الحسين ولد محمد عمر - تحت الصفر.. قصة قصيرة

بدت مجموعة من الهواجس تنتابني فجأة، أطفأت التلفزيون، خرجت لأستنشق بعض الهواء الملوث، عوادم السيارات المارة من أمام منزلنا تجعل الأمر أكثر سوءا بشكل لا يوصف، أبي - رحمه الله - رفض أن نبيع منزلنا المطل بفخرعلى الشارع العام الوحيد في المدينة. لقد كان يرى أن في ذلك ميزة لم أستطع اكتشافها لحد الساعة. فتحت الباب الذي أصدر أزيزا و صوتا مزعجين ، تذكرت أن أحدهم طلب من أبي مرة تغيير صوت هذا الباب أو وضع زيت تليين لإخفاء هذا الطنين المقيت.
جلست بالباب، أخرجت سيجارة من النوع الرديء، كثيرا ما سخر بعض شباب الحي من سيجارتي العتيقة و أنا منتصب كالعادة بمحاذاة الباب كنخلة عتيقة، أعدت العلبة بلا مبالاة إلى جيب فضفاضتي، أخذت نفسا عميقا و أطلقت غابة دخان مصحوبة بتأوه خفيف كمن ينفث بعيدا هموما جاثمة على صدره، قال صديقي سلمان وهو يمازحني، < أنت تبدو مثل قطار يعاود الانطلاق ألقم توا بكمية من الفحم >.
بعد لحظات كانت السيجارة توشك على الانتهاء، أخرجت أخرى تفحصتها جيدا ثم أعدتها، أغلقت الباب خلفي ودلفت إلى الداخل، صاح في أحد الجيران، غيروا باب منزلكم المزعج أيها البخلاء، التقطت كلماته ببرود قاتل، مطّيت شفتي و استمريت في طريقي إلى حيث التلفزيون.
كانت إحدى القنوات تبث فيلما تافها، الملل يقتلني، نظرت في الغرفة و جلت بعيني الجاحظتين من فرط الملل و النعاس و أشياء أخرى لا داعي لذكرها، أعدت الكرة مرات، لا يزال نفس الفيلم المعاد الذي أفقدني صوابي، أخذت الريمونت كونترول، إبهامي يضغط ضغطات خفيفة، ينتقل بين القنوات بسرعة. فيلم رومانسي ممتع جدا تتخلله قبلات ساخنة حد الجنون، كانت البطلة في قمة النشوة تتلوى كأفعى كوبرا محاولة خنق فريسة ثمينة. تتأوه مصدرة أصوات تجعلك تتصور أنك البطل.
طرقات خفيفة متتالية على الباب، هيا انهض أنت متأخر ربع ساعة، الكل يسأل عنك، أشحت اللحاف و أنا أشتم في سري هذا الطارق الذي لم أتبين صوته من فرط النوم و اللذة.
تذكرت يوم الخميس الماضي، لقد تلقيت بريدا ألكترونيا معتادا من منظمة مكافحة التحرش التي كنت أشتركت فيها قبل مدة أجهل الآن كم مضى عليها، تقول الرسالة بالحرف < في يوم الخميس الموافق 8 نفمبر أقدم مدرس القرآن الكريم المدعو س.م / م ح على اغتصاب الطفلة ز/ع في فناء المنزل الذي يتخذه كمقر لتدريس الأطفال، وقد أكدت الفحوصات الطبية التي أجريت في المستشفى الكبير هذا الجرم و أن هذه العملية أسفرت عن نزيف حاد، و تتعهد منظمة " مكافحة التحرش " ملاحقة الجاني دون الجنوح إلى الصلح مهما كان الثمن ......>.
فتحت لابتوبي التوشيبا وبسرعة البرق وجدتني أمام خانة البحث في جوجل، كتبت " اغتصاب طفلة يوم 8 نوفمبر" الكثير من العناوين بتواريخ مختلفة ، فقط عنوانا واحدا كان في أعلى الصفحة أثار انتباهي " اعتقال رئيسة منظمة " مكافحة التحرش " بتهمة التشهير بالإمام والمدرس ابن الأكارم يوم 8 نوفمبر 2016 ، ذوي الإمام يطالبون بأقصى أنواع العقوبة، فتحت الخبر، صور لوقفة احتجاجية أمام المحكمة، ورقة من نوع A4 مكتوب عليها بخط يبدو قياس 72 " الحبس للزانية " وورقة أخرى " منع التبرج واجب ديني ".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى