مصطفى نصر - المخرجون والسينما..

من الأشياء التي اعتز بها وأفخر إنني كنت في بداية شبابي، أختار الأفلام المصرية من أجل مخرجيها، بينما رفاقي يختارونها من أجل الممثلين أبطالها، يذهبون للسينما من أجل فاتن حمامة وشادية وكمال الشناوي وفريد شوقي وإسماعيل ياسين.
كنت اعرف بدايات كل مخرجي السينما، فصلاح أبو سيف بدأ بعمل المونتاج لعدد من الأفلام قبل اتجاهه للإخراج. أول فيلم أخرجه هو دايما في قلبي عام 1946 بطولة عقيلة راتب وعماد حمدي ومحمود المليجي وزوزو نبيل ودولت أبيض.
وعمل كمال الشيخ في بداية حياته في المونتاج، وأول أفلامه كمخرج فيلم المنزل رقم 13 عام1952 لفاتن حمامة وعماد حمدي ومحمود المليجي.
وأعرف أن يوسف شاهين سافر إلى أمريكا – بعد إتمام دراسته الثانوية - وحصل على ماجستير في الدراما والإخراج السينمائي، وكان أول أفلامه بابا أمين عام 1950، بطولة فاتن حمامة وحسين رياض وماري منيب وكمال الشناوي. لكن في رأيي بدايته الحقيقية التي فرضت طريقته الجديدة في الإخراج بدأت مع فيلمه الثاني ابن النيل عام 1951، بطولة فاتن حمامة وشكري سرحان ويحيي شاهين ومحمود المليجي.
وهنري بركات بدأ تاريخه الفني بإخراج فيلم الشريد عام 1942. بطولة آسيا داغر وحسين رياض وزكي رستم وأمينة نور الدين. أما توفيق صالح – ابن مدينتي الإسكندرية – فقد سافر في منحة دراسية إلى باريس، فاكتسب خبرة عملية، حيث عمل في استديوهاتها كمساعد مخرج في الفترة من 1950 حتى 1953. وكان أول أفلامه درب المهابيل عام 1955. فيلم من تأليف نجيب محفوظ، عبقرية من توفيق صالح في تصوير الحارة الشعبية،
وقد أعجبت بفيلم امرأة في الطريق لعز الدين ذو الفقار، فهو يجنح نحو واقعية صلاح أبو سيف وأن أحتفظ عز الدين ذو الفقار فيه برومانسيته العجيبة والمريضة أيضا، فلواحظ ( هدى سلطان ) تتزوج شكري سرحان حبا في أخيه صابر الذي رفض أن يتزوجها، ويحب فتاة بدوية ( آمال فريد ) ، وشكري سرحان يحب زوجته لواحظ حبا عجيبا، يعرف بمدى سيطرة أخوه عليها، فيستغل هذا لكي يمنعها من أن تتركه. وتظل لواحظ تحب صابر كل هذا الحب المجنون حتى وهو يخنقها ويقتلها في آخر الفيلم، المشاهد التي صورها عز الدين في بحيرة ميروط في مدخل الطريق الصحراوي أغرت كثير من مخرجي السينما بعده، لكي يصوروا أفلامهنم في هذه المناطق. . والأهم عندي أن هذا الفيبلم ابتعد عن رومانسية عز الدين ذو الفقار التي لا أستطيع احتمالها في بين الأطلال ونهر الحب وأني راحلة.
وأعجبت بفيلم قنديل أم هاشم لكمال عطية عام 1968، واعجب بأفلام عاطف سالم: حعلوني مجرما وإحنا التلامذة وصراع في النيل وأم العروسة ويوم من عمري.
واعجب بأفلام فطين عبد الوهاب الكوميدية، خاصة مراتي مدير عام وإشاعة حب وآه من حواء – الأفلام التي تعتمد على كوميديا الموقف وأبطالها ليسوا من ممثلي الكوميديا.
وقتها كان الفيلم منتسب للمخرج، هو الذي ينقل إلينا فكره وطريقة تفكيره، فاعرف – قبل مشاهدة الفيلم – إن أفلام كمال الشيخ تعتمد على الإثارة والتشويق، مثل حياة أو موت وملاك وشيطان ولن أعترف والليلة الأخيرة وغروب وشروق. وإن عاطف سالم خير من يتحكم في الأطفال، لديه قدرة عجيبة في استخراج قدراتهم ومواهبهم، وموهوب في التعمق في أسرار الأسرة المصرية، خاصة عندما يلتقي مع فكر عبد الحميد جودة السحار في أم العروسة والحفيد.
وابتعد هؤلاء العمالقة، ماتوا وجاء جيل جديد من المخرجين، بعضهم رائع وموهوب مثل حسين كمال وعاطف الطيب ومحمد خان وداود عبد السيد، لكن تغير الحال وأصبح البطل - رجل كان أو امرأة - هو المهيمن على الفيلم وليس المخرج، فعندما يكون البطل هو عادل إمام فليس هناك فرق بين مخرج وآخر، لأن ما ستراه في الفيلم هو عقل وتفكير عادل إمام.
وعندما يكون البطل هو محمد سعد، فلن تجد سوى فكر ورؤية محمد سعد، والآن أصبح محمد رمضان نجما مشهورا، فتنازل الكل على حقه من أجل إظهار قدراته ومواهبه، وإلا لن يستعين بهم في أفلامه القادمة.
في الماضي كان المخرج هو الذي يختار ممثلي فيلمه، ( وهذا مهم جدا، ويمثل نصف النجاح تقريبا) لكن في الآونة الأخيرة الإختيار يكون أولا لبطل الفيلم – رجل كان أو امرأة – فعادل إمام يقترح اسماء الممثلين والممثلات، وحتى لو تحمس المخرج لممثل أو ممثلة، لابد أن يأخذ رأي بطل فيلمه، وكثيرا ما يرفض البطل، فلا يجد المخرج سوى أن يصمت ويطيع.
وترافق نادية الجندي المخرج – أو المخرجة – عند اختيار كل ممثلي فيلمها، والذي ترى وزنه زائد عن الحاجة تطلب منه أن يأتي لناديها لكي يؤدي بعض التمرينات الرياضية ليخس.
وعند الاستعداد لتصوير مسلسل ضمير أبلة حكمت، جلست المخرجة أنعام محمد علي، مع بطلة المسلسل - فاتن حمامة - في فندق سيسل بالإسكندرية لإختيار ممثلي وممثلات مسلسلها التلفزيوني..
وزادت هذه الحالة سوءا في الفترة الأخيرة، فنما دور البطل أو البطلة، وسيطر حتى على دور المؤلف، يعني لا مخرج ولا مؤلف، فشركة الإنتاج تتفق مع البطل أو البطلة – ثم يقوم البطل باختيار المؤلف الذي يرتاح له، ولو اختلف معه يختار غيره. فعادل إمام يختار ابنه مخرجا، ويحيي الفخراني يختار ابنه مخرجا، والإثنان يتحكمان في كل شيء، في المؤلف وفي الممثلين وفي المخرج أيضا.
وأزمة البطل أو البطلة تجدها بوضوح في المسرح، فكل الممثلين يتباروا لخدمة البطل، ويسمحون له بأن يفعل أفعالا – أحيانا لا يصح أن تحدث – كأن يصفع ممثلة على قفاها، أو يكثر من تقبيل ممثلة معروفة ولها تاريخ طويل في التمثيل، وإذا خرج النجم عن النص، يضحكوا غصبا عنهم مجاملة له وإلا غضب منهم وطردهم وجاء بممثلين غيرهم، وبالطبع سيحاول الجميع أن يظهروا قدراته، فالكل يسعى لاظهار خفة دمه، ويعطونه مساحة أكبر – أحيانا دون مبرر وعلى حساب فكر وقيمة المسرحية.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى