أمل الكردفاني- إستحمار الشعوب

ما يفعله الإعلام الغربي عبر وسائطه الداخلية كالمنظمات وخلافه، هو استهداف العقل المنطقي، وتحويل ادمغة الشعوب لأدمغة إسفنجية تمتص ما تتلقاه بدون أي نقد عقلي. بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، استطاعت أمريكا إقناع العالم بكارثة ضرب مركز التجارة العالمي كعملية إرهابية، ونفس هذه الشعوب التي لم تعد تفكر في مناقشة هذه المسألة من زوايا اخرى، نفس هذه الشعوب ربما لا تتذكر حتى واقعة قصف ملجأ العامرية في العراق. وتوضح الويكيبيديا بأن ملجأ العامرية أو رقم خمسة وعشرين هو ملجأ يقع بحي العامرية في بغداد، العراق، قصف أثناء حرب الخليج الثانية. فقد أدت إحدى الغارات الأميركية يوم 13 فبراير، 1991 على بغداد بواسطة طائرتين من نوع أف-117 تحمل قنابل ذكية إلى تدمير الملجأ مما أدى إلى مقتل أكثر من 400 مدنيٍ عراقيٍ من نساء وأطفال. وقد بررت قوات التحالف المهاجمة هذا القصف بانه كان يستهدف مراكز قيادية عراقية لكن أثبتت الأحداث أن تدمير الملجأ كان متعمدًا خاصة وأن الطائرات الأميركية ظلت تحوم فوقه لمدة يومين.
يمارس الإعلام اليوم دوراً أكثر خطورة، وهو توجيهات حيوية للعقل الإنساني، بحيث يمحو عنه أي ذاكرة نقدية، إذ تضحى هناك مسلمات مقدسة لا يجوز حتى مجرد تناولها بالنقد العلمي، مثل الديموقراطية، وحرية التعبير، والداروينية،....الخ.
اوردت الشرق الأوسط في عددها الصادر عام ٢٠١٦ ذلك القمع الذي تمارسه المؤسسات الغربية على بعض العلماء والمفكرين أمثال نعوم تشومسكي:"يردد تشومسكي كثيرًا أنه حتى الصحف الأميركية التي تنتقد الحكومة كـ«نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» لا تنشر له شيئا أو تتجاهله، مثلما يفعل التلفزيون الأميركي غالبًا. ولذا فجمهور تشومسكي غالبًا من النخب الجامعية وبعض المؤسسات الثقافية العامة، وهو في حقيقة الأمر جمهور على ضخامته محدود من حيث النوع والمستوى. غير أن ما يسترعي الانتباه أن تشومسكي على حدة آرائه التي يطرحها أمام ذلك الجمهور لم يعرف أنه تعرض لمضايقات أو تهديد كما حدث لإدوارد سعيد أو ضيق عليه في التحدث إلى الناس كما حدث للمؤرخ البريطاني توني جت، كما أشرت في مقالة سابقة. المنع الشهير الذي واجهه تشومسكي كان في إسرائيل حيث منع من الدخول لإلقاء محاضرة في جامعة بيرزيت الفلسطينية عام 2010، لكن ذلك المنع الواضح والمباشر والمألوف في معظم أنحاء العالم يهون، فيما يبدو، عند المنع الأخفى الذي يواجهه مفكر وناشط بحجم تشومسكي حين يجري تجاهله أو تهميشه فيما يرقى إلى تجاهل لأفكاره وتهميش لمقاومته".
shorturl.at/kwzLT

يتم تحويل أدمغة الشعوب، لعقول إمتصاصية، تمارس عليها الحيل العاطفية باستمرار، (إن الشعارات الدينية الخلابة) أستبدلت بشعارات عصرية خلابة بدورها، وإذا كان بإمكان المقاومة أن تمتلك أصولاً معرفية للدفاع عن موقفها في مواجهة الشعارات الدينية عبر تمحيص التراث وتفكيك المصادر، فإن كل تلك الهشاشة لا تتوفر في الشعارات الليبرالية التي يتم إزحام الوسائط الإعلامية بها. إنها شعارات غامضة. سأتناول مسائل تتعلق بالخصوصيات الثقافية العربية التي تواجه بقصف متواصل، كنزعة إستعمارية أدبية، المقصود منها زعزعة الثقة فيها. فمثلاً، هناك هجوم مستمر على تعدد الزوجات، لكن هذا الهجوم مستقر على دائرة الشرق الأوسط فقط، إنه لا يمتد إلى تعدد الزوجات لدى القبائل الآسيوية كما في الهند ومنغوليا أو في القبائل الافريقية وامريكا اللا تينية، بل على العكس تماماً، سنجد أن مؤسسات البحث العلمي تحولها لإحتفالية يجب توثيقها في أفلامها الوثائيقية، كخصوصيات ثقافية هي جزء من التنوع الإنساني العالمي، إن المورمون في امريكا يحتفظون بذات الحق في تعدد الزوجات ويتمتعون بمارسته ممارسة مشرعنة قانوناً. ولا يختلف الأمر كثيراً في مسائل الجنس، ففي الوقت الذي تنشط فيه منظمات حقوق الإنسان داخل الشرق الأوسط على وجه الخصوص لرفع السن القانوني لزواج المرأة، نجد نفس هذه المنظمات تغض الطرف عن القانون الفرنسي الذي يجيز للفتاة البالغة ممارسة الجنس إذا بلغت الخامسة عشر من عمرها. بل أن هذه المنظمات تتجاهل كثيراً، التشريعات المسيحية التي تمنع الطلاق بين الزوجين، رغم أن هذا هو الإنتهاك الأعنف لحقوق الإنسان والذي ترتب عليه ارتفاع معدلات القتل بالسم بين الأزواج.
من المفترض على الشعوب أن تتلقى المفاهيم السياسية لا لكي تعيد إنتاجها بما يتناسب مع واقعها الثقافي، بل لتمتصها فقط، ثم تعاني بعد ذلك من عدم قدرة تلك المفاهيم على التكيف مع الواقع.
وتدفع الرأسمالية بالحدود إلى أقصاها، بحيث تقمع النذر اليسير من العقل النقدي عبر التقنية، أو التكنولوجيا. ومع الضخ المالي، تتآلف القوتان وتتحدان (المال، والإعلام) لحيونة الإنسان، أي رده إلى نوع أدنى من نوعه، كي يتحمل بدون تفكير.
يزداد التخصص الدقيق تغلغلاً في المؤسسات التعليمية ومراكز الأبحاث، ويتم إنهاك الثقافة، وتهميشها، إقتصادياً وسياسياً وإعلامياً، ويتم إفساح جغرافيا واسعة لعالم التسلية، والتقنية، والعصرنة، والموضة، ودفن الصورة القاتمة للمعاناة الإنسانية تحت واجهة براقة. وحفز الإنسان نحو قتل ظله، وإدارة خده الأيسر لمن يلطمه على خده الأيمن، هذا إن سنحت له فرصة إدراك أن ما تعرض له كان بغياً وعدواناً. بعد استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، أرسلت اليابان وفودها للولايات المتحدة الأمريكية، كانت تلك الوفود ترفع شعار: (نعتذر لكم عن الخطأ الذي اقترفناه). لقد رفع اليابانيون تلك الشعارات المذلة وعلى الضفة الأخرى كانت هيروشيما ونجازاكي رماديتا السماء والأرض.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى