د. رمضان الصباغ - النظرية البراجماتية للقيمة ردا على هربرت و. شنايدر

كانت مشكلة القيمة ، كما كتب المستر هربرت و. شنايدر فى مقالته الأخيرة فى هذه المجلة" " فى المرتبة الأولى بخط المعركة ، ولذا كان من المرغوب فيه – فى السنوات الأخيرة – ان تبقى فى سلام لفترة من الزمن " . أنا لست متأكدا بأن هذا لايسرى على الكاتب فى الوقت الحاضر . ومع ذلك فان الرد على مستر " شنايدر" يبدو أمرا مطلوبا منى الى حد ما . لأنه يحدد اسمى مع "المنهج النفسى " ووضعه بين أقواس مع " ميمونج " و "اهرنفيلز" اللذين حتى لو اهتما ، الا أنه ليس بوسعهما الرد فى الوقت الحالى .
الشكر من كل واحد منا واجب للمستر" شنايدر" لمساهمته باتجاه فهم القضايا الكبرى . وشعورى الخاص بالالتزام حقيقى حتى لو كانت ترافقه بعض التحفظات . وأشعر بأننى ملزم بشىء واحد ، بالاحتجاج ضد تعريفه لعملى الخاص حصريا " بالمنهج السيكولوجى " . وانا أقوم بهذا مع قليل من التردد – ومع ذلك – لأنه فى هذه المسألة كان لديه – فيما اعتقد – سوء فهم للآخرين أيضا .
تخضع نظرية Gegenstanndstheorie القيم عند مينونج – على سبيل المثال - بقدر ما لما هو مرغوب فيه كنظرية نفسية . بشكل عام نحن اولئك الذين استخدمنا المنهج السيكولوجى والوضعى وكنا على وعى تام عندما وافقنا على استدعاء المشكلة الاكسيولوجية ، وعلى أى حال فان علم النفس يعنى – تقليص نظرية المعرفة الى فوانين تجريبية . و با لنسبة لى ، تم دحض التوصيف بما فيه الكفاية من خلال كتابى ، مع التركيز على مشكلتين ومنهجين لنظرية القيمة ، ناهيك عن العمل الأخير حيث كانت الدراسة الموضوعية للقيمة بشكل كلى فى صعود .
أذكر هذه الحقائق لأسباب أهمها أن سوء فهم المستر " شنايدر " لهذه النقطة صبغ كل منا قشاته – الى حد ما على الأقل . وهو يضع فى مقابل المنهج السيكولوجى والوضعى ، " المنهج المطلق والمثا لى" كما لو كانا متعارضين بشكل كلى . كل منهج من هذه المناهج يعانى من عدم استخدام التركيب التعبيرى بل يستخدم التداعيات السهلة "للحلقة التجريدية المفرغة " . ولكن هناك "تم التطوير بنهج جديد لنظرية القيمة وهذا يبرهن على حقيقة أن المنهجين الخاصين ب " مونستربيرج " و " اربان " ليسا سوى منهجين متكاملين " . هذا النهج الجديد هو نهج المنطق البرجماتى وعلم النفس الوظيفى – ومن مبدئه الأسا سى – تحليل " وضع القيمة " فى حد ذاته ، وقد توقع – أى" شنايدر" – أشياء عظيمة . وهو برفضه فصل العا لم الداخلى عن العا لم الخارجى بجدار حجرى ،فانه" يضطر الى التعامل مع القناعات الشخصية أو المطلقا ت الأبدية ".
الآن لا اعتقد أن تهمة الحلقة التجريدية المفرغة يمكن اطلاقها بانصاف على أى من هذه المناهج . حتى الآن بما أن المنهج السيكولوجى هو المعنى ، فاننى لا أجد أى عامل من العوامل الثلاثة التى – وفقا للمستر "شنايدر " – تحلل وضع القيمة وتفصح عن ( الموضوع ذى القيمة ، والكائن الحى أو النشاط الذى يعد ذا قيمة ) يعد مستخفا به أو تم تجاهله .

اذا ثبت المنهج السيكولوجى عيونه على وعى القيمة ( الكا ئن الحى والنشاط العضوى المفترض مسبقا ) ، فان هذا يعنى أنه لا يعدو وجود بعض المشكلات التى بالوسع حلها بتلك الطريقة . وبما أن القيمة الاقتصادية وجدت منذ فترة طويلة ، وقد كان تفسير اكتساب القيمة وتحولاتها من جانب الموضوعات مستحيلا بدون تحليل المحددات السيكولوجية للقيمة .
التجريد هنا هو المعنى بلا شك – لكن ليس الحلقة المفرغة – لأن هذا مدرك تما ما – وليس لأحد أن يجعل الاستخدام السليم له يتصور أنه هو كل القيمة . أما بالنسبة لتهمة أن المنهج السيكولوجى يضطر للتعامل فحسب مع القناعات الشخصية ، كيف يكون هذا ممكنا لمن قرأ " اهرنفيلز " أو مناقشاتى الخاصة للقيم الجماعية ، والقيم الفردية المفرطة ؟ .
من جهة اخرى ، يعد من الصعب بالنسبة لى أن ارى كيفية تطبيق تهمة الحلقة التجريدية المفرغة على المنهج التكاملى . فليس من الضرورى اهمال الوضع الكلى وفصل الداخلى عن الخارجى بجدار حجرى أو التعامل مع المطلقات الأبدية فحسب . اذا كانت العين على مطلقات القيمة فى البداية ، كما جاءت اتها ما ت المستر " شنايدر " ، فيجب على الباحث أن تكون عينه فى مكان ما اذا حصل على مكان ما تقريبا .
اذا وجد القيم المطلقة ، فمن المؤكد أن هذا ليس لأن منهجه يجبره على التعامل معها فقط – أى القيم المطلقة – ولكن بسبب أنه وجدها – هكذا يمكن القول – متضمنة فى الوضع الكلى . انا لست مهتما بالدفاع بشكل خاص عن استنتاجات " مونستربيرج " والذى تم التعرف على منهجه من قبل المستر " شناي ر " حصريا . أنا لا أنكر الرؤية التخطيطية المحددة والتجريد المحدد ، على اعتبار أننى اشرت فيما سبق فى نقد فلسفته عن القيمة فى هذه المجلة .الا أننى مهتم بالدفاع عن منهج عام .
كان هناك التركيز المفرط على الموضوعات ذات القيمة فى بعض الاحيان ، ولكن يمكن القول بأن هناك " اهمال رغبات واهتمامات الانسان " فى حين أن معنى هذه الاهتمامات واتساقها المنهجى قد بحث فى كل مكان ، على نحو صائب أحيانا وبشكل خاطىء احيانا أخرى ، وهل رئى ، أنه ليست هناك – فى الواقع – اهتمامات فردية مفرطة ، وأى قيم فردية مفرطة ، بل هذه هى وحدها التى تعطى اهتمامات الفرد معنى وصلاحية ؟ . تهمة التحليل الخاطىء ممكنة ، لكنها ليست بالتأكيد نتيجة لتجاهل الواقع .
لقد وجدت نفسى فى حرج بعض الشىء عند الرد على المستر " شنايدر" . للقيام بذلك على نحو ملائم يبدو أنه يعنى – من جانبه – ليس معرفة ناقصة فقط عمن يدرسهم من الكتا ب ، بل فهم مشكلات القيمة الذى يتخلى عن المستوى المطلوب . كان هذا الاحراج الكبير يزداد عندما أحاول التعليق على الجانب الايجابى فى مقاته التى احتفل فيها بانتصا رات المنهج الجديد ، التى يعتقد بأنها ذات مغزى وبعيدة المدى .
رغم انتقاده للمنهج السيكولوجى ، فانه يعترف بأنها – اى نظرية القيمة القائمة على هذا المنهج – " باعتبارها نظرية علمية للخير للانسان ، فانها ذات قيمة علمية وأهمية اجتماعية " ،" انها تخدم قضية التقدم " . ومن ثم يبدو أنه من غير المواتى اننى اشعر بالالتزام بالسؤال فحسب " اين يمكن العثور على مساهمات المنهج الجديد هذه . لقد حصلت – على سبيل المثال – على كثير من الحوافز واقتراح من المستر " شنايدر " وغيره من البراجماتيين . ولكن المنهج الذى يبطل احدى النتائج العلمية المعترف بصدقها ، يجب ان يظهر اوراق اعتماد أخرى .
اتضح أن المستر " شنايدر " يرى هذه المساهمات فى المستقبل بشكل أساسى . وكان لديه الكثير مما يقال حول مايجب علينا تعلمه عندما ندرس القيم " فى المنزل " فى وضع محدد ، لتحقيق مكاسب فى االتقدم الاجتماعى عندما نلتقى بعيدا عن الرؤية المطلقة للاخلاق ونظرية القيمة . ولكن العيش فى المستقبل عمل هين ، والمنهج الواعد يبدو مستخدما بنجاح فى الاصلاح الاجتماعى والتعليم ، ولا يعمل بشكل جيد فى العلم والفلسفة .

بالتأ كيدالمح مستر " شنايدر " بشق الانفس الى أن مساهمة ما أسماه علم النفس الوظيفى . فى الدراسة العلمية للقيم . وفى الواقع – قدم اتهاما بان الدراسة التجريبية للتقويم وحكم القيمة – حتى الآن – قد أفسدت الى حد كبير باهمال الحالة الخاصة من خلال محاولة العثور على " الأشياء التى تسر أو التى لاتسر " ، والمرضية وغير المرضية ، والمحببة وغير المحببة ، بشكل عام .
" التقويم الحقيقى – كما قلنا – لا يتم أبدا بشكل عام " . لكننا لم نقل بأى قوانين عامة للتقويم نتجت من دراسة الحالة الخاصة . ربما لأنه – كما أميل الى الاعتقاد – من طبيعة الحالة لا شىء يمكن استخلاصه منها . لاتتم التقويمات - فى الواقع – بشكل عام ، الا اذا اريد ان يكون للتقويمات علما ويجب أن يدرس بشكل عام . على أى حال ، لدينا وعدا عوضا عن الانجاز فى هذا الاتجاه .
مع ذلك – فى اتجاه آخر – من التصور أن تقدم مساهمات أخرى فى البحث .قد يجعل المنطق البراجماتى تفكيرنا واضحا واكثر تماسكا فى بحث المشكلات الأساسية لنظرية القيمة . هذا هو ادعاء المستر " شنايدر " فى الواقع . الجزء الجيد من مقالته قد كرس لاظهار كيفية حل المشكلات العويصة للتعريف واتصنيف " للذاتية والموضوعية " بكل سهولة من خلال سحر" الموقف الكلى " .
هنا حرجى يزداد باطراد فيحد من صمتى . كل ما نطالب به هو هذه المسائل الأساسية ، ومطالب البراجماتيين تدرس باعتبارها باقية " فى المنزل " فى وضع خاص ، ومتواضعة بحيث – فى المقارنة – يبدو البعض منا مدانا وفى حاجة ماسة الى أن يكون مدققا ، على أقل تقدير .
كذلك الاعتقاد بأنه لكى نؤمن فوائد هذه المساهمات ، يجب علينا استبدال المنطق " بالمنطق البراجماتى" ، وتقديم حاجز لا يمكن اجتيازه تقريبا . من منا لايقدم هذه التضحيات بكل سرور حتى الآن اذا كان من شأنها أن تمكننا من تأمين توكيد المستر " شنايدر " على أنه لا توجد مشكلات ؟ .
على سبيل المثال ، يوجد لديه تعريف بسيط للقيمة على أنها "صفة للموضوع التى بموجبها يصبح الموضوع وسيلة لتحقيق غاية " . اذا استطاع امرء ما قبول هذا ، فسوف تنتهى – فى الواقع – كل الضوضاء حول السؤال ما اذا كانت القيمة صفة أو علاقة ، او ما اذا كان من الممكن تعريفها بشكل نهائى على الاطلاق . فقد وضع نهاية لها بكل تأ كيد . ولكن سوف ينتهى على وجه التحديد الى النقطة التى تبدأ منها مشكلات نظرية القيمة بالنسبة لمعظمنا . وسوف يضطرنا الى قبول هذه النتا ئج المستحيلة على أنها أشياء موجودة وهى وحدها القيم ، وأن هذه " الغايات لن يتم الحديث عنها باعتبارها قيما على الاطلاق " .
مرة أخرى بدأ الخلاف حول "ذاتية وموضوعية " القيم . وهذا أمر ينتهى بالقول : " بالطبع القيم الانسانية ذات صلة بالرغبة الانسانية ، لكن هذا ليس سببا لازدرائها على انها مجرد ذاتية . بالطبع القيم الانسا نية موضوعية سواء فى ذلك كانت قيما للموضوعات أو كانت مسيطرة وموجهة لعوامل الخبرة الانسا نية ، لكن لماذا يجب أن تكون قيما ، وبالتالى ، فان الصفة الابدية لموضوعات معينة مستقلة عن علاقة هذه الموضوعات بالمواقف العملية ؟ " . بالطبع ، هذه مشاعر لا يرقى اليها الشك . بمعنى اننى شاركتها بنفسى ، لكن – وكما أشرت فى مكان آخر – بدلا من حل المشكلة تكتفى بذكرها .
يجب أن أسمح لما قلته فى مكان آخر أن يكون هنا باعتبار تضخيمى لهذه النقطة . لتكراره هنا يتطلب مساحة لا يحق لى طلبها . موضوعى الوحيد هو اقتراح أن السبب فى ذلك هو ان العديد منا يخشون ان تكون المسعدة الحاصلة فى هذا الاتجاه قليلة أيضا . مع ذلك – أتمنى فى الختام ، أن ألفت الانتباه الى نقطة واحدة تعد فى رايى التنافر الاسا سى فى نظرية القيمة البراجماتية الذى وصل الى ذروته ، وقد كانت فى مناقشة القضية الاساسية " للقيمة والوجود " عندما يقول البراجماتى – فى الغالب – فى نفس الوقت – الوجود هو القيمة واأن لقيمة موجودة ، هو لم يكن فقط هنا – كما فى أماكن أخرى - يتحرك ذهابا وايابا فى دائرة سحرية من ( الموقف الخاص ) ، والذى يجد نفسه فيه فى أسى مطبق . هذا هو الذى يتيح رفع التناقض فى النظرية البراجماتية لحكم القيمة ، الامر الذى يجعل الحكم العملى – على حد ساء – ابداعيا ومعرفيا .
هذا هو أيضا اذا- جاز لى الابتعاد عن وجهة نظرى للحظة واحدة – ما يشكل "عدم استقرار للبراجماتية " مما يجعلها الآن طبيعية وواقعية ، ومرة اخرى ذاتية ومثالية . لقد قال البراجماتيون – حقا – مرارا وتكرارا أن مثل هذه الامور لاتزعجهم . ربما تكون المسأ لة مسأ لة ذوق . ولكن اذا كان الأمر كذلك فانهم سيكونون كاثوليكيين بما فيه الكفاية لافساح المجال فى موكبهم الفلسفى لمن منا لهم رغبات منطقية أخرى .
لا يمكن ان يساعد الشعور بأن عقم وعدم تماسك البراجماتية فى المجال النظرى يرتبط ارتباطا وثيقا بعجز مماثل فى مجال الممارسة . فى المسائل العملية ، التى لا أود أن أشير اليها لولا أن المستر " شنايدر " يقدم مناشدته المستمرة بأن الفلسفة تحدد القيمة باعتبارها وسيلة لغا ية ، ويصر على أن الغايات لم يتم الحديث عنها كقيم على الاطلاق ، ولديه – على سبيل المثال – نتيجة طبيعية فى نظرية التعليم أننا فى الأساس لانعرف القيم الأصيلة ، وهذا الموقف تجاه الأ زمة الحالية فى السيا سة الوطنية والعالمية ، الذى يتمثل فى اللجوء الى الانتهازية الاجرائية كلية .
اذا كان يوجد فى صفوفها تذمر ، وحديث عن" أفول الاصنام " ، أليس هذا ربما يكون لمجرد بعض نقاط الضعف الكامنة فى نظريتها – أى البراجماتية – للقيمة التى تطفو الآن على السطح ؟ وهل هم لم يكونوا السبب بالضبط فى هذا الهوس " بالحالة الخاصة " ؟ . لذا بشكل خطير على مقربة من العبودية للحظة العابرة ؟ . الخوف من التجريد قد يكون بداية الحكمة ، الا أن جزءا من الحكمة ايضا حدوث هذا الخوف . الحالة الخاصة بمثابة نقطة جيدة للبدء الا أنها قاتلة ، عمليا ونظريا ، كى تظل متماسكة . ماله صلة باللحظة العابرة له قيمة ، ولكن هناك ايضا الحالات النظرية والعملية – على حد سواء – حيث أنها ليست ذات صلة بحزم بالحق والواجب معا .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى