د. مصطفى أحمد علي - المحرّمات اللغوية

كل الكلمات التي تعبر عن مدلولات ممنوع الاقتراب منها( بسبب التقديس، أو الغيرة أو المهابة أو الاستبشاع أو الحرج أو الحياء أو نحو ذلك..)، يصيبها البلى وتفقد نضارتها، وتستبدل بها أخرى جديدة ذات رونق نسبي، سرعان ما يخبو، وهكذا دواليك، وهذا مما يدخل في باب المحرمات اللغوية(Linguistic taboo )
كلمة " حريم"، اطلقت بادئ الأمر على جناح النساء، المحرم على الغرباء اقتحامه، ثم انصرفت الدلالة إلى النساء، ثم اتت كلمة نسوان بديلا مستحدثا ذا رونق لكلمة "حريم"، ثم أصابها البلى، وكذلك الأمر في : المرة، الولية، الحرمة، الجماعة، الأولاد، الأهل...الخ.. وكلها تعني الزوجة.
ومما يدخل في سياق المحرمات اللغوية، ومن باب الحياء، والحرج، خشية المرأة من ذكر اسم زوجها، والإشارة إليه بقولها "هو"، والحاج، وأبو عيالي، كما عند البقارة، وأبو فلان الواسعة الانتشار في أقطار العرب، ويقابل ذلك إشارة الرجل إلى زوجه بقوله: أم العيال، والمدام، والحاجة، والجماعة، وغير ذلك مما ورد ذكره في أسطر سابقة.
ومما يحاط بالخوف والرهبة ويستبشع ذكره المرض، كالسرطان، فلا يذكر صراحة، ويستعاض عن ذلك بقولهم، في السودان" المرض الكعب"، أي الخبيث.
ومما يدخل في هذا السياق، من باب الخشية أو الرهبة اوالتقديس، خشية امهاتنا وحبوباتنا من ذكر الشيطان، والإشارة إليه بقولهن: ناس بسم الله. ومن هذا الباب أيضا الإشارة إلى النار في شمال إفريقيا بقولهم العافية، لتقديس قديم تالد كان للنار عند الأمازيغ، يصل بها إلى مرتبة التأليه.
ومما يجد تفسيرا في سياق المحرمات اللغوية، ومن باب الحرج أيضا، تعدد أسماء المرحاض، فهو كنيف، وبيت أدب، وخلاء، ودورة مياه، وأدبخانه، ومستراح، وحمام، ودبليو سي، وتواليت.
وعهدي بأهل انجمينا يقولون للتعبير عن المرحاض "ورا بيت".
ومن طرائف شيخنا العلامة عبد الله الطيب، ما أورده في كتابه( من نافذة القطار) في سرده وقائع رحلته من بور سعيد إلى لندن، أن " ..أحد الضباط شكا من أن أحد السود ذهب "كالناس" في الحمام...وقد كان جماعة من الصولات يحسدوننا على الحمام وبيوت الأدب... "، وهو كما ترى استعار العبارة الدارجة في لهجة أهل السودان: "مشى زي الناس"، في سياق فصيح، وتلك لعمر الله من بعض براعاته، كناية عن قضاء الرجل حاجته. كما أورد لفظتين لمدلول واحد: الحمام وبيوت الأدب، فتأمل!
وبعد، فلا ندري ما تحمله، بعد عبقرية اللغات( كل اللغات) من بدائل وألفاظ.
وبعد، فإن المعايير التي تحكم اللغات لا تقتصر على نحو وصرف ومعجم وغير ذلك، فالذائقة الاجتماعية تتجاوز ذلك كله بلا قياس.

د. مصطفى أحمد علي،
الرباط
يونيو ٢٠٢٠م.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى