوق بطنها لا تزال بخير !!
أمره الرجل أن ينصرف وأخذ ابنته في يده ودخل .. ضرب سعيد لأنه عرض أخته للخطر .. فبكت سعاد عليه ، ومن يومها لم يمد يده على سعيد مرة أخرى .
تلك البنت لم تكن كأبنائه ، كان يحكي لها عن كل شيء تنتظره عند عودته من العمل .. تراه من بعيد ... تنكب على السلم تسابق قدماها الصغيرتان ارتفاعه البعيد .. يلتقطها في حضنه .. يصعد بها .. يفرغ جيوبه في حجرها ، تتعلق في رقبته وتتساقط حبات الفندام من حجرها .. يتسابق مجدى وماجدة إلي التقاطها فينهرهم ويقول : لهم اتركوا حبة للصغيرة أختكم ... تبتسم وتقول : دعهم يا أبي ، أنت حلاوتي .
ضحك كثيرا حينما كانوا في الاسكندرية ورآها تلبس بنطلون سعيد وقميصه ، وعلى رأسها حجابها .. يومها رفضت النزول إلي الماء واكتفت بالجلوس على الشاطئ .
***********
أفاق على رائحة بخور تنبعث من الدور الأول ، فنزل . وجد خالد خطيب ابنته يحرق خطاباتها ، فقال له إن هذه الرائحة من خطابات سعاد . جلس على حافة السرير الذي نامت عليه سعاد بالأمس .. سمع صوت الآذان فتحامل على كتف خالد وذهبا إلي المسجد . في طريق العودة كان يحادث خالد : سعاد هذه كان يجب أن تموت .. لأنها ابنة موت ، وحكي له عن يوم مولدها وعن يوم كان في البلد ووقعت سعاد في الترعة ولكنها طفت فوق الماء ولم تغرق .
وصلوا إلي المنزل ، فوجدوا أمها تغسل في الدور الأول حيث غسلت سعاد .
بعد قليل سمع زوجته تناديه ، فنزل إليها .. وجد حمامة بيضاء تشرب ماء الغسيل وتنثر الماء على جسدها ، وأخبرته أنها تغسل ملابس سعاد التي ماتت وهي ترتديها .. أمسك بالحمامة فاستكانت في كفه .. تركها فعادت إلي الطشت .. أمسكت به امرأته قبل أن يقع في الطشت واحتضنته .. دخل سعيد عليهما وامتزج في الكتلة الثلاثية مرة أخرى .. خشي الأب بينه وبين نفسه على الحلقة الجديدة التي تنفصل من هذه الكتلة .
لما نام رأي سعاد ترتدي ثوبا أبيض مطرزاً وحولها أطفال كثيرون وتمسك بيدها سعيد وفي الأخرى حبة خوخ .. مدت بها يدها .. فأراد أن يأخذ سعيد ، وعندما هم بسحبه كان في يده مظروف أحمر وحيد وفي فمه طعم الخوخ !!
*******************


خالد هارون – 21 يناير 1993
إني امتدادك يا سعاد فمزقي سفني إذا اختلطت عيوني بغير ماءك . يا حزني عليك يا حبيبتي ! الآن استرجعك .. كنت دمى ، كيف استطعت أن أطيع ذلك الرجل في القبر ولا أبوس خدك ... كيف لم تمتد يدي إلي شعرك ؟! أنا أبحث الآن في طيات قلبي عن خصلة لشعرك قد تركتها لدي ، آه منك أيها الأب الجلف القلب كيف أخرجتني .. لماذا جعلتني أرتعش بمجرد أن لمست يدي ظهر ابنتك .. إنني أكرهك يا سيدي ... هل كان يضيرها أن أتحسس صدرها .. لقد استكانت اليمامتان تماما ولم تعودا تفران كعادتهما تحت القميص .. ألم أكن حبيبها .. لماذا قبلتها وحدك دوني ؟ أنا يا سيدي كنت أحن لمرة وحيدة أن أذوق طعم ريقها .. لمرة وحيدة تخيلت أنني أدخل بهذه الجميلة .. مرة واحدة ولم أعد إلي التخيل مرة أخري . كان قميص نومها بلون السماء وعيونها كعيون مريم المجدلية حين اختلت بالمسيح .. وكبت العطر على قدميه .. شعرها كان جميلا جدا في هذه الليلة ولكن حين استجمعت كل قواي كانت هي كطائر النار يحط من بعيد فيحترق بمجرد الملامسة .
يوم كنا في رحلة القناطر واختلى سعيد بهويدا .. حاولت أن أمسك شعرها ولكني فشلت ، حاولت أن أشيلها في عيني لحظة كانت تصارع الجفون وتخترق الهواء . يومها ما استطعت غير ملامسة يديها وكان جسدي يرتعش رغم إننا كنا في أغسطس. ساعتها حزنت مرتين .. مرة لأنني أحبها ومرة لأنها سعاد .
أعرف إنك أبوها وهذا هو سعيد فلماذا يقبلها في جبينها دوني ويختلي ببطنها الملساء دوني .. إنني أدور الآن عليك يا سعاد ، يصدمني وجهك في الصور الفوتوغرافية خلف المراكب الخشب .. حمامة وحيدة تحط ثم ترتفع تشرب ماءغسلك. أنا أفك الآن شفرتك يا حبيبتي .. حمامة بيضاء تحط ثم ترتفع ، هكذا كنت كمن يصارع الحياة فوق خدك الجميل .
للمرة الألف قلتها لك .. حاولي المرور مني .. أنا ضعيف يا صغيرتي إلبسي ملابس ثقيلة فالهواء بارد .. خذي بالك من صحتك لا داعي للغسيل كل يوم .. مرة واحدة دعي ماجدة تجهز العشاء أو تغسل الصحون .. فكري في سعيد حين تمرضين .. يكون كالمريض بالجنون يحدث القاعدين والركع السجود في ميدان التحرير .. رأيته بنفسي وقلت لك قومي يا صغيرتي لأجل سعيد يا جميلة .
أعرف أنك مربوطة إليه بحبل لا أراه .. كنت أخاف دائما من المقارنة بيني وبين سعيد ، ولكن الآن من حقي أن أسألك لماذا في الحلم أيضا .. هل أنا غريب عنك ، أنا الغريب ابن الغريب حتى في الحلم يا سعاد ؟ هو الذي تبعثين له بخطاب .. لماذا هو ...... ؟!!
" أنا خاف على هذا الحزين " هل هي دعوة جديدة لحزن تلك المرأة النبيلة أمك ؟ أنا الذي رأيت ما فعلته ثلاثين يوما وهي لا تتحرك من تحت قدميك ... لا يغمض لها جفن ... وحين حولوها لعنبر الأطفال كانت أما للأطفال جميعا .. حين يصرخون تدفسهم في صدرها ويصمتون بمجرد أن يشموا رائحة عرقها .
بالأمس كنت في زيارة لبيتك القديم ، رأيتها تنام فوق برواز صورتك تقول : يا سعاد عودي يا بنتي أنا وحيدة بدونك اشتكي لله فاسمعي .. يا بنتي قولي له إن أمك تنام فوق صورتي .. ترفض غسيل صدرها لأنني في لحظتي الأخيرة نمت فوق صدرها شربت من ترياق ريقها .. خبريه أنه قد أضنى مهجتي .. خبرية يا سعاد ما الذي أخشاه بعدك إن أضلني فراقك .. أنا يا صغيرتي حزينة عليك فخيريه بين أن تأتي إلي أو أضل . قولي له إنني ذهبت إلي نصف نساء بلدتي. كالبدر في ليلة تمامه كنت ... قولى له .. خبريه .. ماجدة تنام كل يوم معي وفي الصباح تقول يا أمي نامت معي الليلة الفائتة سعاد ... قولي له إنني رأيت فيك كل خيري ، كنت خير بنت .. على يديك قد حفظت عهده رغم أنني أمك وأنت بعض مائي .. كنت إتلقاه خلفك .أبكي حين أسمع دعاء أم موسي له وأفرح حين يردده عليها كي تقر عينها .. الله يا جميلة على صوتك حين تبدئين " بالفاتحة " وبعدها " يس " كانت ماجدة تضحك وتخرج من الصلاة وخلفها هالة الشقية ونبقي وحدنا فتنتهين من الصلاة وترتمين فوق حضن أمك .. أعيذك " بالفلق " .. كنت تغمضين عينك وأنت تسبحين له وتصلين على نبيه هل كنت يا صغيرتي تعلمين أنكي سوف تذهبين عنده ؟ أنا كنت أعلم .. أخفيت عن أبيك رؤيتي يوم مولدك .. جاءني رجل جميل يبشرني بك ويقول إنك أمانه إلي يوم موعد قريب .. لن تدخلي على رجل .. من أجل ذلك يا حبيبتي حملتك في عيوني .. كنت كل يوم أدعو له أن يخفف محبتك التي تزيد. أخاف من الهواء على ضفائرك الطويلة . كنت تضحكين حين أعلق لك حجابا لا يرى .. كنت آتى بالورق وأبكي فوق بياضه وأقرأ ما حفظت من جلال علمه الكبير وأسلم على نبيه الأمين وأستعين بالصلاة والقيام ثم أحطه تحت صدرك .. وأنت صغيرة لما العربة داست عليك لم أستطع الخروج وعندما رأيتك تدخلين شددت روحى من ملك الموت وفقأت له عينه وقلت له دعني فابنتي تجري إلي حجري واستجاب الله لي .. كل يوم تكبرين كنت أعلم أنه يوم يضيع من حياتي ... ولما نسيت لحظة كما نسي الله آدم ، لحظة وحيدة انتزعت مني يا جميلة .. أتذكرين يا صغيرتي يوم رماك ابن الجيران بطوبة في قدمك وضربه سعيد ؟ عرفت لماذا بشرني البشير بمولدك واختلي باسمك سعيد. أنت باقية في سعيد يا حبة عيني .. ولكن أحس في رسائلك الكثيرة إليه إنك تريدينه جوارك .. قولي لربنا الكريم دع سعيد لأجل أمي الحزينة .. هل قصرت في دعائي مرة يا ربنا .. أنا عاتبة عليك يا ربنا ... ألم تكن سعاد ابنتي مثل أخواتها ؟ لماذا هي دونهم ؟ ألم ألذ بها حين كربي؟ ألم تكن ذراعها ذراعي ؟ قطمت وسطي يا ربنا لماذا ... ؟ لماذا بعثتها إلينا ودون أن تقر عيوننا بها أخذتها إليك ......؟ أنا امرأة جاءني المشيب ألم أكن شاة ابنتي كابراهيم خليلك .. أنا مخاصماك يا ربنا ولن أكلمك إلا إذا بعثتها لي لأقر عينا عليها وأطمئن على سعيد .
أتعرفين يا سعاد ، أمك حين أفاقت ووجدتني بجانبها جذبتني إليها وضمتني إلي صدرها ، شممت فيها رائحتك يا جميلة .. أنا الذي حلمت بالغوص في صدرك وبامتزاج ماء صدرنا أمتزاج الآن فيك ، كنت بعضاً منها ... أنا يا سعاد كنت مثل أمك أعلم أنك راحلة !!
أتذكرين حبنا ؟ أقسمت لأمي يومها أنني عرفت بنتا الله في عيونها .. وتحت خدها اليمين عرشه المزين ، يومها حلمت بالمراكب الخشب وشط دجلة .. خبأت فرحتي ساعة اللقاء ، سكبت فوق نار قلبي لتر ماء بحاله مثلجاً وقلت نعيش بعضنا .. حاولت الاحتفاظ بارتعاشة اليدين حين لمست يدك ، قلت لأمي بعدها أبوس رجلك هذه الجميلة لي فاحفظي ياأم وعدك .. كم مرة قلت لك حدثيني عن سعاد فتحدثينني عن سعيد .. أحببته فيك .. قبلته حين رأيته .. أنا يا حبيبتي مازلت أتذكر يوم حزنك عليه يوم العاشر من أكتوبر ، يوم سفره لحفر الباطن .. يومها قلت له " خالد لا يستطيع يا سعيد " فضمك إليه وفي لحظة الرجوع من مطار القاهرة كانت عيونك ملأ بسعيد يومها قلت لأمي " خرج الله من عيون سعاد لأجل سعيد " بكيت فوق صدرها وحين أفقت كانت عيون أمي يملأها سعيد ... خبريني يا سعاد ما الذي يملكه هذا الولد لتصب أمي ماء عينيها عليه ... يوم عودته حسدته حين رأيت يمام صدرك في صدره وماء عيونك في عيونه ...
تعالي هنا يا سعاد ، كيف تسمحين لآخر أن يقبلك هكذا في العيون والخدود والشفاه ولماذا ترتعشين حين تمسكين يدي أنا يا سعاد ؟!
ما حزنت بقدر حزني يوم موتك .. مات أبي وأنا بعد صغير وماتت أمي العام الفائت فحزني بقية عامي الفائت ، أنا الآن وحيد بدونك ، لا أب ولا أم .. حزينة كل المراكب الخشب لأجل خاطرك لم لا تعودين يا سعاد وماذا أقول لسعيد حين يسألني عليك يا حبيبتي ...؟!
حزينة عيون أمك ...!!
*************
3- هاتها يا رب
ماجدة محمد – الاثنين 11 يناير 1993
فين عروستك يا خالد ؟
وديت أختك فين يا سعيد ، رد على يا أخويا ، فين سعاد يا سعيد ؟ أنا خلاص باحبها مبقتش أخاف على ضياع محمد منى .
فين يا محمد سعاد ؟
كده يا سعيد ترمي أختك بأيديك .
يا خالد روح هات عروستك .
خلاص يا سعاد أنا مش عاوزة محمد ... هو بيحبك .. أنا عارفة ياختي .. طول عمري باغير منك .. يا حلوة .. فاكرة ياسوسو لما شالك في المستشفي .. ساعتها كنت هاتجنن كان نفسي أكون أنا المريضة ويشلني كده .
يا صغيرة ..
تصدقوا أنا كنت أكبر منها بسنتين وكانت بتحل لي مسائل الحساب .. كان مدرس الحساب بيحبها ومدرس الرسم بيحبها .. حتى في شغل البيت كانت منظمة في كل حاجة وكانت أمي تقول اللي تعمله سعاد مااراجعش عليه .
هي الوحيدة اللي سعيد يأخذها في حضنه وتقلع قدامه متتكسفش منه أما احناما نقدرش نقلع قدامه خالص .
فين سعاد يا سعيد .. فين حبيبتك يا خويا .. فين دلوعتك أنا مش عاوزة حاجة .. عاوزة أختي وبس . تصدق يا خالد أنا مرة سرقت من أمي جنيه ولما أبويا ضربني قلت سعاد هي أخذته وحطته في هدومها ... أبويا ضربها قوي وقال لها إنسي القرآن اللي أنت حافظاه ومارضيتش تقول لهم الحقيقة .
يا مه فين بنتك يا مه ؟
رحت فين يا عروسة .. ردوا على .. هي راحت عند ربنا ، طب ليه خدها هي .. طب سابني أنا ليه .
هاتها يا رب .. والنبي رجعها يا رب أنا هاعمل زيها واتحجب وأصلي واحفظ القرآن بس رجعها لي يارب أنا باحبها خالص .. مش هاشتمها تاني والله العظيم وهاعمل شغل البيت كله .
هات لي أختي يارب .. أنا عاوزة أختي يارب .. أنا هسكت يا سعيد ... والله هسكت .. بس روح هات أختك .. كدة يا سعيد تقفل عليها وترجع لوحدك .. طب ليه .. ليه مانروحش كلنا معاها .
لو بتحب ربنا وديني ليها .. مش أنت بتحب هويدا ؟ وحياة هويدا توديني ليها .
يا عروسة تعالي .. أنا هاعمل لك الكحك .. هاازوقك بنفسي ، طول عمرك مبتحبيش الزواق بتقولي حرام .. المرة دي بس ، طب شوية بدرة .. طب افردي شعرك الحرير مرة واحدة .. أنا هاارقص لك يا سعاد تعرف يا سعيد كانت تصلي وتقرأ قرآن طول الليل وأنا أضحك عليها ، مرة كانت بتصلي صلاة التسابيح أنا وهالة ضحكنا ساعتها وهي واقفة أمام " لينا" وما عرفناش نكمل الصلاة وهي صلتها .. طب ليه يا رب تاخد اللي عرفت تصلي الصلاة الصعبة دي وتسيبني أنا .
ماحدش له دعوة ، أنا باكلم ربنا وهو سمعني وها يرجع لي سعاد .
سعاد زمان قالت إن ربنا دخل نوح في بطن الحوت ثلاثة أيام وبعدين رجعه .
وهي دخلت عندك بقي لها ساعتين بس رجعها بقي .. آه يونس صح ، شاطرة يا هالة .. أنتي فاكرة .. ساعتها ضحكنا وقلنا لها أنت عاملة علينا ناظرة .
أنت نسيت يا رب لما كانت عيانة وتصلي وهي نايمة على ظهرها .. أنت فاكر يا سعيد مش كدة .. لما الدكتور حب يغير لها جهاز الوريد وكانت بتصلي وهو مستعجل ، قال لك ساعتها خليها تقطع الصلاة . وفك الجهاز وهي مغمضة والدموع بتسيح من عينيها والدكتور كان مفترى يا حبيبتي راح يحط سن الإبرة ييجي خمس مرات وعيونها بتسح دموع وهي فاردة أيديها مش عاوزة تلمها وبتصلي .. وبعد ما خلصت فضلت تقول الحمد لله وتقرأ سورة يس .. فاكر يا سعيد خدتها في حضنك وفضلتم تعيطوا سوا لغاية ما لميتوا علينا العيانين والزوار وقعدوا يدعو لها .. طب ليه يا سعيد ربنا ماسمعش دعاهم ، همه كانوا كفرة ؟ طب أنت كويس مع ربنا .. أدعيه يا سعيد يمكن يرجعها ولا أنت كافر يا سعيد ؟
عارفة يامه أنا طول عمري كنت أخذ منها الفلوس .. آجي من الشغل أعيط لها وأقولها إن المرتب اتسرق تقول ما تزعليش يا ختي وتديني فلوسها وانت يامه كنت تقولي لها يا عبيطة ماجدة بتضحك عليك .. وترد عليك ماعلهش يامه هي محتاجة ..
يا سعيد وحياة سعاد .. وديني ليها مش أنت بتحبها ؟ يا محمد يا على أنت بتحبها وديني ليها أنا عارفة إنك بتحبها وديني أبوس رجليكم ودوني لأختي .. علشان خاطرى .. ودوني .. قولولها تيجي تاخد التايير الأزرق .. التايير اللي أنت أشتريته لها في عيد مبيلادها أنا قلت لها ده شكله وحش عليك وقصير قوي وأنت محجبة ومع إنه كان طويل .. قوي .. قالت فعلا شكله وحش وادتهولي ... تعالي يا سعاد . .أنا مش عايزة التايير الأزرق .
يا خالد .. قول لعروستك تيجي .. ياباشمهندس نادي على عروستك .
*************
محمد على خطيب ماجدة
الجمعة 16 يناير 1993
كنت أحبها هي لا ماجدة . ولكن لم أستطع أن أقول ذلك لها بعد أن عرفت ماجدة .. كان أول لقاء مع ماجدة لما راحت تحدثني عن سعيد وسعاد .. قلت لها : أريد أن أري سعيد وسعاد .. بعد أسبوع التقيت مع سعاد .. لم أكن أدري إنها جميلة هكذا .. قلت لها كل شيء عن حياتي .. وحدثتها عن حلمي بأن يكون لي مصنع نسيج .. وكيف أنني أستطيع أن أبدأ من الصفر كما يقولون .
كانت تبتسم وأنا أحاول أن أجعلها تدخل هذا الكابوس / الحلم .. وعند انصرافي سلمت عليها وتعمدت أن أجعل يدها في يدي أطول فترة ممكنة ولكنها سسحبتها بارتباك ..
في صباح اليوم التالي كنت أنتظرها أمام محطة الاتوبيس : تعمدت أن أقف أمامها .. تغيرت ملامحها وهي تقول لي : فيه حاجة يا أستاذ محمد ؟ .. ابتسمت وأنا أقول لها " وحشتيني " تجهم وجهها وقالت : نعم ؟ .. ارتبكت وأنا أقول : أقصد أنني كنت أريد أن أتكلم معك ، اعتذرت لأن موعد العمل قد حان .. سلمت عليها وابتعدت ..
ولم أرها لمدة شهر .. كنت أعرف أخبارها من ماجدة . كنت أذهب إلي العمل وأعود لأظل ساهراً .. وأصحو في السادسة .. حاولت أن أراها من بعيد ، كنت أعرف أنها تتخلل مسام جلدي .. كل يوم يمر تسوء فيه علاقتي بماجدة .. واقترب أكثر من سعاد .. لا أعرف لماذا كنت فرحا وأنا ذاهب إلي بيتهم عندما علمت أنها مريضة .. استقبلتني ماجدة بفتور .. كنت اشتاق إلي رؤيتها .. بعد نصف ساعة سمحت أمها لي أن أدخل إليها .. بغيضة تلك السيدة رغم أن سعاد تشبهها كثيرا .
دخلت إليها .. بمجرد أن وضعت يدي في يدها كان جسدي كله يرتعش ، بلعت ريقي وأنا أحاول المرور من فتحات عيون أمها الخبيثة .. كانت عيناها غائرتين بعض الشيء .. يدها مازالت في يدي وأنا أقاوم تيارا خفيفا كوميض الشمس يسرى في عروقي .. أحسست أن تلك البنت تملك قوة جبارة وهي تنزع يدها من يدي .. وبعد عودتي إلي البيت تأكد لي أنني لم تكن لدي أي قوة على الإطلاق ..
حين دخل ذلك الولد لم يلتفت إليّ على الإطلاق ، رأيته يرتمي على تلك البنت الغائرة العينين المتوردة أيضا ويقبلها يضمها إليه بقوة ويبكي .. وهبطت المرأة البغيضة عليها وكونوا معا جسدا واحدا يرتعش بقوة .. انزويت في الركن وأنا أقول لنفسي إن الدماء التي تجري في عروق تلك البنت هي حياة تلك الكتلة الثلاثية ، وعرفت أنه سعيد ، وأنه عائد من الصعيد الذي أمضي فيه أسبوعا وبمجرد أن علم بمرضها ترك أهل زوجته وأتي إليها .. بعد ربع ساعة هدأ سعيد وعرف أنه قد تم عرضها على أطباء معروفين ، وأن المرض ليس بخطير ... تقدم إلي مبتسما وسلم على بود شديد ، وفوجئت أنه يعلم اسمي وان ماجدة تحدثت معه كثيرا عني .. فرحت وأنا أراه يتحدث معي بكل هذه الحميمية . قبل انصرافي دعاني إلي بيته في مدينة 15 مايو ، وكتب إليّ العنوان .
عند عودتي إلي البيت رحت أعيد ما دار ..
في اليوم التالي .. في التاسعة تماما ناداني زميلي في العمل لأرد على التليفون ... كان صوت ماجدة يرتعش وهي تخبرني أن سعاد في مستشفي القصر العيني ، لم أضع سماعة الهاتف ، تركتها تسقط وأنا أجري .. كنت في المستشفى بعد نصف الساعة .. كانت تنام على السرير والأطباء يلتفون من حولها .. كل يضع يده في موضع من جسدها .. صرخت فيهم : هي ليست فأر تجارب .. لتخرجوا جميعا " أخرجوني أنا ولما قرروا أن ينقلوها لم أنتظر إحضار( التروللي) رغم أنها لا تستطيع التحدث أو الحركة ، إلا أن جسدها تشنج وأنا أحاول حملها .. أخيرا تركت جسدها يهدأ قليلاً وحملتها ... كنت أعدو بها على السلالم وأنفاسها الحارة في رقبتي وجسدها اللين ملتحم بجسدي .. داخلي يرتعش من ملامسة ثدييها وهما يرتفعان ويهبطان ، كان حلمي الوحيد في هذه اللحظة أن أضع شفتي على شفتيها وأغلق عيني وأموت .
حين وضعتها على السرير كان جسدي يتفصد عرقا .. جاءت الممرضة وعلقت المحاليل وغرست الإبر في يديها وهي تصرخ وأنا أحاول التخفيف عنها ، وماجدة عيناها جامدتان كعيون القط .
في طريق العودة إلي المنزل حاولت أن أذيب الخوف داخل ماجدة .. أمسكت بيدها وتحدثت إليها ، ولكنها لم ترد .. وصلنا إلي بيتهم .. حاولت أن أجلس معهم ولكني لم أستطع .. ودعتهم على أن أحضر إليهم غدا وانصرفت ، ولما جاء الاتوبيس المتجه إلي بيتي تركته واتجهت إلي الناحية الأخرى وركبت أتوبيسا متجها إلي القصر العيني ، وبعد أن رأي موظف الأمن ( الخمسة جنيهات ) أدخلني إليها ، فوجئت أم سعاد بي وسألتني بلهفة عن أخبارهم .. طمأنتها على أفراد أسرتها .. رأتني الممرضة .. قالت ممنوع التواجد في عنبر الحريم بعد التاسعة .. زعمت لها أنني قادم من بعيد ولم أعرف بمرض أختي إلا الآن وسأنصرف بعد قليل .. حاولت أن أضع يدي على جبين سعاد لأجسها ، ولكن أمها قالت بقلق إنها بخير .
إنني أكرهك أيتها المرأة .. وأتمني أن تكوني أنت المريضة أو تلك البنت ماجدة . ذهبت إلي الحمام لما جاء الطبيب ليطمئن على المرضي .. بعدها رأتني الممرضة مرة أخرى أمرتني بصوت مرتفع أن أنصرف ، فابتسمت لها رغم كلامها الجارح ، ردت علىّ ابتسامتي ودعتني إلي حجرتها بعد ساعتين .. ارتعشت وأنا أري كل هذه الفجور ووعدتها بالحضور إذا هي تركتني مع سعاد بعض الوقت . في الثالثة صباحا رأيت عيون سعاد تحدق فيّ وتسألني عن سبب جلوسي هكذا .. ارتبكت ولم أستطع أن أرد .. نامت وأنا جالس بجوارها وأمها تتعمد أن تظل عيونها مفتوحة . أمام نظراتها القلقة . انصرفت .. ذهبت إلي حجرة الممرضة .. أغمضت عيني وأنا ، أتخيل أن بين يدي سعاد ، وحين أفقت كانت الممرضة تشبع شبقها وكنت مرتخيا تماما . راحت تداعبه بيديها وشفتيها ولا فائدة .. صحوت في السادسة . كانت الشمس ترمي بأولي اشعتها على البلاط البارد . وتسللت خارجا من حجرتها تلك الممرضة الشبقة .. غسلت وجهي وسرحت شعري ودخلت حجرة سعاد وجدت أمها مغمضة العينين وسعاد تتفصد عرقا .. أمسكت بالمنديل ورحت أمسح لها جبينها وعيونها وشفتيها وحين اتجهت يدي إلي ما فوق صدرها انتفضت وعيون أمها كعين البوم تنظر إلي . لم أتكلم ، انسحبت بعيداً والمنديل يقطر ماء . في العاشرة جاء سعيد وماجدة وأبوها وهالة الصغيرة ... سلمت على سعيد وشددت على يده .. كانت عيونه ملأى بالدموع .. حدثته عما قاله الطبيب وأنها بخير .. وستخرج قريبا ... ظللت ثلاثة أيام أمارس لعبة التنويم المغناطيسي مع الممرضة وحالة سعاد تزداد سوءاً يوما بعد يوم .. في اليوم الرابع حُاولت إلي مستشفى حميات إمبابة ... كنت أحقد على سعيد وأنا أراه يحمل سعاد ، حين وصلنا إلي إمبابة طلب الطبيب كمية من الثلج وأمرنا أن نكسره إلي نتف صغيرة ... كانت تصرخ حين يضعون الثلج على جبينها وأقدامها ويديها .. أمرنا الطبيب أن نضعها في البانيو عارية تماما وأن نضع الثلج على جسدها كله .. كنت أحاول أن أدخل وعيون سعيد توقفني . أغلق الباب خلفه .. وأنا أبكي لصراخها ، وسعيد يشتم الطبيب وأمه ... ويخرجها بعد قليل .. كنت أنصرف من المستشفي في الواحدة صباحا وأعود إليها في السادسة .. وحين وجدتها تمشي على قدميها في ساحة المستشفي جريت إليها وأخذتها في صدري .. ضحك سعيد وهو يقسم أن يقول لماجدة على ما رأه بعينه ..
في عيد ميلادها الأخير كانت جميلة جداً .. أخبرتني بحبها أصبحت أتجنبها في الأيام الأخيرة وكنت أتعمد الانصراف قبل عودتها من العمل .
يوم الاثنين – الأخير – كنت واقفا أمام محل العصير بالقرب من منزلهم ، رأيتها مع زميلتها تشير إلي .. أسرعت إليها ، سلمت عليها ودعوتها لشرب العصير ، اعتذرت قالت إنها صائمة . وإنها ستقبل دعوتي غداً .. ودعتها وأنا أذكرها إن وعد الحر دين عليه ... ابتسمت وهي تؤكد على وعدها ..
ولكن ماجدة اتصلت في التاسعة مساءً . أسرعت إليهم كانت سعاد نائمة وأمامها ثلاث مراوح كهربائية وعلى بطنها الوسائد الثقيلة .. تصلبت أمامها .. لماذا ماتت هذه البنت الجميلة ؟!! بالأمس جاءت إليّ .. في يديها طفلان جميلان جداً ... قالت لي إنهما طفلاها .. هنأتها عليهما ... وحين أمسكت بيد احدهما بكت وأبعدته عني وقالت : إنني سيكون لي طفلان جميلا من أختها ماجدة .. ثم أعطتني مظروفا أحمر به خطاب لسعيد .. حين أمسكته بيدي كانت قد اختفت تماما !!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى