عبدالجبار العلمي - عن الحجر الصحي.. حوار أجرته: الصحافية الأديبة زبيدة الخواتري حول الحجر الصحي :

حوار أجرته معي مشكورة ،الصحافية الأديبة زبيدة الخواتري حول الحجر الصحي:

> سؤال 1 : كأديب ، كيف تقرأ من زاويتك كيفية تعامل الدولة والمجتمع مع الجائحة والأزمة.
>> ج. 1 : مما لاحظه الناس عموما سواء العامة أو النخبة المثقفة ، أن الدولة قامت بدور استباقي للحد ما أمكن من ظهور الإصابات بهذا الفيروس الخطير الغريب المجهول الهوية ، وذلك بعد أن تبدى لها بالملموس أن جيرانها في الضفة الأخرى من الدول الأكثر تقدماً ، تكنولوجياً وتوفراً على المختبرات المختصة والوسائل الصحية، عجزت عن مقاومته ، حيث حصد ـ كما هو معلوم ـ الآلاف من الأرواح ، وأصاب مئات الآلاف من البشر . وما زالت في صراع معه بعد أكثر من ثلاثة أشهر ، واقعةً بين مطرقته المميتة ، وسندان أزمة اقتصادية واجتماعية قاسية ، عطلت جل أنشطة الحياة في المجتمع ، وينتظر أن تستمر هذه الجائحة لعدة شهور حسب الخبراء . ورغم حشد خلايا الأزمة في مختلف المجالات الاقتصادية والصحية والاجتماعية والمالية ، والجهود المبذولة من لدن الدولة لتخفيف الأزمة على المحتاجين من العجزة ومنعدمي الدخل بتدابير عدة ، فإن الأمر كان فوق الاحتمال.
والحقيقة أن العملية الاستباقية للدولة المغربية ، بناء على ما عاينته عن كثب لدى دول أوروبا ، خاصة إيطاليا وإسبانيا والبرتغال ، بل حتى لدى بعض الدول ( العظمى ) كأمريكا نفسها، كان لها دور إيجابي، فيمكن أن نصف الحصيلة من الموتى والمصابين جراء الجائحة بالهينة بالقياس إلى البلدان التي تمت الإشارة إليها أعلاه. لكن الحجر الصحي الذي فرضته الدولة، وتعطيل نشاط العديد من القطاعات إما جزئياً أو كلياً، كان له أثره السلبي على فئات عريضة من المجتمع، لاسيما الفئات الهشة ، وهي النسبة الأعلى في نسيج المجتمع المغربي. ومن الجدير بالذكر أن الدولة حاولت إيجاد حل للفئة الموقوفة عن العمل المنخرطة في صندوق الضمان الاجتماعي ، وذلك بصرف قدر شهري كحل آني ريثما ينفرج الوضع ، وتعود الحياة إلى نشاطها العادي بعد زوال الجائحة.

> سؤال 2 : هناك من استغل فترة الحجر الصحي في المطالعة والكتابة ، فكيف قضيت الفترة؟
>> ج. 2 : هل من اللائق هنا أن أقول : « إنَّ كلَّ نقمةٍ في طيِّها نِعْمَة » ؟ الحقيقة أن الحجر الصحي كان فرصة لنفض الغبار عن بعض الكتب التي لم تكن ظروف الحياة العادية تسمح بتصفحها وقراءتها، خاصة المكتبة العربية والنقدية القديمة التي أتوفر عليها في خزانتي المتواضعة ، فقررت أن أقرأ في كل مصدر من هذه المكتبة المتنوعة بعض الصفحات هنا وهناك ، كأنني في نزهة أتجول في حدائق غناء. فقرأت صفحات من أجزاء الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني الذي يعتبر من أغنى الموسوعات الأدبية القديمة كما كان يصفها أستاذنا الدكتور أمجد الطرابلسي رحمه الله ؛ وقٍرأت صفحات من هنا وهناك من " خزانة الأدب" للبغدادي الزاخرة بالنحو والإعراب والشعر والأمثال العربية ، وقرأت أيضاً صفحات من كتاب "الحيوان" الذي يجمع بين المعارف الكثيرة والأدب من شعر وأخبار وخطب ونوادر.. كما قرأت أبواباً من كتاب الموشح للمرزباني الذي نجد فيه نقدا دقيقاً للعلماء بالشعر للشعراء .
أما في الشعر فوضعت برنامجاً حاولت أن أجمع فيه بين القديم والحديث والمعاصر ، ففي الشعر القديم ، اطلعت على كتاب الحماسة لأبي تمام بتحقيق المرزوقي وقرأت بعض القصائد الجميلة في هذه المختارات الشعرية الذائعة الصيت ، وتصفحت كتاب " شرح القصائد السبع الطوال.. " لابن القاسم الأنباري .. وفي الشعر الحديث اشتقت للموسيقى الشعرية في ديوان الشوقيات لشوقي ، وقرأت بعض قصائد علي محمود طه في ديوانه " الملاح التائه " وبعض قصائد إبراهيم ناجي في ديوانه " ليالي القاهرة " ومن ضمنها " الأطلال " التي تشدو بأبيات مختارة منها أم كلثوم . أما في الشعر المعاصر فقرأت ديوان الفروسية للمجاطي من جديد ، وبعض قصائد ديوانَيْ الشاعر صلاح عبدالصبور : " الناس في بلادي " و " أحلام الفارس القديم " ، وديوان " البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" لأمل دنقل . ولم يكن الأمر كافياً خلال هذه النزهة اليومية التي تنتقل بك بين الأزمنة وتتصل فيها بشخصيات وجلساء من طينة رفيعة المستوى ، فالإنسان من طبعه تقلب المزاج ، وقلة الصبر وسرعة السأم والضجر ، فكان علي أن أبحث عن وسائل تسلية أخرى كمشاهدة الأفلام العربية التي أعشقها ، فوضعت برنامجاً للمشاهدة بعد أن أفرغ من القراءة أو الكتابة على الحاسوب ، وهكذا شاهدت سلسلة أفلام لفاتن حمامة أذكر منها هنا على سبيل المثال لا الحصر : " طريق الأمل " ـ " لا وقت للحب " ـ "الباب المفتوح " ـ " ارحم دموعي " ...ثم اخترت من كتاب قيم بعنوان " كلاسيكيات الرواية المصرية " للناقد علي أبوشادي أفلاماً لم يسبق لي مشاهدتها منها على سبيل المثال : " بابا أمين " وهو أول فيلم للمخرج المصري المعروف يوسف شاهين.
أما الموسيقى ، فلم تخرج من برنامج الحجر الصحي القسري ، وهل ثمة ما يريح النفس ويرتفع بها إلى عوالم الروح والجمال إلا الموسيقى والغناء والطرب الأصيل؟
كان الحجر يمتد عندي إلى 15 يوماً كاملة ، لا أخرج من البيت إلا بعد انقضائها، وذلك للتبضع وشراء الضروريات. ثم أعود سريعاً لشعوري بالاختناق بسبب الكمامة الواقية التي لم نعتد على لباسها.

> سؤال 3 : بعض الأزمات والمعاناة تولد الإبداع . فهل منحتك كورونا فسحة للإبداع وإخراج عمل أدبي ؟
>> ج. 3 : حقاً إن المعاناة تولد الإبداع ، فقد كانت الأعمال الأدبية الجيدة المؤثرة عالمياً وعربياً ثمرة معاناة أصحابها وخوضهم التجارب القاسية المريرة ، نذكر منها تمثيلاً لا حصراً : دون كيشوت لسيرفانتيس ، وأعمال دوستويفسكي أو أعمال هيمينجواي ـ تلك الرائحة لصنع الله إبراهيم ـ كان وأخواتها لعبدالقادر الشاوي... بالنسبة إلي كانت جائحة كورونا دافعاً لي للتفكير في جمع مادة كتاب حول الشعر بعنوان " الخطاب الشعري العربي المعاصر " بعثته للطبع في إحدى دور النشر المصرية التي وافقت، رغم ظروف الحجر، على طبعه ، فكورونا على الأبواب ، فلا أقل من ترك أعمال يذكرنا بها الأجيال الآتية سواء ورقياً أو إليكترونياً.
بخصوص الإبداع كتبت قصيدتين من وحي أيام كورونا :
الأولى : حنين إلى ذكريات عزيزة بالديار الإسبانية أهديتها إلى الصديق الشاعر محمد الشيخي الذي أعرف شغفه بالديار الإسبانية وخاصة مدينة غرناطة ..
الثانية : كتبتها بعد أن عبر لي بعض الأصدقاء والصديقات عن برمهم بهذا الحجر أو الحجز الذي لم يعودوا يطيقونه بعد أن طالت مدته ، فحاولت أن أقهر كورونا بالإبداع
( الشعر ) ، وأجعلها هي المحجورة المحجوزة لا الإنسان ..
القصيدة الأولى :
أين مني مجلس أنت به ؟
أَينَ مِنِّي مَجْلِسٌ أَنْتَ بِهِ؟
تَحتَ أَشْجَارِ « نَرنخوسَ » *
وَمَمْشَى الْبَحْرِ أَيْنَا ؟
هَلْ تُرَى نَرْجِعُ يَوْماً
نَحْتَسِي قَهْوَتَنَا تَحتَ ظِلالِ اليَاسَمِينِ؟
في انْتِظَارِ الشَّاعِرِ الْعاَشِقِ يَأْتِي
مُنْشِداً « أضحى تنائيهِ بديلاً من تدانيهْ »
هّارِباً مِنْ حَاسِديهِ
حَارِمِيهِ طِيبَ لُقْيَا عَاشِقِيهِ
أَيْنَ مِنَّا مَجْلِسُ الْعِشْقِ مَعَهْ ؟
بَعْدَ أَنْ حَلَّ صَبَاحُ الْبَيْنِ يُجْرِي أَدْمُعَهْ
هَلْ نُوَاسِيهِ، صَدِيقِي؟
أَمْ كِلاَنَا يَعْشَقُ الْحُسْنَ وَيَهْفُو لِلْوِصَالْ؟
لا يُؤَاسِيهِ سِوَى طِيبِ اللِّقَاء ْ
في الْبَسَاتِينِ الظَّلِيلَةْ
حَيْثُ « تَعْتَلُّ النَّسَائِمْ »
لاِعْتِلاَلِهْ
أَيْنَ مِنَّا مَجْلِسٌ نَحْنُ بهِ
بِـ«نَرَنْخُوسَ » بِمَارْبِيَّا الْوَدِيعَهْ؟
في انْتِظَارِ الشَّاعِرِ الْعَاشِقِ لُورْكَا
لِقَضَاءِ الأُمْسِيَةْ
نَحْتَسِي قَهْوَتَنَا تَحتَ ظِلالِ الْيَاسَمِينْ
وَنُغَنِّي أُغْنِيَاتِ الْعَاشِقِينْ
في : 2 ماي 2020
*حديقة بوسط مدينة « ماربيا » مليئة بأشجار النارنج التي ينبت فيها زهر الياسمين خاصة في فصل الربيع. يجلس الناس فيها للنزهة في المساء تحت أشجارها وأفيائها. وتسمى بالإسبانية : « LOS NARANJOS »
القصيدة الثانية :
دَعْوَةٌ لِلأمَل
في " نَرَنْخُوسَ " كُورونا ؟؟؟
اطْمَئِنِّي يـَاصَديقَة
إِنَّ فيروسَ كُورُونا
غائِبٌ في حَجْره الصّحِي بَعيداً
عَنْ عَبيرِ اليَاسَمينْ
وَخَريرِ المَاءِ يَجْري في الْحَدائِقْ
إِنَّه المَحْجُورُ ، لاَ الإِنْسانُ مَنْ يَبْنِي الْحَيَاةْ
يَكْرَه ُالقبح َويَهْفُو للجَمالْ
يقهرُ المَوتَ ويَسْمو للْكَمالْ

18 ماي 2020 .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى