أ. د. عادل الأسطة - الست كورونا " خليك بالبيت" ثانية (١٢)

يقول مثلنا " عادت سليمة لعادتها القديمة " وها نحن نعود ثانية إلى الالتزام بالبقاء في البيت ، وهذه المرة ، مبدئيا ، لمدة خمسة أيام قابلة للتجديد ، لا لمدة أسبوعين قابلين للتجديد كما كان سابقا في آذار .
منذ مساء الخميس في الثاني من تموز بدأ سريان الحجر الصحي ، فماذا سنفعل وحالات الإصابة بفايروس كوفيد ١٩ تتصاعد بوتيرة متسارعة ، ومدينتنا التي كانت في الأشهر الثلاثة الماضية نظيفة من الجائحة صارت مثل مدن أخرى.
أبواب المدينة مغلقة والناس في هذا الحر اللاهب في البيوت ولا نسمة هواء باردة في الظهيرة تنعش الجسد فتنتعش الروح .
ما إن أعلنت عن صدور كتابي " الست كورونا " الذي ضم اليوميات التي كتبتها خلال آذار ونيسان وأيار ، وعددها مائة " وانهالت التبريكات والتعليقات حتى تساءل قسم من الأصدقاء
- بدري
- الجائحة عادت ثانية
- علام الاستعجال
- لو تريثت
وأنا مع عودة الجائحة عدت أكتب اليوميات من جديد فصرفتني عن إتمام كتابي " صورة الفلسطيني في الرواية العربية " .
الأسئلة نفسها ، وأظنني وغيري سنتذكر قول الشاعر الذي سئل بعد خمسة عشر عاما من تطليقه زوجته عما جد في الموضوع فأجاب :
- ما أرانا نقول إلا معادا مكرورا !
ومنذ ثلاثين عاما لا أسمع من المحيطين بي إلا الكلام المكرور ، فهل ستعود سليمة في الحجر الجديد إلى عادتها القديمة ؟
سوف يعترض بعض القراء على المثل ويخطئني ، فأرجو عدم الاعتراض . إنني أحاول دفع الالتباس ؛ فلا أعرف امرأة اسمها سليمة ، ولا صديق لي زوجته أو ابنته اسمها سليمة . المخيلة أحيانا تذهب بعيدا وأنا رجل بسيط على البركة !
ماذا أفعل في هذا الحجر الصحي ؟
بعد ٤٢ عاما أفرج الله على عمارتنا فكساها الله حجرا وزفزافا ، وعلي أن أقوم يوميا ببعض التنظيفات ، فليس أسوأ من إعادة ترميم بيت وصاحبه يقيم فيه ، وأهالي المحيمات خير من يخبر هذه المأساة .
ماذا لو تتبع لاجيء فلسطيني من أبناء المخيمات بالكلمة والصورة تاريخ بيته منذ ١٩٤٨ حتى الآن : خيمة فغرفة فحديقة فغرفتان فمطبخ فحمام فمرحاض فشقة بلا حديقة فطابق أول وطابق ثاني و .. الحكاية تطول وكم كانت أمي - رحمها الله - تعاني كلما توسعنا في البناء ورممنا البيت ونقلنا الحمام من مكان إلى آخر و . و .
اليوم الجمعة لم يأت العمال ، وكنت أمس وقفت معهم وأفطرت أيضا معهم ، فلا بد من ممالحتهم حتى لا أتهم بالتكبر والتعالي والفصام بين عالمي الكتابة والممارسة.
أحد البرجوازيين الفلسطينيين يتهم بأنه بخيل لأنه لا بعطي السائلين " وأما السائل فلا تنهر " ، علما بأنه يتبرع بمليون دولار لمتحف وطني ومليون شيكل لصندوق " وقفة عز".
أطرف حكاية سمعتها بعد انتهاء الموجة الأولى من الجائحة هي الحكاية الآتية:
عزم أهل حي على بناء جامع فبدأوا بجمع التبرعات وزاروا البيوت ، وهم أمام بيت رجل ثري سمعوا الرجل يتحاصم مع زوجته لأنها تستحدم عودي ثقاب لإشعال البابور لا عودا واحدا ، فقالوا:
- من المؤكد أنه لن يدفع فلسا واحدا ما دام على هذا القدر من البخل ، وعزموا على العودة من حيث أتوا ثم قال أحدهم لنجرب .
عندما دخلوا إلى البيت وطلبوا المساعدة سألهم عن تكاليف الجامع ودفعها لهم كاملة ، فاستغربوا وأخبروه أنهم فوجئوا بما حصل.
الرجل قال لهم :
- من توفير العود دفعت لكم تكاليف الجامع .
حكايات ! وما أكثر الحكايات ! كما لو أنها الحكايات التي جمعها الأخوان ( جريم ) الألمانيان.
خليك بالبيت واحتمل الحر وما يجره كلاهما ؛ البيت والجلوس فيه ، من ضجر وفضول ومراقبات وشكاوى عن قلة ما في اليد و ..
في ألمانيا ليس مسموحا لك أن تسأل المرء عن عمره وراتبه ورصيده في البنك ، وعندنا الجميع يسأل :
هل امتلأت البلاطة ففاضت ؟ هل ملينت ؟
ولمن تخلف أموالك ؟ وبقي أن يسألوك عن فراشك ونومك و .. و .. ومرة سألني أبو عمار - وأبو عمار هذا ليس أبو عمار ياسر عرفات - إن كان الشيطان يزورني ليلا ليعرف إن كنت صالحا أم ..
لماذا لم يسموا أبو عمار " أبو خراب " ، فقد قادنا إلى ما نحن فيه .
عندما أعلنوا تأسيس حركة التحرير الفلسطيني أرادوا اختصارها بكلمة واحدة : ح.ت .ف . - حتف ، فتشاءموا وقلبوا الحروف وصارت : فتح ، وقل إن فتح الله قريب ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) وفتح فلسطين طال .
في الجلوس في البيت تضيق الأخلاق وينعكس ضيقها على الكتابة .
لا جديد!
مساء الخير
خربشات
٣ تموز ٢٠٢٠


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى