بوتالوحت احماد - عـــلال

1
عندما أدخل, يستقبلنى برائحة البحر المخبأة فى ثيابه, أجده منهمكا فى اعداد سيجارته المحشوة... الأولى بعد رجوعه الى البيت... أسأله عن العمل يجيب بقطع من الكلام... أدلف الى المطبخ تقفز الى أنفى رائحة السمك المحشور فى السلة... لا أسأله ان كان يريد أن يأكل, تعلمت أشياء كثيرة فى صحبته... أحفظ عاداته كما أحفظ مسالك جسمه... أهتدى الى كل بؤرة فيه ولو فى بحر الظلام... أبدأ باعداد طبق السردين المشوى فيما يكون هو قد أكمل سيجارته الأولى وفتح زجاجة من سعة ثلاثة أرباع اللتر من النبيذ الأحمر... سدادة الفلين تفرقع فى الفضاء يصلنى صوتها الى المطبخ... أصحب طبق السردين المشوى بصحن من البصل الفج المفروم وأصابع من الفلفل الأخضر اللاسع... أزاحمه, ضاحكة, الجلوس على اسفنجة مدت فوق حصير مهترىء.... يتزحزح قليلا... أواصل اللعبة... يضحك... أحاول اخراجه من عالمه المغلق يأكل فى صمت... أتابع من شرفة عينيه ما يجرى بداخله... أحاول أن أقدر سعادته... أنكمش
حين أعجز عن ذلك... أشاركه الشراب وأعب أنفاسا من السجائر المحشوة التى يعدها... عندما يحل المساء أبدى رغبتى فى مغادرته... لا يحاول أن يستبقينى... يعرف أنى محجوزة وأن عليه أن يكمل سهرته وحده... يلوح لى بقبلة... لا يغادر مكانه... يطلب منى أن أهتم بنفسى... أصفق الباب خلفى وأخرج... أتركه وحيدا مع هواجسه .
أفتح احدى تلك الشقق التى أملك مفاتيحها. شقق مجهزة, بكل واحدة منها مشرب يحوى أنواعا نادرة من الخمور.. أغلبها مستورد... أصحابها يملكون كل شىء... القوادين... النساء الجميلات ..السيارات الفارهة... السلطة... أصابعهم دسمة مطوقة بخواتم الخيانة... لا يستمتعون, يفعلون ذلك الشىء بطرق لا تبعث على الارتياح... لكنهم يدفعون, فى آ خر السهرة يدفعون ... أحدهم نضا عنى لباسى... سال رضابه على الوثاب الذى يجلس عليه... أرغمنى أن أتمشى أمامه مدبرة ضبط مسدسه على ايقاع الردفين ثم أكمل فى الحمام... عاد فأعطانى بعض الأوراق المالية... عدت الى بيت علال
لأكمل السهرة. عجوز فشل فى أداء المهمة... انتحب بين جذرى فخذى... ظل ينتحب... بلل مابين رجلى بالدموع ركلته ارتمى الى الخلف، تركته يلهث رابضا باحد أركان الغرفة رميت له مفتاح الشقة وغادرت... لم أأخد منه ثمن البكاء بين فخذى... تركته يلهث وخرجت... أكملت تزرير قميصى فى الخارج... حين أعود باكرا الى بيت علال... يغسلنى من أدران ومواطىء المعطوبين.. يطهرنى... لا أبيعه بضاعتى... نظل نلهث حتى نتلاشى... لا يفعل ذلك الشىء بطريقة مقرفة وخليعة كما يفعل الآ خرون, الذين يلحون على أن أتخد وضعيات تبعث على الغثيان... لا أطلب مقابلا من علال... أستمتع فقط... الآخرون يدفعون... أشترى رغيف الخيانة للعجوز ولاخوتى... تتسع عيونهم من الفرح... أشيح بوجهى الى الجهة الأخرى, حتى لا أبكى... يعرفون من أين أحصل على الرغيف وعلى حاجاتهم, حين اراهم يلوكون قطع اللحم التى أجلبها لهم أحيانا أشعر أنه لحمى الذى يلاك .

2

تزورنى كل يوم بعد الظهر...تجدنى جالسا ألف سجارة بالحشيش أو أذخن...ترتب بعض الأشياء القليلة فى الغرفة...تقفز الى المطبخ, تفعل كل شىء بعفوية تامة... حتى ذلك الشىء تفعله بعفوية وعذوبة... يأتى لذيذا. تشاركنى الشراب, لا تشترط نوعا من الشراب " أشرب معك الحنظل " تقول لى. نشرب الحنظل... تعب أنفاسا من السجائر المخلوطة بمسحوق الحشيش... حين تكون على موعد... تودعنى وتطبع قبلة على جبينى, عادة ألوح لها بها قبل أن تصفق الباب خلفها, أحيانا تنهى سهرتها باكرا حتى يتسنى لها أن تبدأ سهرة أخرى معى... "معك أستمتع, لا يحدث هذا مع أغلبهم " تقول!.... حين تزورنى, تحمل معها فى بعض الزيارات هدايا صغيرة... أقلاما... رزنامات... ولاعات ذهبية... علب سجائر فاخرة.... حاملات المفاتيح... وآلات الكترونية صغيرة... تفرغ حقيبة يدها أمامى على الحصير... أفرح كطفل صغير بهذه الهدايا... ترسم عيناها ابتسامة وهى تنظر الى أفرد تلك الأشياء أمامى.
تعرض على بعض الأوراق المالية, أرفض... أعرف أنها تحتاجها قبلى... أولئك الذين تصاحبهم يدفعون لها كذلك مقابل الفاكهة التى يتذوقونها.. الذين تذوقوا فاكهتها... يجمعون على أنها فاكهة شهية, كما أخبرتنى. بعضهم لا يتذوق الفاكهة يستمتع بطرق أخرى.
أغلبهم مجانين أو مصابين بعطب داخلى... مجنون, تحكى عنه , جردها من ثيابها -الداخلية كذلك- أجبرها أن تعدو على أربع وتعوى ككلبة أمامه... كانت مؤخرتها مكشوفة للريح... عدت... وعوت ثم عوت.... كانت تلهث... وجدت نفسها بعد جولات على حافة الانهيار. وكان من حسن حظها أن ذلك الشىء حصل للرجل... ذلك الشىء الذى اسمه الارتعاش... تدفق عضوه... استوقفها... سقطت منهكة لاحظت أن صاحبها بلل مابين رجليه بماء دافق -ذلك الذى يخرج من بين الصلب والترائب - رمى فى وجهها بعض الأوراق... التقطتها... أخذت زينتها عند مرآة الكوافوز, ثم ودعت الرجل بعد أن مسحت شيئه وخرجت... كانت تحكى, كلامها يخرج مصحوبا بالذخان كقاطرة تتأهب للانطلاق. آخر مزق ثيابها بعد عراك افتعله أصبحت "لحمة " رجاها أن تتبول عليه... ضاعف الرجاء... عصرت مثانتها أسعفتها ببعض القطرات... همت على رأسه, سالت على وجهه , حين أفرغت مثانتها وسد المنفذ... صفعته... لم يتردد... هشم أسنانها الأمامية .

3
حين هشم أسنانى, ذلك الرجل الواسع النفوذ... أدار أرقاما فى التلفون جاءوا كما يجيئون لنقل عصابة... جاءوا بأعداد كبيرة... لم يسألونى... أجبرونى على الصعود الى سيارة الخدمة... فى المركز سجلوا أقواله... تلا " الحنش "الأصلع المحضر... اتهمونى باقتحام الشقة ومحاولة السرقة... لم يصدقوا حكاية البول.. كما لم يصدقوا وجود مفتاح شقة الرجل معى ولا رقم هاتفه الذى كتبه بخطه فى مذكرتى... صدر الحكم على بالسجن شهورا... لو كنت أعرف أن الأمور كانت ستؤول الى ما آلت اليه, كنت أدبته بطريقة أخرى. بعد ذخولى السجن... لم يستمتع الرجل الواسع النفوذ بالحياة, وجدوه غارقا فى دمه... لم يجدوا عضوه العاطل عن العمل... وجدوا ثقبا غائرا مكانه... عندما زارنى علال فى السجن بعد الحادث... دس فى جيبى مفتاح شقة الرجل المرموق .


.
* من مجموعة "الحذاء الذي لم يتسن لي أن أنتعله" للقاص احماد بوتالوحت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى