وحيد الطويلة - مقام بياتي..

رغم أن وفيق الفرماوي له عينان ضيقتان، يقلبهما بحدة في وجهه الجامد كثعلب بري، تجعلانك تعود إلى الخلف، وتهرش رأسك بعد أن قطعت نصف الطريق إلى مودته، إلا أنني أشفقت عليه- متحاشياً المكر الذي يكاد ينط منهما – من أن أشكوه لأبيه الذي يتقدمنا بأربع أو خمس خطوات، خاصة أن الرجال الذين جلسوا على جانبي الحارة لم يشجعونني على ذلك، إذ لم يكترث أحدهم لمرورنا اللهم إلا تمتمات غائمة أطلقوها في ظهورنا، حتى المرأة الوحيدة تخلت عن فضيلتها ولم تطلق صراخاً، فقط اكتفت بأن تحرك أقفاص طيورها للخلف قليلاً، وأن تتعتع مؤخرتها كأنها تلف الرحى على حفنة ذرة قديمة، بل أفسدت المشهد وكسرت وقاره حين اندفعت فجأة تطارد الفرخة الوحيدة التي قفزت من قفصها.

الحارة ضيقة، والأحذية كتيمة، لكن الرجال الذين تجمعوا حول والد وفيق على هيئة مستطيل متأرجح، لم يكن يعنيهم بالطبع أن وفيق مكار، أو أنه لكزني بكوعه أكثر من مرة، اذ استحثونا بعد أن أرخوا النعش، أن نحمل معهم جسداً نحيلاً يليق بالدموع.

في الحارة وحدنا، بعد أن غادرنا الأربعة بالنعش، جلسنا عند سور مهترئ، عينه في عيني، وثقب حذائي من أسفل في مواجهة ثقب حذائه… أدركت أنه كان يلكزني غصباً عنه، وأن الجنازة فقيرة بما يكفي، والمشهد ضيق بحيث لا يتسع لأن تعدو طفلة أمامنا خلف قطتها، ولا أن يرفع الحلاق البارد صوت مذياعه، ليغني محمد عبد الوهاب. (بلاش تبوسني في عنيا، دي البوسه في العين تفرَق).
أعلى