محمود المداوي - متاهة.. قصة قصيرة

(1)
خفف من سرعته توقف صدره يتماوج علوا وهبوطا. لهاثه يتلاحق الان بدأ يهدأ يحاول التخلص من خوف تملكه قبل ثواني يغالب خوفه بافتعال رباطة جأش وتماسك ذاته يستدير جهة الخلف يمد بصره على امتداد الشارع يجول بعينيه المرتعشتين في الاتجاهات الاربعة يحدق فيها مليا وبحذر شديد يحدث نفسه همسا " لاشيء هناك ، وهنا ايضا لا ارى شيئا ، حك رأسه يحس بشيء من الارتياح علت محياه بشاشته المعهودة زال من داخله اخيرا قلق شديد استولى عليه منذ ان سكنه احساس ؛ بان ثمة من يتبع حركة سيره بل ويرصدها له عن كثب ومع انه واثق في احساسه بأنه مراقب وبعناية واهتمام إلا انه مثل مرات كثيرة لم يسعفه حرصه الزائد من معرفة او رؤية من ذا الذي يراقبه دائما اتراهم تفننوا الى حد المغالاة في عدم تمكينه ان يراهم ؟! سؤال قفز الى راسه فزاد خوفه واغرقه السؤال العابر في فزع لا حدود له.

هذه لحظة هدوء نسبي لابد ان يستثمرها اخذ نفسا عميقا جاء الهواء الطالع من تجويفه الصدري حارا خرجت معه رائحة أوف كريهة لم يبال أعاد ترتيب قواه المنهاره ، وبيده اليمنى رفع ذيل مئزره الى وجهه ، اراد مسح قطرات عرق تجود بها عليه مسامات منبت شعر راسه الاقرع على كل وجهه الخمسيني الا انه وبفجع اشد اعاد مئزره الى وضعه السابق وهو يتلفت يمينا ويسارا مذعورا تذكر حينها انه لم يلبس سرواله الداخلي وراح يطمئن نفسه لخلو الشارع من المارة وبالذات من المارات! تابع سيره بشكل اعتيادي ، وكمن استذكر شيئا مهما ضرب بكفه على جبهته بحنق " اخ... كدت انسى !"، وانعطف الى شارع اخر احتوته زحمة الشارع بما يعج فيه من ضجيج لمركبات وايضا لبشر تذكر انه على موعد اعتاد الذهاب اليه في مقهى " ابو ياسر" الواقع على الجانب الاخر (لابد ان زملاءه ورفقة عمره في انتظاره الان ليشاركهم جلستهم المعتادة في شرب الشاي الممزوج بالحليب والهيل والجوز المقرون دائما بالحديث في العام والخاص من الامور وبأدق التفاصيل ، وما كاد ان ينتهي من استذكار ذلك الموعد حتى وجد اصبعي يده اليمنى تضغطان بقوة على فتحتي انفه وهو يحث الخطى مسرعا ومتأففا من رائحة نتنه يبعث بها مستنقع لماء بالوعة طفحت بكل ما بداخلها من نتانه ، وكادت ان تفقده وعيه وتصيبه بالغثيان قبل ان يقع فيها. حمد الله لعدم حدوث ذلك ومضى باتجاه هدفه.

مرة اخرى يداخله احساس بان ثمة من يحصي وراءه خطواته..هذه المرة لم يهتم همه الان ان يصل الى مبتغاة خال نفسه انه قد وصل وانه قد جلس بين افراد المجموعة في المقهى ، وهاهو ذا صديقه الحميم الاستاذ مرشد الطويل يجلس الى جواره ، وانه الان يبوح له كصديق بكل ما يجيش به صدره لعل وعسى يجد لديه تفسيرا منطقيا لما يعاني منه يخرجه من حيرته التي تتمدد بداخله كل يوم واقنع نفسه ان الاستاذ مرشد هو الوحيد من بين الاخرين الذي لا يقاطعه اثناء كلامه ، يسمع منه بإصغاء حتى يفرغ من كل كلامه مهما كان جادا او تافها ، بل انه وهذا الاهم لا يرميه كالآخرين بالمبالغة الشديدة واختلاق الحوادث والتوهم بما ليس له وجود.

بدا عليه التفاعل مع ما تخيله وكأنه حقيقة فشع وجهه سعادة وبينما هو كذلك قطع صوت ات من مذياع مصدره احدى البقالات التي مر امامها ..شده صوت المذياع اليه ووقف يستمع لما يقوله المذيع بصوته الاجش القوي وهو يقول:(وتفيد اخر الانباء الواردة من عدن ان قوات الامن قامت باعتقال شبكةا رهابية كانت تخطط للقيام بعمليات اجرامية في مواقع عدة من المدينة) ، ووجد نفسه يبتعد عن الصوت كلما تقدم بخطواته تجاه المكان الذي يقصد الذهاب اليه ابتعد اكثر حتى فقد مصدر الصوت


(2)

ومن بين السطورعلى الورقة التي اكتب عليها مد يده وهي ترتجف وامسك بساعدي وهو يقول لي :" خلاص ياستاذ محمود ارحمني الله يرحم والديك ماذا تريد لي بعد ذلك ؟! لم اتفاجأ بما قام به فقد فعلها معي اكثر من مره قبل الان . تمالكت نفسي ورسمت ابتسامة على شفتي وهمست له :" هانت ماهي الا عدة سطور وتنتهي الحكاية.

احتواني هو بابتسامة مماثلة وقال لي بكل برود:" لااريد، لااريد" قلت له " اذا انت تعبت سأعطيك استراحة لبعض الوقت وبعدها نواصل، لابد من خاتمة للقصة زفر في وجهي زفرة قوية شعرت وكانها ريح حامية لامستني وقال :"صدقني ياعزيزي الكاتب ما انا فيه متاهة وانأ لا اريد ان اكون بطلا لمتاهتك وأمسكت بقلمي جيدا وهتفت فيه :" نعم متاهة ..هكذا سيكون عنوان القصة رفعت سن القلم اعلى الورقة وكتبت ذلك العنوان إلا ان بطل المتاهة لم يتركني اكمل باقي المتاهة وقد تألمت لذلك كثيرا وزاد من ألمي ان صاحبي كان يضحك من اعماق قلبة وفي نفس الوقت ينظر في ساعة يدة ويومئ لي ان اختم وسريعا كنت اريد ان استمر إلا انني نظرت الى يده الاخرى وقد امسك بها مسدسا لا ادري من اين جاء به ويقول لي بغلظة " اختم احسن لك ؟!".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى