تواتيت نصرالدين - التمسك بالهوية اللغويّة ورفض الإستلاب والتبعيّة

مدخل
* قال مصطفى صادق الرافعي رحمه الله :
ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبار
**
لقد تناول الكثير من الشعراء في قصائدهم قضية الهوية اللغوية التي تعتبر جزء لا يتجزأ من الشخصية الوطنية والعربيّة ، ومن بين هؤلاء الشعراء الذين ترعرعوا في كنف لغتهم وتنفسوا أكسجينها الحيوي الشاعر المصري الكبير (حافظ إبراهيم ) شاعر النيل رحمه الله وأسكنه فسيح جناته الذي وقف مدافعا عن لغته العربيّة التي تعرضت لأشد الهجما ت الشرسة في ظل الإستدمار والإستلاب الزاحف لمحو مقومات الأمة إلى جانب الكثير من الشعراء والكتاب والمصلحين الذين مجدوا لغتهم في أبهى القصائد والمقالات والدعوة للرفع من مكانتها لما تتعرض له لغتنا التي هي رمز أصالتنا وانتمائنا يقول حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية (1) .
وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً
وَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني
وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني
أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحِينَ وَفاتي.
إلى أن يقول في أبيات آخرالقصيدة :
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ
بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيْتَ في البِلَى
وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ
مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ
وما دام ( لللغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة فإنها الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة ، وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم. إن القوالب اللغوية التي توضع فيها الأفكار، والصور الكلامية التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف لا تنفصل مطلقاً عن مضمونها الفكري والعاطفي .) 2
وفي قصيدة (اللغة العربية والشرق )3. يقول مصطفى صادق الرافعي :
أتى عليهـا طـوال الدهـر ناصعـة
كطلعة الشمس لم تعلق بهـا الريـب
ثم استفاضـت ديـاج فـي جوانبهـا
كالبدر قد طمست من نوره السحب
إلى أن يقول:
سلوا الكواكـب كـم جيـل تداولهـا
ولـم تـزل نيّـراتٍ هـذه الشهـب
إلى أن يقول في نهاية المطاف :
أنتـرك الغـرب يلهينـا بزخـرفـه
ومشرق الشمـس يبكينـا وينتحـب
وعندنـا نهـر عــذب لشـاربـه
فكيف نتركه فـي البحـر ينسـرب
فدعوة الشعراء والمفكرين لم تكن اعتباطية للتمسك باللغة ذلك أنها أصل الهوية وأصالة الأمة وأن التمسك بها لايقود إلى الضياع وقد عمل الكثيرون من العلماء من المصلحين في وطننا العربي من أجل المحافظة علكيان الأمة من الضياع ببعثاللغة العربية في مجتمعاتهم قصد المحافظة على انتمائها الحضاري ذلك أن اللغة هي الوعاء الحضاري للأمة أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله وغيرهم من المصلحين في كافة الأقطار والأمصار.
وفي الأخير لا يسعني إلا أن أوكد وأنوه بما للعربية من أهمية في بناء الإنسان العربي والمحافظة على كيانه بما قاله المستشرق الفرنسي ما سينيون .( لِيصمد العربُ ، فالعالَمُ بأمسّ الحاجة إليهم ، وليحترموا عربيتهم ، هذه الآلة اللغوية الصافية التي تصلح لنقل اكتشافات الفكر في كافّة الأقطار والأمصار ، وليحافظوا على أصالتها فلا تنقلب مسخا مقلِّدا لللغات الآرية ، أو أن تتخثـر في حدود ضيّقة شأن العبرانية الجديدة التي تخثـرتْ في الصهيونية المتطرفة )4
........................
بقلم : تواتيت نصرالدين
الهوامش
1 - قصيدة اللغة العربية تتحدث عن نفسها للشاعر حافظ إبراهيم
2 - د. فرحان سليم من مقال اللغة العربية ومكانتها بين اللغات
3 - قصيدة اللغة العربية والشرق لمصطفى صادق الرافعي
4 - أقوال مضيئة في اللغة العربية ، منتدى اللغة العربية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى