سعيد فرحاوي - عبدالقادر وساط في حكاية الموت الحلم والموت الولادة..

السارد الشخصية هو قطب اساسي في قصة قصيرة اعتمد فيها عبدالقادر وساط على عنصر التشويق؛ لان المقدمة لن تجر القارئ الى خاتمة عادية. مابين الحلم و الولادة تبنى الدلالة في مسار سردي غير عادي؛ لان كل مكونات السرد ستؤسس صيرورات تتحرك وفق رؤية شاءها القاص ان تكسر افق انتظارنا؛ وستجعلنا نعيد النظر في كل المحطات السردية التي اعتمدها وهو يتحرك وينمو في انتاج دلالة سردية جد متمظهرة.
في مقدمة بسيطة اعتمدت على خاصية الوصف والتدقيق في سرد الحدث؛ يتحرك الحلم؛ بصفته تجل لانطلاقة نحو مستقبل يسعاه السارد كتطلع و كرغبة؛ وصف يحدد الجزئيات التي يتحرك في محيطها السارد الذي يحكي؛ وفي نفس الوقت ينجز الفعل اويشارك في الحدث؛ مماجعل منه السارد الشخصية؛ رفقة مجموعة من الشخصيات ترافقه؛ شتشكل شخصيات ثانويةعابرة؛ لان دورها لن يتجاوز وظيفة اتمام عدد ركوب الشاحنة؛، بعدها سيسمح لها بالانطلاق نحو المجهول؛،فتنتهي مهمتها. داخل القصة؛ اما الزوجة المحور ستشكل عاملا بنائيا دالا؛ لانها؛كانت سببا في السفر؛ مادام السارد يبحث عن مكان للولادة؛ بعدها مباشرة سيبدا السرد في ولادة كل المحطات المتحركة بخصائص مثيرة؛ كلها مبنية على عدة اعطاب ؛ منها :
ان السائق اعمى.
السائق برجل واحدة يسوف الطاكسي.
هي معطيات ستجعلنا نتلقى خطابا معطوبا يتطور بوظائف تفيد العجز منذ انطلاق السرد؛ ما يزيد من الاعطاب هو نزول السارد في نقطة معينة؛ في طربق مجهول؛، بدون ان ترافقه الزوجه رغم انها هي المعنية في لعبة السفر؛ فسبتحول الموضوع من قصة كانت فيها الزوجة هي سبب السفر الى موضوع آخر سيصبح فيه السارد الشخصية هو لغز الحكاية الجديدة؛، مما سيجعله في موقع جد صعب؛، لانه سيقع ضحية مكان غير مسعف للوصول الى الحلم المنشود؛ مما سيجعل القصة برمتها تتحول مطلقا لتتخد مسارا منكسرا مغايرا عن الرغبة /الحلم؛ لان السارد سيحمل حيا للدفن ؛بعد ان ظن الجميع انه اصبح ميتا وهو مازال على قيد الحياة؛ وعليه بعد خوفه عن الافصاح عن حقيقة وضعه اصبح يخشى ان يقتل فيدفن مرتين.:
الدفن بعد الظن انه ميت.
هنا سيكون الموت افتراضيا.
الموت الثاني:بعد اعلانه انه مازال حيا.
أنئذ سيقتل ويدفن مرة اخرى.
هنا سيموت مرتي:
. موت خاطئ.
وموت معتمد.
هي كلها مؤشرات ستحيلنا في قصة عبدالقادر وساط الى موضوع بحكايتين متداخلتين:
حكاية الحلم: اساسها البحث عن حياة لمولود ينتظر الحياة. وحكاية الولادة التي تنبني على موت بصيغة مزدوجة:
موت مزيف.
موت اخر طبيعي معتمد.
فتصبح القصة عند وساط عبدالقادر تشكل لعبة من البنيات المتداخلة التي تتوالد وتتداخل ؛ فتجعلنا نتلقى خطابا سرديا يربك افق انتظار القارئ الذي يتحرك وفق سرد سيضبب الرؤية ويجعل من كل تطلعاته؛ في صيرورة سردية؛، تبني نفسها وفق تحولات فجائية؛ تخرجنا من الطبيعي الى الغرائبي.

الحلم والولادة
----------------------

اكتملَ العددُ وصرنا ستة ركاب في الطاكسي، أربعة رجال في المقعد الخلفي وامرأتان بجانب السائق، والحَرُّ لا يطاق، ورائحة العرق، وسرعان ما اكتشفنا أن السائق أعمى، وأن ساقه اليسرى ملفوفة في الجبس، لكن لا أحد منا اهتم للأمر.
وها هي السيارة العتيقة تنطلق بسرعة، مخلفة وراءها دخانا كثيفاً أسودَ، عبر طريق ضيقة، مليئة بالحُفَر، وتلتفت إحدى المرأتين نحوي، بوجه شاحب ونظرات متعبة. هي زوجتي، ولكنني لا أقول شيئا وهي أيضا لا تقول شيئا.
ويقف الطاكسي بعد أن قطع مئات الكيلومترات، يقف على جانب الطريق، في خلاء شاسع مديد، ثم يلتفت السائق إلي ويشير بيده، هو الأعمى، إلى البناية الوحيدة في ذلك القفر، ويقول لي بنبرة تنم عن الضجر:
- لقد وصلت إلى وجهتك، يمكنك النزول الآن.
وأنزل وأنتظر أن تنزل زوجتي، لكنها لا تتحرك من مكانها، وإنما تنظر إلي وتكتفي بابتسامة شاحبة، لها طعم الوداع، وينطلق بها الطاكسي مع بقية الركاب، وأبقى وحيدا في ذلك القفر، وأمضي إلى حيث أشار السائق، فإذا بناية متهالكة، تنتصب وحيدة هناك، وليس حولها إلا الوحشة والخلاء، وقد كُتبَ على بابها بصباغة زرقاء مقشرة: "دار الولادة." وأتقدم إلى الداخل، وأنا في حيرة من أمري، فقد كان على زوجتي الحامل أن تنزل من الطاكسي، وأن تأتي معي لتضع مولودها الأول في هذه الدار المتداعية، الآيلة للسقوط. لكن أين القوابل؟ وأين الأطباء؟ بل أين النساء الحوامل؟ وأين صراخ المواليد؟ لاشيء سوى الصمت المريب، وأطوف بالقاعات الأربع، التي تبدو مهجورة منذ زمن بعيد، فلا أجد سوى أسرّة حديدية صدئة، متآكلة، ليس عليها حشايا ولا أغطية.
ثم أمضي إلى غرفة صغيرة مغلقة، وأدفع بابها برفق فأسمع له صريرا، وأرى في الداخل جثة رجل، ينعكس عليها ضوء الشمس الآتي من النافذة، وأنحني لأرى الجثة عن قرب فإذا هي جثتي أنا، دون سواي، وأبتعد خائفا، ثم أسمع ضجة وأصواتَ رجال، فأختبئ في واحدة من القاعات، وأطل بحذر من الباب الموارب، فأرى الرجالَ قد حملوا جثثي على نعش خشبي وخرجوا بها متوجهين، على ما يبدو، إلى المقبرة. وأغادر المخبأ عندئذ وألحق بهم وأمشي في جنازتي مع المشيعين، وكل ما أخشاه هو أن يفتضح أمري وأن يبادروا عندئذ إلى قتلي، وبعدها يدفنونني مرتين!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى