نبيلة غنيم - قربان الحب

جوقة من النساء يلتففن حول الذبيحة لينهشنها ويمصمصون عظمها بلا رحمة ..

بطلة القصة تتلظى بين السماء والأرض .. مُلقاة علي سرير في مستشفي عام.. كل ما حولها قذر بما فيهم البشر.. تلوكها الألسنة وترجمها بالعهر .. يمضغون سيرتها ليل نهار كعلكةٍ يستعذبونها ويتلذذون بها.. يغُصن بألسنتهن في جُرحها .. يتغافلن عن كل قيمة عليا.. ويَخُضْنَ في أدنى معنى يخطر علي بالهن.. الكل يُنصب نفسه قاضيا ليحاكمها.. الكل يشحذ لسانه ليذبحها بلا رحمة.. يتطاولن علي الله ويدخلونها جهنم وبئس القرار.. طاقم من الجارات وزميلات العمل يتجمعن حول سريرها .. بغرض عيادة المريضة.. يتحاورن.. تعلو أصواتهن في ضجيج منفر.. نشاز مزعج يعكر صفو المكان.. أصواتهن تثيرني.. أحاول تهدئتهن .. لكن لا أحد يسمعنى .. صوتي هرب بين الضجيج المنبعث من أفواههن.. تمنيت أن امتلك زراً أطفئ من خلاله كل هذه الأصوات البغيضة بضغطة واحدة وأتخلص منهن.

بطلتنا تنشد السلام وتعلو بروحها الممزقة لأعلي من إنسانيتهم السفلية ..

تَعْبُرُ الذكرى رأسها وهي بلا حول ولا قوة .. حبيبها لا يأتى متأخرا أبداً.. ظلت تنتظره في وجوم كعمود دكوه في الأرض بلا حركة.. الدقائق تمر بطيئة.. المارة من الشباب يشاكسونها.. تضيق ذرعا بذلك الشاب الذي أخد يدور حولها ويُلقي إلي مسامعها بكلمات خادشة للحياء.. تريد الهروب .. ولكن إلي أين .. خطيبها واعدها في هذا المكان ولابد من الانتظار!! ، نصف ساعة تمر كدهرٍ كامل..

أجفلتها رنات هاتفها.. جاء صوت أخته مقرونا بالصراخ: خطيبك مات في حادثة علي أول شارع الترام !!.. دفعتها قوة الصدمة للهرولة تجاهه.. أفسحت لنفسها طريقا بين الحشود الملتفة حول الجثة المسجاة علي الأرض .. المغطاة بورق الجرائد.. وجدت صحبة من الورد ملقاة إلي جواره.. كشفت الجريدة عن وجهه لتؤكد لنفسها الخبر.. صرخت صرخة مدوية .. سقطت مغشيا عليها .. عدة شهور وهي في ذهول لا تصدق ما حدث.. كيف انسكبت أحلامها هكذا علي الأسفلت!! كيف وقد تم إعداد العدة ليوم زفافهما وحجزوا القاعة وزينوا لهما بيت الزوجية بأجمل الفُرش !! لم تكن تعرف أنها ستسقط في هذه الهوة السحيقة التى لا مخرج منها.. تلاحظ أمها تتضخم بطنها .. تسحبها إلي المستشفي وتُخبر الطبيب أنها بكر ولا تدري ما حدث لها..

الطبيب يلطم وجهها وينعتها بالفاجرة.. فكيف لبِكْرٍ أن تَحمل؟؟

تواجه معايرة بغيضة من أقرب الأقربين تفوق احتمالها.. تتخبط البطلة في زلتها .. تحاول مسح العار الذي وصمها وجعل المجتمع يلفظها.. تصعد إلي سطح منزلها.. تلقي بنفسها دون تفكير.. تتحطم عظامها دون أن تموت.
  • Like
التفاعلات: كفاح الزهاوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى