ابو يوسف طه - حكاية ـــــــــ قرباش

لا يُعرف لقرباش أصل إلا أنه من قرية قرب ورزازات ، جاء إلى مراكش فاستهوته فعمل منظفا في حمام العرصة ، خصه مالكُه بمكان للنوم ، عالمه محدود ، إذا كان له فائض من وقت ، يغادر الحمام نحوباب دكالة ، مارا بدرب سيدي مسعود فبوطويل ، ليخرج إلى فضاء رحيب مليء بالنخيل ، تحيط به تلال رمادية ، وأفران الجير الذي تتعالى أدخنتها ، ويسمع نباح الكلاب من المجزرة القريبة ، والقرع القوي لجرس مدرسة الأخوات ، كما يعلو صراخ الأطفال العابثين داخل الساقية العباسية المارة بجانب السور ، بينما النباشون يقلبون بمخاطيفهم الأزبال في مزبلة مجاورة ، وبعض الأطفال والشبان يلعبون الكرة . يكون قرباش صافي المزاج وهو يدور مستمتعا بما يراه ، بعيدا عن جو الحمام الحامي ، ومشاق كشط الأجساد ، وأهم مكان يطيب له فيه الجلوس طويلا ، حلقة هوارة ، وحلقة قشبال وزروال ، وفي المساء يعود إلى الحمام بعد شراء طعام عشائه من دكان المٓرٌٓاق
مايثير الإنتباه في قرباش نظرته الداعية ، وكأنه يرجو منك شيئا ، ومشيته المتخلعة ، فاتجه ظني إلى أن سبب مشيه على ذلك النحو يرجع إلى ساقيه المعقوفتين ، كما أن تردده على فندق حٓمٌٓان يبعث على الشك في إمكان كونه بائع كيف ، حيث تُشْهٓرُ ، وخاصة بعد المغرب ، غلايين المدخنين من النزلاء ، وهم يتسامرون ويقهقهون إلى الهزيع الأخير من الليل ، وخاصة أن الفندق مأوى الآفاقيين ، والبدويين الذين اعتادوا الوفادة بدوابهن المحملة بالخرشف واللفت والجزر والنعناع لبيعها لأهل مدينة مراكش
آخر عهد قرباش بالحمام يوم ضبطه مالكُُه منبطحا على بطنه ومغطى بجسم زبون
لم يعدم الرجل الأسمر ، القصير ، ذو الملامح المضطربة التكوين حيلة في أن يجد عملا ، ولم يكن قداعتبر ماحدث له ذا شأن ، فقد اشتغل متعهدا بتنظيف مرحاض لايبعد إلا قليلا عن الحمام ، وكانت فرصة فريدة في أن يمارس المجانسة باطمئنان ، ودون مشاكل ، وبمقابل زهيد إذ النكحة بخمسين. فرنكا ، وهو سعر أعلى من عشرين فرنكا التي تتقاضاها " الشريفة " التي تتمدد ، ليلا ، على ظهرها تحت شجرة الجوز الضخمة قرب البلدية ، تاركة الأطفال يلمسون بأكفهم الصغيرة تضاريس جسدها بينما ينشغل أحدهم دون مراس في محاولة متعثرة للإيلاج ، فتبدو ككلبة ترضع جراءها

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى