نزار حسين راشد - العروج إلى الجنة.. قصة قصيرة

التجول في شوارع نيويورك ومراكزها المزدحمة برفقة سيدة محجبة هي قفز في الظلام،ولذا ارتأينا أنا ووداد أن نذهب في رحلة سياحية منظمة،واستفسرنا من استقبال الفندق،فابتهج وبدا البشر على وجهه:كأني كنت أنتظركما قال بمرح!بانضمامكما ستكتمل المجموعة:هناك رحلة إلى متنزه يللو ستون،هل تمانعان في الانضمام؟
تبادلنا النظر أنا ووداد ثم هززنا رؤوسنا بالموافقة!
وهكذا حلقنا لمسافة ثلاثة آلاف كيلومتر في هذه البلاد الشاسعة،مما جعلني أتساءل:ما الذي يجمعها معاً؟
وبالطبع لم أحر جواباً سوى أن الحياة البشرية تبدع روابطها بنفسها،أما دور السياسيين فهو وضع الأطر،ومد الخطوط بين مكوناتها المختلفة!للتكنولوجيا طبعاً دورها، في عالم اليوم ،وسائل الاتصال الالكترونية ووسائط النقل السريع والفعال،الطائرات النفاثة والقطارات السريعة وبالطبع الشركات التجارية الكبرى التي توزع منتجاتها وتخلق شبكة من المنافع مرتبطة بضرورات الحياة اليومية، عدا أن أنها توظف شريحة كبيرة من القوى العاملة التي تعمل بالتزامن في أنشطتها المتعددة كآلة كبيرة عملاقة!هذه هي امريكا إذن :آلة كبيرة عملاقة مترابطة الاجزاء وتعمل بفعاليةوككل مترابط!
ارتحنا كثيراً في المقصورة الخشبية التي آثرنا الإقامة بها،حتى أن رغبتنا تجددت ومارسنا الحب باستمتاع كبير!
البرنامج مرتب بشكل دقيق،رحلة لرؤية الوادي الكبير،سفاري لرؤية الحيوانات والحياة البرّية ،رحلة لرؤية البركان النشط باستمرار ،يوم في الشلالات ويوم في حوض جيزر!
لماذا يستمتع الإنسان في أحضان الطبيعة؟ إنها القداسة الأولى،سر الفطرة،سر الميلاد،كل أسرار الخليقة مجتمعة معا ،وكانها شيفرة العودة إلى الجنة التي تنحلّ رموزها تلقائياً وندلف من ذلك الباب السحري إلى جنتنا الاولى!
حتى الحب يصبح كوة نطلّ منها على عالم الأرواح،سبر للغيب،اكتشاف للحقيقة وراء حجب الغيب،استكناه للأسرار!
اليوم حزم الحقائب استعداداً للمغادرة،شعور غريب وكأنه استعداد للهبوط من الجنة إلى الأرض،والطريف أننا نهبط بالفعل ولكن بالطائرة،هذا الإختراع الإنساني العجيب الذي يأخذك إلى السماء،ثم يعيدك إلى الأرض،وكأن كل مانفعله في حياتنا على الأرض هو محاكاة لما كنا نفعله هناك في جنتنا الاولى،نبني الحدائق والمتنزهات ونجهد في تنسيقها وتجميلها،وكأننا نقيم جنة عدن! لنداري شعور الفقدان الفادح الذي يستحوذ علينا ويشغل أرواحنا، ما بين المهد واللحد!
وكأننا نطارد حلماً نظنه أصبح في المتناول ونحن نواصل انتقالنا من مكانٍ إلى آخر،لنتوقف عند نقطة في نهاية الشوط ونراقبه وهو يسحب خطاه مبتعداً كظل غزال هارب!
..
كانت عودتنا إلى ستوكهلم وكأنها نهاية رحلتتا حول العالم،ولكن قلوبنا معلّقة بالقدس هناك حيث ولد حُبّنا وحيث ولد توماس من جديد وهداه الله إلى طريق النور على حدّ تعبيره.
نتابع الأخبار حية على الشاشات ولا يدركنا اليأس من فداحتها،حتى حين سحقت الدبابة الإسرائيلية عظام راكيل كوري علّق توماس:لقد ذهبت إلى ربها شهيدة،لن يقتلوا أرواحنا ولن يقتلوا الإنسان فينا!
لقد عجزوا عن إقامة مذبحهم على أرض الأقصى،ورغم أنهم هم السلطة المحتلة ،ولكن للكون سيد غير المحتل،هو الله الذي توقفهم يده عن نصب مذبح وثني على الأرض التي يعبد فيها وحده ويسبح باسمه عباده المخلصون عليها ليل نهار،لا يحول بينهم وبين ذكره،لا صفوف الجند ولا عصيّهم ولا قبضاتهم ولا بنادقهم!
لقد جلبوا إلى كرسي الرئاسة معتوهاً اسمه دونالد ترمب فمنحهم صك ملكية ،ومن سفهِهم هم المدعون بالإرث الإلهي،أنهم احتجوا بهذا الصك الورقي ،الصادر عمن لا يملك لا إرثاًولا نسباً،ولاصحفاً مقدسة،ولكنه حبل التاس الذي يتذرّعون به بعد انقطاع حبل الله،لأنهم خانوا رسالته وكذبوا مسيحه وقتلوا رسله،وزعموا ان ذلك قدرهم المقدور!
القدر واقع لا محالة ولكن لكل قدر مقدور موعد،فانتظروا وعد الله فيكم،حين يجرف السيل كل تلك القناطر الرملية التي لا تنفكون تنصبونها في مجراه استباقاً للحظة الفيضان،وحتى ذلك الحين واصلوا هرجكم ومرجكم فسيسرقكم الوقت إلى أن تحين الساعة وتجليها لوقتها يد الله،فانتظروا وإنا معكم من المنتظرين!
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى