وفاء الحكيم - عــــــودة.. قصة قصيرة

حدث أنْ تمرَّ بك فترةُ صمتٍ.... لا مزيد من الكلام لا مزيد من الشعور..لا مزيد من الأشخاص .
(دوستوفسكي)
عدتُ إلى البيتِ بعدَ عدةِ ساعاتٍ أمضيتها واقفا في قسم الشرطة دخلتُ البيتَ أرجفُ صمتا ، خلعتُ حذائي ،أمسكته بيدي ولم أدرِ في أي الأمكنة أضعه- فقد كنت متخما بحيرةٍ خانقةٍ-فقذفتُه لا مباليا فسقطتْ كل فردة منه في اتجاه بعيدة عن الأخرى. دخلتُ الحمامَ وبي رغبةٌ أن أستحم لكنّ رغبة مساوية ومعاكسة جعلتني أركن تماما لرائحةِ العرقِ المالحةِ التي اجتاحت جسدي . دخلت المطبخ ، وشربتُ زجاجةَ ماءٍ مثلجٍ بأكملها لكني رغم ذلك لم أُحِس بأنني ارتويتُ وقفتُ أمامَ اللهبِ لأصنع لنفسي فنجاناً من القهوة وأنا أحاول بهدوء استعادة غموض ما حدث !!كان منظراً بشعا وحادثا أليما حيث كنا في الصباح وسط الزحام مثلي مثل الآلاف من البشر مهرولين صامتين صوب أعمالنا لا نلوي عن شيء عندما استوقف رجلٌ رجلاً آخر ظلَّ يحادثه ثم فجأة طعنَهُ عدةَ طعناتٍ فأرداه قتيلاً وغطَّتْ الدماءُ الغزيرةُ الأرضَ لكن القاتلَ لم يحاولْ الهربَ بل إنه قد أعطى هاتفه لأحدِ الواقفين ليقومَ بإبلاغِ الشرطةِ.. !!! كنت كالآخرين لا أعرفُ القاتلَ ولا القتيلَ ولكنَّ الشرطةَ حين جاءت أخذتنا جميعا شهودا على الواقعة وقامت باستجوابنا جميعا ..!! كانت إجاباتُنا واحدة وكلنا أكَّدَ بأننا لا نعرف القاتلَ ولا القتيلَ وأنَّ وجهَ أيٍّ منهما لم يكن مألوفا لنا ولم نَرَهُمَا من قبل ولا نعرفُ السببَ الحقيقيّ وراءَ الحادثِ كما أكدنا جميعا أنَّ الزحامَ الشديدَ هو السببُ الوحيدُ الذي أعاق حركتَنا وحالَ بيننا وبين تركنا للمكان . أمسكتُ بفنجانِ القهوةِ ووقفتُ في الشرفة أنظر للشارع كانت الحافلات تسيرُ في اتجاهاتٍ عدةٍ متعاكسةٍ بينما على تخوم الأرصفة أطفالٌ يئنُّون من وجع الخطواتِ رحتُ أرتشفُ ببطءِ محاولاً إقناع نفسي أنَّ كلَّ شيءٍ على ما يرام والأمر لا يعدو أنْ يكونَ سوء حظ جعلني بالصدفة أحدَ شهودَ هذهِ الواقعةِ . وقبل أن أنتهي من فنجان القهوة كان هناك على مددِ البصرِ رجل يمشي يُشبُه القتيلَ تماما ، نفس العينين والحاجبين والجرح الغائِر أسفلَ الذقنِ خُيِّلَ إلىَّ أنني أتوهم من أثرِ الإرهاقِ والتعبِ سوى أنه أشاَرَ لي من بعيد وظل يضحكُ ويلوِّحُ لي بيديه ويناديني باسمي فتركتُ الشرفةَ والبيتَ ونزلتُ مسرعا أعدو وراءَهُ حافيَ القدمين .


القاصة دكتورة / وفاء الحكيم
عضو اتحاد كتاب مصر
  • Like
التفاعلات: نبيلة غنيم

تعليقات

وكان القلق يجدد الولادة ويبعث من جديد---اهي دوامات الحياة ام عناء القدر ام فقدان الشعور بالامان ؟؟النص حمال اوجه ومنفتح علي منافي الروح والاستسلام للخواف او الشعور بالبؤس لحظة خطواتنا في الحياة او سكينتنا في البيوت
 
أعلى