ابو يوسف طه - الأعشى

شد الشيخ اللجام بقوة فوقف البغل الذي يجرالعربة المليئة بسيقان البطيخ الأصفر المجني لتخزينه ككلإ لأغنامه العحفاء في هذا الصيف القائظ الذي تخلو الأرض فيه بفعل الجفاف الماحق من أي نبات
جاهد بعد أن حياني لرفع جفنيه العلويين للتمكن من رؤيتي بوضوح ، وسأل وهو يشير بسبابة متصلبة كقطعة خشب :
- أنت صاحب تلك الضيعة
أجبت
ـ نعم ، ولي نسب مع آيت المهدي
قال :
لعنهم الله ، لقد شهدوا زورا ضدي ، رغم أنهم لايعرفون حتى أين أسكن
بادرته :
أليست ضيعتك بها دكان لدبغ جلود الخرفان ، وبها أشجار الزيتون ؟
ـ هي بالذات
أضاف :
ــ لقد كان ابني يشغل الدكان ، ولأنه دائم الخصام مع زوجته طردته
صمت الرجل الذي تحول لون جلده إلى البني نتيجة تعرضه لأشعة الشمس طوال النهار ، وأضاف ، وقد زايله الكدر وبدا منشرحا :
ـ لقد تخلصت من أمه أيضا بطفليها ، وأنا الآن هانىء البال
سألته مستغربا :
ـ ألا تشعر بالقنوط والملل وأنت تعيش وحيدا في هذا الخلاء ؟
أرسل ضحكة قطعها سعال حاد وقال :
ـ إنني منشغل بالعناية بالأغنام وببقرتين ، وأقضي ثلاثة أيام في الفيلاج في منزلي هناك ، لقد بعت جزءا من الأرض وبنيته ، منزل جيد بثلاث طبقات
قلت له :
ـ وما جدوى أن تذهب للإقامة فيه وحيدا لامؤنس لك ، وأنت في هذه السن ؟
ابتسم ثم فتح فمه الأدرد بابتهاج ، وقال :
إن زوجتي هناك ، إنها من زاكورة ، في الرابعة والعشرين من عمرها ، لاأعود إلى الضيعة إلا بعد أن أزودها بالمؤونة الكافية ، وأغلق عليها أبواب الطبقة و السطح والباب الخارجي ، فلاتفتح إلا حين عودتي
بعد إنهاء كلامه حفز البغل على السير ، وربما كان مرتاحا مزهوا ينتصر على وهن الشيخوخة ببطولة زائفة .
لم يمر شهر كامل ، وأثناء مروري إلى منزلي القروي ، رأيت سيارات ، وجمعا من الناس داخل سور ضيعة الشيخ ، لقد توفي إثر دهسه من طرف سائق شاحنة متهور ، وربما كان من اللازم أن يترك بعضا من أثره

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى