خير جليس إلهام بورابة - عن مكتبات البيت

تتحدث الصديقات عن مكتبات البيت ، وعن قراءات منتصف الليل على الضوء الخافت.
أو على كرسي هزّاز في حديقة.
أنا لم تكن عندي مكتبة. لكني كنت أقرأ بدءا من ورق الجريدة الماسح للنوافذ.
كان أبي يحب الكتب، فيشتري الكتب.
كانت أمي تضيق بالرزق وبالشقة الضيقة فترمي الكتب.
لحسن حظ بيتنا أنه كان بمخزن جانبي في السقيفة . شقق عمارتنا ضيقة لكنها بشرفات كبيرة واسعة وبمخازن وبيوتات إضافية في السطح وفي القبو. بالحاصل ، كان لنا ثلاثة مخازن بلا ضوء تعشش فيها العناكب وتنزف فيها الرطوبة نكهات بهاراتها صيف شتاء. لكن هذا لم يمنعني من العيش في مخزن السقيفة أؤنس الكتب الحزينة . أمسح غبرة الإهمال عنها وأنعشها من ضوء نظراتي حتى ضعف بصري.
أخذني أبي عند أمهر طبيب عيون وقتئذ وهو طبيب عراقي ، الموعد في عيادته ب" لاكومس" يؤخذ من شهور . لكن أبي تمكن من موعد قريب ورحنا بلعنة أمي خلفنا على الكتب ورمي العتب على أبي .
قال أبي للطبيب : هذا كله بسبب القراءة . إنها لا تكاد ترفع عينيها عن الكتب.
ردّ الطبيب: طفل يقرأ لا خوف عليه. دعها . سينقشع بصرها على الدنيا الكبيرة .
فهمت أنني سأعود أبصر جيّدا وكفى. فأبي قال لأمي بأن الطبيب نصح بالقراءة لتسترد النظر. لا غير هذا دواء. لكنّه همس لي بأنّ الطبيب يقصد أنني سأكون بخبرة الطبيب إذا واصلت القراءة بشرط أن ألتزم بالنظارة وقطرات العين والخروج من المخزن إلى ضوء الشرفة . على أن آخذ من الكتب ما يسعه درج صغير في خزانة الملابس.
وهكذا صرت أقرأ بالشيء القليل. آخذ وأرد إلى المخزن وأذهب مع أبي للمكتبات ينتقي لي حتى تمرّدت يوما واخترت ما يجذبني وكان كتاب العصافير لياسين رفاعية من المكتبة الاسلامية بربعين شريف.
ثمّ زوّدت بجوائز المدرسة من صنف المطالعة اللبنانية وواصلت اقتناء ما يتحف ذائقتي من عناوين أصادفها بالمكتبات . وكلّما امتلأ مخزن السقيفة أتخلّص من القديم في مخزن القبو لكن الفئران لم تصبر كأنها تحرق الورق لأجل طاقتها الخاصة.
ثمّ،
حين لم يجد أخي أيّ حيلة للعمل ، تخلّص من كتب المخزن كلها وبدل الكتب أحضر عدّة عمل لإصلاح عطب الآلات الكهرومنزلية . هذا أكل رزق قلت في نفسي ولعنت الفقر الذي يعدم كل حيلة لينقشع البصر على الدنيا الكبيرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى