بلال رمضان - وفيق الفرماوى.. إبحار فى أعماق كاتب

وفيق الفرماوى، قاصٌ وروائى، رحل عن عالمنا منذ خمسة أعوام فى 26 من يوليه 2005 عن عمر يناهز الواحد والستين عامًا، رحل فى هدوء شديد كما عاش بين أصدقائه الذين تلقوا نبأ رحيله بصدمة بالغة تركت أثرها فى صفحات أعمالهم الإبداعية، ليبقى بهيئته طفلاً يركض بين السطور وشيخًا ترك الزمان رسالته على قسمات وجهه الداكن.

رحل الفرماوى فترك خلفه صمتا وفراغا عميقا، يتذكره الأتيلييه والبستان بابتسامة طفل مازال يركض موزعًا وصاياه على أصدقائه قائلاً "أنا أوزع أعمالى فى النور وليس من تحت الترابيزة كما يفعل البعض".

يقول الفرماوى فى إحدى حواراته عن رحلته مع الكتابة: كتب عديدة ومبدعون كثيرون أثروا فى مشوارى الإبداعى، دخلت كتاباتهم وتغلغلت فى نسيج روحى وكتاباتى القصصية، لم يكن هناك كتاب بعينه، أو مبدع محدد مفضلاً لدى، جاءت الرحلة متدرجة وبدأت بمجموعة من مجلات الأطفال مثل مجلة "على بابا"، والتى وفرت لى فرصة ثمينة للتعرف على قصص "ألف ليلة وليلة".

ويصف رحلته قائلاً: أدخلتنى القراءة فى عوالم عجيبة وغرائبية، أدخلتنى فى صدام مع قصص أرسين لوبين، وشارلوك هولمز لأرثر كونان، جعلتنى اكتسب القدرة الكبيرة على الكتابة التشويقية والحكى، وهما عنصران مهمان لا بد للكاتب أن يمتلكهما من أجل تقديم كتابة قصصية جميلة، وطالت عمليات متابعتى لقراءة الروايات البوليسية وانتقلت إلى قراءة أجاثا كريستى وجعلتنى أمتلك قدرة أخرى فى الكتابة، وهى كيف تمسك بالقارئ فلا ينفك منك حتى آخر سطر فى العمل القصصى وتجعل نهاية القصة ومفاتيحها فى آخر صفحة، وفرت لى هذه الميزة ألغازًا كثيرة قرأتها فى تلك المرحلة عبر مكتبة المدرسة وكتب كنت أشتريها، وكتب كنت أستعيرها من الأصدقاء.

ويضيف: إن الفن الحقيقى والكتابة الحقيقية هى التى تترك فى روحك أثرًا لأحداثها وحياة أبطالها، وقد صار هذا همًا من همومى الإبداعية، ولعل لجوئى إلى التكثيف فى الكتابة القصصية نابع من ذلك، فأنا لا أميل إلى الإسهاب وأترك للقارئ مساحة لأعمال مخيلته فى تكملة المشهد وهذا ما يظهر واضحًا فى مجموعتى القصصية "روح الروح"، والتى صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى 1997.

ويضيف: باكتشافى كتابات مجموعة أميركا اللاتينية دخلت إلى روح إبداعية أخرى وعالم آخر، قرأت ماركيز وقد شكلت رواياته وقصصه بالنسبة لى قفزات سريعة فى عالم القصة والكتابة، كما أفادتنى روايات والتر ســـكوت وهوجو والكسندر ديماس فى الكتابة ذات النفس الطويل التى تتوالى الأحداث فيها، وقد شكلت الرواية الفاتنة روبنسون كروزو روحًا إبداعية لى فقرأتها أكثر من خمسين مرة ودفعتنى بعوالمها وأحداثها التى تدور فى البحار إلى أن أعمل بحارًا، كان جنون آخر فى مسيرتى الإبداعية أردت بعد أن قرأت الرواية العبقرية أن أشعر بأحاسيس أبطالها، لذا كان قرارى بالعمل فى البحر، وهنا يأتى مكسب آخر وقناعة أخرى هى أن الإبداع الحقيقى هو الذى يدفعك إلى تقليد أبطاله.

ويقول الفرماوى عن مجموعاته: كانت مجموعتى الأولى "القتلة" تحاول أن تستفيد من هذه البذور، كان ذلك 1984 بعدها جاءت المجموعة الثانية "الحصار" 1991، وهنا لا يمكننى إغفال أعمال المبدعين المصريين نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف الشارونى والجميل سعد مكاوى ومحمد مستجاب وعبد الحكيم قاسم، كل واحد من هؤلاء حفر فى روحى بكتاباته نهرًا جديدًا، وكذلك الكاتب الساحر صبرى موسى برائعته "فساد الأمكنة".
جميعهم دفعونى إلى دخول مجال الكتابة الروائية لتكون روايتى الأولى "كوكلامو"، أما آخر أعمالى القصصية فقد كانت "كواك" وتتكون من أربعة عشر قصة قصيرة وقد صدرت على حسابى الخاص.
أعلى