صبيحة شبر - الإبداع النسوي والإبداع الرجولي

اختلفت آراء الباحثين ونقاد الأدب ، حول تسمية الأدب بالنظر إلى جنس مبدعه ، وتضاربت وجهات النظر حول هذا المفهوم تضاربا كبيرا ،، بعض الباحثين برى انه مادامت هناك فروق حياتية ونفسية ، تأتي نتيجتها اختلافات سلوكية بين الجنسين ،، في عالمنا الذي كثيرا ما يطلق عليه لفظة ( المتخلف ) وان المرأة ، وأشد من الرجل بكثير ،، مازالت تعاني من التهميش ، ومن الحرمان من العديد من الحقوق التي يحظى بها أخوها الرجل ،، فانه من الطبيعي ان تكون هناك اختلافات في وجهة النظر حول مسألة معينة ،، والتي يتخذها كلا الجنسين في أمر من الأمور ،، فإذا ما كان الموقف واحدا ،، في القضايا السياسية والدينية والفلسفية ، قد اتخذه رجل وامرأة معا ، لأنهما ينطلقان من نفس البيئة ، ويتأثران معا وبنفس الدرجة من التأثر ، بما يحدث فيها من أحداث ، فانه لابد من وجود اختلافات في وجهات النظر نابعة من كون العلاقات الاجتماعية والمؤثرات السلوكية ، التي يخضع لها الاثنان ، ليست بنفس الدرجة ، وبعين المقدار من التأثير ، كما إن القضايا العاطفية لابد ان يكون فيها اختلافات كبيرة ، في وجهات النظر بين رجل وامرأة ،، كانت نشأتهما واحدة ، وخضعا لنفس التأثيرات ، لان المسائل العاطفية ، وخاصة الحب بين الجنسين ، تكون أقوى على المرأة مما هي عليه بالنسبة للرجل ، نظرا لازدواج المعايير في هذه القضية ، التي تعتبر من القضايا الحادة في مجتمعاتنا العربية ، والتي تميز بين الجنسين تمييزا كبيرا وليس مبررا ، فهل ان النظرة الى الحب تتساوى بين الجنسين ؟ وفي حالتي النجاح والإخفاق ، كي ننتظر منهما ان يتناولا،، الموضوع الواحد بوجهة نظر يتفق عليها الاثنان ؟؟ هل إن الموقف من هذه العاطفة السامية هو واحد لدى الجميع ؟ ،، رغم وجود بون شاسع في الاستجابة لهذه العاطفة الجميلة لدى الجنسين ، حتى لو كانا شقيقين تمتعا بنفس الظروف ، ونالا عين الثقافة ، وعرفا الأصدقاء أنفسهم ،،ألا تكون المرأة في عالمنا ،، محرومة من التصريح عن عواطفها الجياشة ، وسرعة الاستجابة لنداء الحب ؟، رغم مظاهر التحضر التي تتمتع بها الأسرة أحيانا ، ودعاوى المساواة التي يكررها الرجال على مسامعنا كل لحظة من اللحظات ،، وان افترضنا ان الجنسين تمتعا بنفس الظروف ، وهذه الحالة استثناء ، ألا تكون المرأة،، في عالمنا الممتد من المحيط إلى الخليج ، وفي بلداننا المتحفظة ،، أكثر رهافة ورقة من أخيها الرجل ، واشد حرصا على دوام العلاقة ونجاحها ،، ولا أقول اشد أخلاصا ، وهل يمكن أن تتشابه العواطف بين أبناء الجنس الواحد كما تتشابه الأفكار ؟ وهل يتشابه الرجال المبدعون في طريقة تناولهم للأمور ؟؟ وما هي الأفكار التي يمنحونها اهتمامهم الكبير ؟ وما هي العواطف التي تسيطر على نصوصهم الأدبية ؟ فان كان الأدب تعبيرا عن النفس وخلجاتها ، وعن موقف الإنسان المبدع تجاه القضايا التي تزخر بها الحياة ، سعيدها وشقيها ، وما يعانيه من صرا عات ، وما يجتازه من مشاق ، وذلك الشريط المتواصل من النجاحات والإخفاقات ؟ الم يقولوا ان الأسلوب هو الرجل ؟ وان لكل كاتب أسلوبه الذي يعرف به ، والذي لايمكن ان ينأى عنه ؟؟الم يكتب النقاد إن لطه حسين أسلوبا يختلف تمام الاختلاف عن أسلوب العقاد ،، وأسلوب الرافعي ،، وكلهم أصدقاء عاشوا في نفس الفترة ، وعين الظروف المعيشة ، وربما نفس البيئة ونفس شروط الحياة ،، ولكن لماذا يحرص البعض على الرأي القائل بوجود فروق بين إبداع المرأة وإبداع الرجل ؟؟ وان تلك الفروق من الشدة والاتساع ،، بحيث يمكن ان نطلق على النوع ،، الذي تكتبه النساء أدب نسائي ،، أليس في ذلك الادعاء بعض الاتهام المبطن ، ان أدب المرأة يتميز ببعض الضعف إذا ما قورن بالأدب الذي يبدعه الرجال ؟؟الم يقولوا في علم الاجتماع إن البيئة تصنع الإنسان ، وان مجموعة من العوامل تؤثر في الأشخاص سلبا وإيجابا ، وتجعل من ذوي الموهبة والإصرار ،، مبدعين ماهرين في مجال معين ، أو تميت ملكة الإبداع وهي في المهد ،، عند أناس آخرين لا يتميزون بمواصلة النضال ، او مداومة الإصرار للبلوغ إلى الهدف ، او تقضي عليه وهو مازال جنينا ،، بحاجة الى الرعاية والاهتمام ، فإذا أخذنا مبدعين يعيشان في نفس البيئة ،، فما هي الحقوق التي يتمتع بها الرجل في بيئتنا المتخلفة وتحرم منها المرأة ؟؟ وما هي الالتزامات والواجبات ،، التي تسأل عنها النساء ويعفى منها الرجال ، وتستوي في ذلك كل البيئات ،، سواء تلك التي تنظر باستصغار إلى جنس النساء ،، مهما أبدعن من ألوان ،، او تلك التي تعتني بالنساء عناية كبيرة ، لهوان شأنهن ، وتقدم للمرأة كل ما تريد ، بدون أي جهد ، فتنشأ ( الشخصة ) ضعيفة تتكل على غيرها ، لاتحسن شيئا ، تنتظر من الآخرين ان يقوموا بأعمالها...
كيف يمكن أن ننظر إلى الإبداع ،، الذي تكتبه مخلوقة لا تتقن شيئا ،، ولم تعش الحياة بجمالها ومرارتها ، ولم تجرب الدنيا بمتناقضاتها ، واقتصرت خبرتها على ما قرأته في الكتب ؟؟
بدر شاكر السياب ونازك الملائكة شاعران مبدعان ، من شعراء التجديد في الحركة الشعرية العربية ، ورائدان لقصيدة التفعيلة ، إذا ما أجريت الموازنة بينهما ،، اتفق النقاد أن بدرا أكثر شاعرية ، وشعره أجمل بكثير من شعر نازك ، لماذا ؟ هل لان بدرا رجل ، عرف كيف يحيا هذه الحياة المتصارعة ، وكان متقلبا متبدل الأهواء ،، فأتى لنا بقصائد رائعة ، تستحق الإعجاب الشديد ، ولان نازك امرأة ، عاشت في بيئة محافظة ، تحاسب الفتاة على كل حركة ، وكل التفاتة ،،وتحرم عليها الابتسام والسهر والخروج إلا بعد استشارة الأهل ، خوفا من كلام مجتمع لا يرحم ،، يتكلم به دائما الجميع عن سلوك معين يجب على النساء إتباعه دون مناقشة قد تفسر بما لا يتناسب مع السمعة العريقة ومكارم الأخلاق ... ولكن هل يجب أن يعيش الأديب التجربة كي يبدع في كتابتها ؟ ألم يكتب الشاعر علي محمود طه أروع القصائد الشعرية في فتح بلاد الأندلس؟ ، فوصف حملة طارق بن زياد وصفا كاملا ، وكأنه كان شاهدا على الحدث ، هنا يحيلنا التساؤل إلى التجربة الأدبية ، هل تعني هذه التجربة ان يعيشها الأديب كي يكتب عنها ؟ ألم يبدع الأدباء والفنانون أروع آيات الأدب والفن ، وهم لم يعيشوا الحدث ، بل قرؤوا عنه وانفعلوا به ، لقد كتب العديد عن القضية الفلسطينية أجمل القصص وأروع القصائد ، وأبدع الفنانون لوحات تتميز بعظمة الفن وبهجة الابداع ، وهم لم يعيشوا مع حراب الأعداء ، هنا التجربة قد تعني القراءة والسماع ، والإعجاب بما نقرأ او نسمع ، فلماذا تحجم المرأة عن التعبير عن بعض القضايا بحرية ، كما يستطيع الرجل ، مما يجعل إبداعها أقل توهجا وجمالا ؟ ألانها لاتمتلك تلك الحرية التي تدفعها للتعبير عما تراه هي ، وليس ما يجده أولياء الأمور مناسبا كي تكتب النساء عنه.
هل يوجد فروق بين كتابة المرأة والرجل ، في قضايا النضال والدفاع عن الوطن وتعرية الجوانب السلبية في المجتمع ؟ وهل يمكن لأحد ان يذكر مجالات التباين في الفنون الأدبية ، التي تطرق اليها المبدعون قديما وحديثا مثل الوصف والرثاء والهجاء والفخر ، وان كانت المرأة اقل مبالغة من أخيها الرجل في الفنون ا التي تتطلب المبالغة في الذم او المدح ، هذا بالنسبة الى إبداع الماضي ، أما في زمننا الحاضر ، فان المرأة استطاعت بنضالها الطويل ، أن تحصل على بعض الحقوق التي تمنحها حرية أوسع ، للتعبير عن همومها الذاتية ، وفي عين الوقت ، تمتلك الحرية الكاملة عند التعبير عن قضايا المجتمع والإنسان والوطن ، ولم تعد المبدعة ميالة الى سجن نفسها ، للتعبير عماا يهمها هي فقط كذات ، وإنما أصبحت المرأة تواقة الى النضال من اجل مجتمع أفضل ، بعيد عن الاستغلال والظلم والتهميش ، ولدينا العديد من النساء اللواتي جمعن بين هموم النضال ، من أجل سعادة الشعب وتقدمه ، وبين هموم التعبير عما يعاني الإنسان المعاصر ،من مظالم تسلبه حقه في التمتع بجمال الحياة ومباهجها المتعددة.
• لدينا العديد من المبدعات ، ولكن سرعان ما تنطفيء جذوة الإبداع لدى النساء ، وتهاجم المرأة أنها اقل مستوى من الرجل ، ويتناسى أؤلئك المتهمون ان المبدع مهما كان جنسه ، بحاجة إلى المؤازرة والتشجيع ، وان الرجل المبدع يجد ضالته هذه بين الأصدقاء ، اما المرأة المبدعة فتحرم غالبا من موقف مشجع ، ينظر الى ما تكتبه بعين الإنصاف ، وعالمنا العربي في الحقيقة يعاني من أزمة في النقد ، تضاف الى العديد من الأزمات ، فبعض المتصدين لهذه المهمة بعيدون كل البعد ، عن النقد البناء الذي يبين مناطق الإخفاق ، كما يوضح نواحي النجاح ، نلاحظ ان أغلب النقاد في عالمنا العربي المكلوم ، يفتقرون الى الموضوعية ، يتهمون المرأة بأنها لا تتقن الكتابة في الأجناس الأدبية الا الخواطر ، فكثيرا ما نجد قصصا قصيرة يشهد الجميع بجمالها يكتب بعض المسمين أنفسهم نقادا أنها خواطر ، لا لسبب وجيه مقنع ، وإنما لأن امرأة معينة من كتبت ذلك النص ، والبعض الآخر يتهم الكاتبة ، أنها عاشت التجربة التي تتحدث عنها ، وهذا يجعل العديد من الكاتبات ، يحجمن عن التحدث عن قضايا عديدة من الواجب الكتابة عنها ، وذلك خوفا على السمعة التي يتهددها هؤلاء النقاد ، العالم الأوربي والأمريكي ،، حيث النساء قد عشن حياتهن ،، كما ينبغي لهن ، لا توجد تلك الفروق بين أبداع امرأة وإبداع رجل ،، والى ان يتم القضاء ،، على هذا التهميش ،، وذلك الحرمان من الحقوق ،، الذي تعاني منه النساء ، في منطقتنا الموبوءة بكل أنواع الحرمان ، سوف تزول تلك الفروق بين ما تكتبه المرأة بعواطفها المتوهجة ، وأفكارها الجميلة وبين ما يكتبه الرجل ، فان الاثنين يناضلان معا من اجل ان يبلغا في إبداعهما أعلى سماء


صبيحة شبر




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى