زكريا الشيخ أحمد - جثةٌ تبحثُ عنْ وظيفةٍ

كنْتُ عاجزاً عنِ الإلتفاتِ ،
كانوا يدوسونَ فوقي بأحذيتهم ،
أحياناً كانوا يبصقونَ عليَّ و يتركونَ فوقي قذاراتِهم .
كانَ منَ المستحيلِ تحملُ ذلكَ التعبِ و الذلِ .
قررْتُ ذاتَ يومٍ مواجهتَم و نهضْتُ ،
إلا أني لم أستطعِ الإستمرارَ
فتركْتُ مكاني و خرجْتُ مجروحاً ، مكسوراً .
أُضطررْتُ للعيشِ في قبو معتمٍ .
في القبو المعتمِ بدأتُ الرسمَ
ريثما أعثرُ على وظيفةٍ ،
إلا أني أكتشفْتُ حينَ قالَ لي أحدُ الجيرانِ
أنَّ كلَّ لوحاتيَّ باللونِ الأحمرِ
بأني رسامٌ مصابٌ بعمى الألوانِ .
اساساً كنْتُ أحلمُ بالعملِ كناطحةِ سحابٍ ،
إلا أنَّ كومةً كبيرةً منَ الرمادِ
قالَتْ لي و هي تذرفُ دموعاً مؤلمةً ،
إياكَ أنْ تحاولَ ذلك أو تحاولَ حتى أن تكون بناءً أرضياً
كي لا تؤولَ بكَ الحالُ لرمادِ مثلي ،
إخرجْ منْ هنا ، إذهبْ إلى أيِّ مكانٍ و لا تعدْ أبداً .
في مرحلةِ المراهقةِ عملْتُ كمشروبٍ كحوليٍّ ،
اشتكى الزبائنُ منْ أنّي سرعانِ ما أعيدُ لهم وعيهم مضاعفاً ، بُعيدَ إستعارتِهِ منهم لعدةِ ثوانٍ
فتمَّ طردي .
قالَ لي أحدُهم أنَّ عليَّ أنْ أتوبَ و أُكَفِرَ عنْ ذنبي
فقدمْتُ كلَّ الأوراقِ المطلوبةِ ليتمَّ توظيفي كماءِ زمزمٍ .
بعدَ أنْ تمَّ قبولي بثوانٍ معدودةٍ
إشترى أحدُ رجالِ الدينِ كميةً مني و كسرني سراً بمشروبٍ كحوليٍّ .
لمْ أتحملْ سوءَ إستخدامي
فتركْتُ العملَ و إتجهْتُ بما تبقى مني نحو محطةِ المدينةِ ،
هناكَ تمَّ تعييني كجرسٍ ،
لكنَ الموظفَ المسؤولَ عنْ تعليقي
كانَ مهموماً فعلقَني بشكلٍّ سيءٍ في مكانٍ سيءٍ .
بعدَ منتصفِ الليلِ سقطْتُ على الرصيفِ
فإنزعجَ المشردونَ الذينَ كانوا في المحطةِ منْ رنينِ إرتطاميَّ بالرصيفِ و ظلوا يركلونَني حتى الصباحِ .
منذُ ذلكَ الوقتِ و أنا عبثاً أحاولُ إيجادَ وظيفةٍ .
أينما إتجهْتُ يقولونَ لي نحنُ لا نوظفُ جثثاً .
لا بأسَ أيها السادةُ
أنْ يكونَ المرءُ جثةً
أفصلُ بكثيرٍ منْ أنْ يكونَ رصيفاً .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى