مريم الأحمد - ممنوع التدخين..

عندما أصبح في الثمانين.. سأتعلم التدخين..
حين.. لا أحد يحتاج قلبي.. لن أخشى عليه من التفحّم..
حين لا أحد يعنيه إذا ارتفع صدري بالهواء أو تراجع..!
حين أفقد أسناني.. لن أخشى عليها من التصبّغ..
حين لا أهتم بلون شفتيّ السوداوين..
و لا المرارة اللاذعة على لساني..
قلتُ لنفسي سأدخن كثيراً.. في الليل و النهار..
مع القهوة و مع الطعام..
في المشفى و في الدوائر الرسمية..
مع المشردين و المتسكعين..
سأدخن.. في الثمانين من عمري.. حين العمر خلفي..
حين لا أحد سيحبني..
حين شفتاي تنسى أسماء أولادي..
وجه أبي..
عيني أمي..
حين سأنسى من أكون.. و إلى أين أذهب..
حين أتوه في الشوارع.. و في يدي ورقة صغيرة.. فيها عنوان بيتي..
عندها سأدخن.. سأسرق السجائر..
من الكولبات.. من المولات..
من أفواه رفاقي الأموات..
و سأعتذر منهم.. فيما بعد..

في يدي سيجارة.. و أنا الآن أحاول اشعالها..
لكن أصابعي لا تمسك الولاعة جيداً..
لا أقدر على قدح النار..
تخشبت روح الأصابع.. و تثلمت رؤوسها..
سقطت السيجارة من فمي الفاغر مثل فم الفزاعات..
شفاهي ترقص.. تهتز..
اللعنة.!
لا رئة عندي تشفط الأنفاس..
لا صدر قوي يعبّ النيكوتين اللذيذ..
هل أمضغ السيجارة؟
هل أعلكها..؟
أبصقها..
دم صدري على المنديل..
دم داكن..
طعمه كطعم الحديد..
ممنوع التدخين في المقبرة..
ممنوع التدخين..
يا سادة..
ممنوع التدخين..!

... مريم......
  • Like
التفاعلات: علي سيف الرعيني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى