محمود شاهين - (15) عقد نكاح!!

( الفصل الخامس عشر من رواية قصة الخلق)

لم يكن من الصعب التعرف على هوية قاتل شفق، فبصمات أصابعه كانت منطبعة على أكثر من موضع في جسدها .. عدا بصمات لآخر يمكن أن يكون مشاركا في الجريمة. صديق شفق " رائد" افتقدها بعد تخلفها عن موعد، كانا سيبحثان فيه أمر طلب يدها من أبيها السجين، أو من ينوب عنه . وحين سمع من أخبار الصباح على الراديو العثور على جثة فتاة مجهولة قتيلة في اللويبده ، يمكن أن تكون قتلت بدواعي الشرف ، ارتاب في الأمر وسارع إلى شراء الصحف ، ليرى صورها وقد تصدرت الصفحة الأولى فيها .. شرع في البكاء وراح يلطم على رأسه نادبا حظه ... ومن ثم سارع إلى إخبار االقوى الأمنية بهوية الفتاة ، مؤكدا أنها كانت صديقته وأنه كان يريد الزواج منها. وأكد أنه لا يعرف شيئا عن هوية القاتل.

وحين دقق ضابط الأمن في اسم الفتاة، حسب ما أدلى به رائد ، واسم أحد الرجلين الذي دلّت عليه البصمات على الجثة، تبين له أنه أخوها ..

كان تقرير الطبيب الشرعي قد أشار إلى اغتصاب الفتاة قبل ذبحها. لم يشك ضابط الأمن في رائد لأن البصمات دلت على الفاعلين . فلم يوقفه على ذمة التحقيق، وطلب إليه المساعدة في معرفة عنواني القاتلين .

كان شفيق نائما حين طوقت دورية الأمن بيته ، واعتقلته ، فيما كانت دورية أخرى تطوق بيت عقاب وتعتقله .

لم يصمد شفيق أمام التحقيق إلا لبضع دقائق، حاول فيها أن ينكراغتصاب اخته وقتلها، لكن، ما لبث أن انهار أمام بيانات الأمن ، ليعترف بجريمتي الإغتصاب والقتل دون الانتماء إلى " جماعة الدعوة "

عقاب اعترف بالاغتصاب دون القتل، وحاول أن يتهرب من الانتماء إلى جماعة الدعوة ، إلى أن أخبره ضابط الأمن عن المعجزة العجيبة التي أتت بالجثة من وادي الحدادين إلى بيت محمود أبو الجدايل في اللويبدة ، فمن وراء هذه المعجزة إن لم تكن أنت يا عقاب كونك كنت تعرف العنوان من قبل ؟

انهار عقاب واعترف بدوره بالاغتصاب والانتماء إلى جماعة الدعوة دون القتل ، وإن شارك في حمل الفتاة إلى المطبخ ونقلها إلى اللويبدة ووضعها أمام شقة محمود أبو الجدايل .

*****

في زنزانة مزدوجة ذات إنارة قوية في السجن، كان الشيخ أبو شفيق يطرق واجما في حال يرثى لها ، ومخيلته تستحضر إقدامه على غسل دماغ أبو بشير، ليقنعه بالذهاب إلى الجنة، ليحظى بالفاتنات من حور العين ، والحياة الأبدية ، بدلا من هذه الحياة البائسة الفانية. بينما هو في الحقيقة كان يسعى للتخلص منه ليحظى وحده بمضاجعة أم بشير، أكثر مما كان يسعى للتخلص من محمود أبوالجدايل . وها هو يقبع الآن في هذه الزنزانة ذات الإنارة القوية التي لا تتيح له النوم .

كان أبو شفيق على هذه الحال حين فوجئ بباب الزنزانة يفتح ورجل أمن يدفع بابنه شفيق إلى داخلها. صرخ متسائلا :

" شفيق" ؟!

انطرح شفيق على أرض الزنزانة منهكا دون أن يتفوه بكلمه.

أغلق رجل الأمن الزنزانة عليهما وانصرف .

- شفيق هل اتهموك بالانضمام إلى جماعة الدعوة ؟

وبدا أن شفيق يصر على عدم الكلام .

- لماذا لا ترد يا بني ؟

اضطر شفيق إلى الكذب ، فكيف سيقول لأبيه أنه قتل أخته ؟

- أجل يا أبي اتهموني !

- أيه بسيطة ما رايح يثبت عليك شي. كلها كم يوم وبتطلع من السجن .

لكن في صبيحة اليوم التالي جاء رجل أمن ليفرج عن أبو شفيق لمدة 24 ساعة مقابل كفالة مالية ليقوم بدفن ابنته ، فسأله :

- من ماذا ماتت البنت ؟

أجاب رجل الأمن :

- البنت لم تمت ، قتلها أخوها القابع معك في الزنزانه !

- نعم ؟! أنت ؟ يا مصيبتي!

وانهال على رأس ابنه صفعا فيما الآخر يصرخ :

- انتهكت شرفنا يا أبي والله انتهكت شرفنا وكان يجب قتلها.

واضطر أبو شفيق لأول مرة في حياته أن يعلن عدم وجود شرف لديهم :

- شرفنا ؟ وهل بقي لدينا شرف يا ابن الكلب ! الشرف مرمغناه من زمان في التراب والوحل ! إلهي يغضب عليك ..

وهكذا خرج أبو شفيق حزينا كئيبا نادما على حياته كلها .. شيع ابنته مع بعض الأقارب والأصدقاء وعاد إلى زنزانته منتظرا الحكم عليه ، بعد أن ثبت أنه يترأس جماعة صغيرة دعووية . ثبت أن القواد وعقاب وآخر من أعضائها. بينما لم يثبت على معتقلين آخرين أي انتماء، فأفرج عنهم .

*****

محمود أبو الجدايل لبّى طلب لمى بالإقامة في بيتها ولو لبعض الوقت .. استدعاه ضابط الأمن ليبشره بنتائج التحقيق.

- مبروك . لقد ألقينا القبض على بعض أفراد العصابة .

- بعضهم أم كلهم ؟

- في الحقيقة ثمة مسائل غير معروفة . فلم يعترف أحد من المعتقلين أنهم وراء تنفيس دواليب السيارة في سفوح جبال البحر الميت . اعترفوا بمحاولة اغتيالك ووضع الرأس المقطوع وجثة الفتاة أمام بيتك ..

- ماذا يعني ذلك ؟

- هذا يعني انهم يعملون كمجموعات مستقلة عن بعضها ، كل مجموعة تعمل كتنظيم مستقل عن الآخر حتى لا ينكشفون ..

- وهناك من يرسل لي التهديدات والصور على الهاتف أيضا .

- وهذا ما لم يعترف به أحد أيضا .

- ربما ينكرون .

- لكنهم اعترفوا بما هو أخطر من تنفيس دواليب أو ارسال صور لقتلى أو رسائل تهديد . لقد اعترف الشيخ بأنه يرأس مجموعة وأنه هو من دفع أبو بشير لمحاولة اغتيالك ،واعترف القواد بأنه هو من وضع الرأس المقطوع أمام باب بيتك وكان برفقة آخر يدعى عقاب، اعتقلناه أيضا ، وهو شريك في اغتصاب ابنة الشيخ وقتلها.

- وماذا عن ابن الشيخ هل ثبت عليه شيء؟

- لم يثبت أنه ينتمي للعصابة لكنه اعترف باغتصاب شقيقته وقتلها بذريعة الشرف!!

- كم هو فظيع هذا الشرف؟! أصبح مطية لكل أحمق وفاسق ومهووس وما شابه !

- معظم ضحايا الشرف منتهكات من قبل ذويهن . هذا واقع الحال.

- لا بد من قانون يردع الناس عن اقتراف الفعل، باعتباره جريمة قتل يعاقب عليها القانون كذلك، وليس كجريمة شرف تحتمل أقل عقوبة بالسجن لبضعة أشهر.

- أعتقد أنه سيتم قريبا بعد أن كثرت الجرائم.

- وماذا بعد .

- سننتظر الأيام القادمة إن كنت ستتلقى تهديدات أو يحدث أمر ما لك !

- آمل أن يبتعدوا عنا قليلا.. صديقتي تعبت كثيرا من الأمر.

- سمعت انك تقيم معها الآن .

- صحيح.

- ألا تتوجسان من العلاقة؟

- كثيرا وخاصة هي .

- اعتقد أن زواجكما أفضل لك ولها .

- في الحقيقة لا أعرف .. أنا رجل عجوز وهي شابة .

- لكنها تحبك كثيرا كما عرفت !

- تتجسسون علينا !؟

- علاقتكما مكشوفة !

- صحيح . الله يستر!

*****

عاد محمود إلى بيت لمى ليطمئنها باكتشاف العصابة من قبل الأمن ، مخفيا عنها الجانب الغامض في التهديدات وتنفيس الدواليب. سرّها النبأ ، ومع ذلك أصرت على أن يترك ذاك البيت ويظل مقيما معها في شقتها الواسعة التي كانت تحتل طابقا أرضيا كاملا محاطا بحديقة ، في بناية من أربعة طوابق من ضمن أملاكهما هي وأخوها . والأهم من ذلك أنها فاجأت محمود بما لم يتوقعه اطلاقا حين ضمت رأسه إليها وأعلنت أنها ستبوح له بسر عظيم :

- سر عظيم ؟

- أجل حبيبي سر عظيم جدا !

- وكنت تخفينه عنّي ؟

- لا لم أخفه أبدا ، لأنني لم أكن أعرف !

وهنا بات محمود شبه مدرك للسر ، حين هتف :

- لا غير معقول !!

- بل معقول يا حبيبي أنا حامل !

- يا إلهي يا إلهي !

ضم رأس لمى إليه . قبل شعرها وألقى رأسه على رأسها ، فيما انزلقت دمعتان على وجنتيه وشريط سريع من حياته يومض في ذاكرته، معلنا أنه سيعيش الحياة من جديد.

- كل الحق على كهف لوط !

- بل عليّ . عقبت لمى .

- ما الحل؟

- ما تريده أنت !

- وإرادتك ؟

- إرادتي رهنتها لك !

- هل تريدين الطفل ؟

- أفضل ذلك !

- سنتزوج إذن !

وراحت تضم محمود أكثر من قبل وهو يضمها بدوره .

- متى ؟

- في أقرب وقت حتى إذا ما ظهر الحمل يكون مبررا . لا نريد الخروج السافر على قوانين المجتمع.

- إن شئت سأفعل الأمر حالا .

- هيا !

وسارعت إلى الاتصال بأجمل شقيق في الدنيا حسب رأيها:

- مرحبا حبيبي سليم .

- هلا خيتا كيفك ؟

- مشتاق لك حبيبي.

- اؤمريني!

- بدي منك خدمتين !

- وهما ؟

- الاولى أن توافق على زواجي من الاستاذ محمود أبو الجدايل !

- طبعا موافق موافق موافق!

- تسلم لي يا أجمل أخ .

- والثانية؟

- أن تحضر لي مأذونا وشاهدين لكتابة عقد الزواج.

- حالا حبيبتي.

وخلال أقل من ساعة كان سليم يحضر مع مأذون وشاهدين !

لا حظ محمود أن النموذج الذي يحمله المأذون معنون بعقد نكاح ! استاء من العبارة ! سأل المأذون :

- أليس في الامكان استبدال هذه العبارة بعقد زواج .

- نفس الشيء استاذ.

- لكن مفردة نكاح مفردة غير أخلاقية فالناس يتزوجون ليس من أجل النكاح وحده ، بل من أجل رباط مقدس لتشكيل أسرة وبناء حياة .

- المسألة مفهومة ضمنا استاذ !

وهكذا تم العقد .. وأصبح محمود أبو الجدايل ولمى زوجين . واتفقا على أن يقيما حفل زفاف في أقرب وقت . شيء واحد كان محمود أبو الجدايل يتمنى لو يحدث ، وهو أن ينقلب الواقع إلى خيال ويحدث لحمل لمى ، ما حدث لحمل الملكة نور السماء في ملحمة " أديب في الجنة "، بأن حملت وولدت في يوم واحد عن تسعة أشهر، وبلغ ابنها سحب السماوات سن الرشد في ستة أيام !

ضحكت لمى ومحمود يخبرها بذلك . قالت :

- سأكون سعيدة وأنا أرقب نمو ابني في رحمي .. أريد أن أشعر بأمومتي !

- مبروك حبيبتي .. للحمل وللزواج ..

- ألن نقوم بحفل صغير اليوم ؟

- ممكن !

- ليكن حفلا عائليا مع سليم وزوجته !

وهذا ما تم .

****

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى