نزار حسين راشد - مشروع الأوروبيا

"مشروع الأوروبيا الذي قدمه المفكر أسامة عكنان: قراءة نقدية" ثقافة
يقيم عكنان مشروعه على فرضية تقسيم العالم إلى ثنائية الحضارية والرسالية، ثم يبني اساس هذا التقسيم على ركائز الموقع والجغرافيا ثم التوبوغرافيا ثم الديمغرافيا التي تحمل بصمات هذه الخصوصية المكانية والتي يسميها عكنان السيكلو غرافيا مدمجاً كل روافدها معاً تحت هذا المسمى.
وهو يربط مشروعه هذا بالرسالات السماوية بدءاً بالإبراهيمية.ويجعل نزول الرسالات في الجزيرة العربية خطة إلهية ويقيمها شاهداً على صحة ما ذهب إليه،على اعتبار ان الجزيرة العربية لم تكن ابداً موضع ولا منطلق حضارة مادية بشرية بارزة ،فاختارها الله سبحانه لهذا السبب لتكون مشروعاً رسالياً مقابل المشروع الحضاري!
ونحن نفصل الرد على الاستاذ عكنان كما يلي:
أولا :سيدنا ابراهيم عليه السلام بابلي جاء من قلب الحضارة الكلدانية ثم انتقل إلى فلسطين قلب الحضارة أيضاً ثم إلى مصر قلب الحضارة أيضاً فهو ينتمي حسب تقسيمة عكنان إلى عالم الحضارات وليس الرسالات.فهو وافد على الجزيرة العربية وليس ابنا لتوبوغرافيتها ولا ديمغرافيتها حسب تصنيف عكنان.
ثانياً:عكنان حائر بين أن تكون الرسالات تنزيلاً كما سلم ضمنيا بذلك.ثم انقلب على نفسه واعتبرها ضمنيا أيضامنتجا توبوغرافيا ديمغرافيا و سيكلو غرافيا دون ان يرسم خطاً واضحاً في طرحه بين هذين الفهمين! فإذا كانت تنزيلا إلهيا فلا يعود للخصوصية المكانية والمواصفات الديمغرافية أية قيمة ولكنه سلسلها تسلسلاً حتمياً وربط حلقاتها معاً بدون أي تسويغ علمي: توبوغرافيا أو سيكلوغرافيا تنتج ديمغرافيا وهذه تنتج بدورها رسالية وليس حضارية.
ثم كيف تكون الرساليات نقيضا للحضاريات إذا كان هدف مشروعه الأوروبيا هو إنقاذ الحضارة الإنسانية؟
ثم إنه اتهم مشروع الأوراكيا والأوراسيا اللتين نسبهما إلى سامؤيل هنتنجتون والكسندر دو غين بالسقوط ثم استند إلى نفس فرضياتهما وهي التمايز الجغرافي والذي يشمل ضمنيا التوبوغرافيا وما سماه السيكلوغرافيا والتي اعتبرها إضافة من عنده وفي الحقيقة هي مجرد تبديل للتسمية.
ثم إن جعل الإنسان بخصائصه وإمكانياته الخلقية التي حباه بها الله مجرد منتج مكاني هي مهاترة فكرية يريد أن يجعل منها نظرية شاملة في حين أنها لا تصلح كأرضية لمشروع حضاري تناولته الفلسفات والاديان على امتداد التاريخ البشري فكيف يمكن اختصاره هكذا ؟
الحديث عن الخطة الإلهية هو تفريط في حق الله ومساس بجنبه سبحانه، والذي يتناقض مع إقرار عكنان بالإيمان بالله ورسالاته بل جعلها هي الاساس لمشروعه الحضاري ورؤيته ،والحقيقة أن الله سبحانه أحاط بكل شيء علما أما التخطيط فهو نشاط بشري يترتب على نقص هذه الإحاطة فهي استقراء مبني على معطيات متاحة فكيف يمكن نسبتها للعلم الازلي بما كان وما سيكون.
ثم كيف يمكن لمشروع يخاطب الإنسان بالمطلق أن يجعل التفاضل بين اليشر قائما على اختلاف المكان والجغرافيا والتوبوغرافيا؟تماما كما جعله آخرون قائما على العرق او اللون.والله سبحانه وتعالى يقول:يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم.
فإسقاط معايير التمييز بين البشر باستثناء معيار التقوى يسحب الركيزة الإيمانية من تحت مشروع عكنان وينزع عنه هذا الإنتساب.
اعتقد ان هذا المشروع متهافت وغاية في السذاجة وهو عبارة عن شطحة في ذهن صاحبها.وهي فقط تدلل على حيرة فكرية تتراوح بين شك ويقين وإنكار وإقرار،او بين تسليم بالدين كمنزل إلهي او التماس تفسير مادي له ينزع إلى الأنثروبولوجية ويجنح بعيدا حتى عن مفاهيم الفلسفة والفكر والمعرفة الإنسانية في أطرها العقلية ونماذجها التجريدية.
اما موضع إنزال الرسالة فهو مرهون بعلم الله بالأصلح وبما سيكون . فهي مشيئته وليس خطته ومع ذلك فهي في الوقت نفسه امتحان وتكليف للإنسان ولذا نزعها من أيدي اليهود بعد تقصيرهم وقال فيهم:مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارها،ونقلها إلى إيدي العرب ليس تعديلا على خطته ولكن لعلمه بما سيكون ورَهَنَها إيضا بالإخلاص في حملها وقد أثبتوا كفاءتهم وضحوا ونشروا الرسالة بجدارة.إما استعادة دورهم التاريخي الرسالي فهو بإحياء الالتزام بهذه الرسالة التي هي عقيدة وإعادة وضعها في موضعها كمشروع حضاري إنساني فالرسالي وهو بالضرورة حضاري وإنساني يتجاوز الزمان والمكان ولا يرتهن لتوبوغرافيا ولا جبل ولا واد ولا ديمغرافيا وها أنت ترى أن قرن الشيطان وهو الحرب على الرسالة ومصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبت في نفس موضع نزولها جزيرة العرب ولو كان معيار التوبوغرافيا والديمغرافيا ثابتا كما زعم المشروع لحدث العكس فحين تنقطع الاستمرارية فهذا نقض للنظرية ويبقى التكليف قائما والجدارة مرهونة بالخيار الانساني وليس بالموقع والمكان.
ولعله من الجدير بالتنويه ان مشروع الاوراسيا هو مشروع سياسي روسي نظر له حتى الوزير البرتغالي السابق برونو ماسياس.وهو محاولة من روسيا لإعادة ربط دول المحيط السوفياتي التي انفرط عقدها،بالدولة الروسية وإبقاءها تدور في فلكها ضمن مفهوم المركز والاطراف وقد عقد مؤتمر لها في كازاخستان حضرته كل من السعودية والإمارات فهو مشروع سياسي وليس حضارياً،ولا تتوفر اهلية فكرية لتصنيفه هكذا لمجرد أن الكسندر دوغين وضعه ضمن إطار نظري!

نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى