عبد الرحيم التدلاوي - " امرأة تقرع باب الله" لمحمد العتروس، قراءة انطباعية سريعة.

وأنت تقرأ مجموعة "امرأة تقرع باب الله" للقاص محمد العتروس، ستشعر بتمازج ماء الواقع بماء الخيال، بفنية واقتدار لخلق الدهشة لدى القارئ، وجعله يستمتع بالمكتوب قصة قصة حتى النهاية.
يتخلق التخييل من رحم الواقع نطفة فعلقة ليكتسح المشهد، لا كليا لكن يستحوذ على المساحة الكبرى تاركا للواقع حيزا صغيرا بمثابة إبرة تخز دبر النهاية والقارئ معا ليستيقظ مفزوعا أو مندهشا مما حدث.
ما يثير الانتباه أن كل نص مسبوق بلوحة فنية تضامه وتسانده، وتزداد حيرتنا، أيهما أسبق في الوجود والتخلق، هل النص القصصي أم اللوحة الفنية؟
وحين نجد بعض المؤشرات التي تغلب سبق اللوحة، ينمو الشك في ما قلناه آنفا. حيث يصير التخييل مولدا لتخييل آخر، والأول وليد واقع سابق منه تخلق، لكن الأمر الذي سيزيدنا حيرة أن تكون اللوحات وليدة نصوص تخييلة سابقة، مما يجعل الكتابة التخييلية بمختلف أنواعها وليدة بعضها البعض، هي أرحام ولادة تنشر نفسها بوسائل متنوعة، لونا وصتا وحرفا وصورة ووو وحيث بقعة الواقع تتوارى خلف ل تلك الأشكال.
وقصص المجموعة يمكن أن تكون منصة لأعمال تخييلية قصصية أو تشكيلية أو مسرحية أو سينمائية...
لقد كان القاص يقرأ اللوحات الفنية بعين الخيال، لا يكررها بل بنفث فيها من روحه الإبداعية مما يجعلها تتميز وهي تتمثل اللوحات، تحضر اللوحات في القصص مما يجعلها نصوصا داخل نصوص؛ فالقصص تحتوي اللوحات، لتصير جزءا منها، لكن لعبة التخييل تشي بأن الاحتواء أمر نسبي، فالتفاعل حيوي، ينطلق من أحدهما ليعود إليه، محملا بجينات جديدة.
القاص؛ وهو يعتمد على هذا التفاعل الحيوي البهيج يمنح القارئ فرصا عديدة، قراءة النصوص واللوحات وقراءة تفاصيل أحدهما في الآخر، وثمرة ذلك التفاعل البناء حيث لا استنساخ بل فورة إبداع خلاق يمنح القارئ فرصة تلمس بصمة القاص الخاصة.
في قصته "أعلا قليلا.." يقسم القاص المشهد، ونصوصه مشاهد بالألوان، قسمين، في السماء وفي الأرض؛ وهو تقسيم ينطبق على التقسيم المذكور سلفا؛ أي الواقع والخيال، ينتهي بصدمة واقعية عنيفة حيث صرخة الطفل المخرجة من جو التخييل إلى مأساة الحياة المادية وقد انقسمت السيارة نصفين.
صحيح أن القصة في حدوثها عادية، تقع أمام أعيننا كل يوم، ونشاهدها بأم أعيننا عيانيا، ونمر عليها متأسفين، ومتألمين، لكن عين القاص ترى غير ما نراه، وتعيد بناءه بما يحقق الدهشة والمتعة والفائدة.
في بعض النصوص تجد القاص قارئا نبها للوحات، يقرأ تفاصيلها بعين المبدع، يضفي عليها من خياله الشيء الكثير، كما في قصة "عتمة"، التي حللها بذكاء وفصلها تفصيلا بطريقة فنية عميقة تدل على امتلاكه أدوات الفن التشكيلي، مما يجعل القارئ يشعر بالانبهار من عين القاص اللاقطة للتفاصيل والجزئيات، ما ظهر منها وما خفي، وتلمس حضوره الإبداعي المميز.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى