أبو يوسف طه - حكاية ــــــــــ الجمل الأسود

لُقب أحمد ولد سْعيد بالخُزٌْ، وهو صغير الأرنب ، لضآلة جسمه ، وكان أكثر أهل القرية بؤسا وشظف عيش ، له من فاظمة الفطواكية بنتان وأربعة أبناء ، وكان عليه أن يجهد نفسه ليضمن مايعيل به أسرته بعمل أي خدمة تيسرت له ،وهو بهذا الوضع الزري لم يكن له شأن ، فلا يُستدعى لولائم أو أعراس أو ماتعقده " الجماعة " من اجتماعات لفض مايشجر من خلافات . وماعدا ذلك فهو فكه ، عفيف اللسان واليد ، مستسلم لقدره ، وحينما يزور مدينة مراكش يسدل على جسده جلبابا ممزقا رثا ويتحول إلى متسول يصيب بعض المال يسعفه لسد ثغرة فاقته المزمنة بشراء سكر وشاي وزيت ولحم تقدده الفطواكية ، لكن أهم مايحيطه بالعناية هو الحصان الذي ورثه عن والده المتوفى منذ سنوات ثلاث . هذا الحصان الأدهم الذي جعل الله في ناصيته الخير والبركة
ففي ليلة ليلاء هاجمت قبيلة أولاد ادليم قبيلة الرحامنة ، فعاثوا فيهم فسادا ، سُرقت الإبلُ والمواشي والأغنام ، وأحرقت البيادر . أشرقت الشمس على أعداد من القتلى والجرحى ، فزع النساء والأطفال ، وقد حعلت المفاجأةُ
الناس لا يدرون مايفعلون ، فانطوت قلوبهم على غيظ متأجج ، لكنهم كانوا يتداولون الأمر في ما بينهم فعقدوا العزم على أن يفاجئوا أعداءهم بتدفق كالسيل العرم ، وذلك ماكان ، إذ سيٌٓروا جمعهم ليلا محاذين النهر ، وكان لهم أن غنموا أضعاف مافقدوا ، كانوا يسوقون غنائمهم عائدين ، وخلفهم فرسان يغطون انسحابهم
بدا الخز ممتطيا حصانه يقفوه جملُُ أسود ، وحينما دخل إلى منزله تبعه الجمل ، وُزعت الغنائم حسب الإستحقاق ، لكن مايثير الإنتباه هو التحسن الطاريء على وضع الرجل ، فلاأحد استطاع التكهن أوحدس سبب ذلك ، انتظم أحمد ولد سعيد في سلك القبيلة ، وأصبح ذا حظوة ، وكان يعزو الحظ السعيد للجمل الأسود المبارك ، فقد جاء معه الخير ، والحق أن الرجل سلك طريقا آخر أثناء الرجوع من الغارة وقد أظهر حنكة واقتدارا، وبقدر ما أصبح مهابا ، أصاب الحظ السيء حصانه ، فخلال معركة أخرى أبدى الرجل مهارة مذهلة ، فكان يميل عن ظهر الفرس ، ويسدد ، من تحت عنقه ، نحو نحور أحصنة قبيلة أولاد ادليم فيصيبها في مقتل ، ويُروى أن أمر قتله أصبح وشيكا من دون شك ، لكن كبيرا من مناجزيهم صرفهم عن ذلك ، ربما لأمر آت في طي الغيب فالذي يحدث في هذه الربوع أشبه بدهم العواصف وتقلبات الأمواج ، فاكتفوا بالتصويب إلى رأس الحصان الذي هوى أرضا ، نهض الخز وخلع سرج حصانه ووضعه على كتفه ثم انسحب ، فلا أحد فكر في أن يُلْحٍقٓ الرجلٓ بحصانه كما لو أن الشجاعة موجبة للعصمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
. مجموعة " العروبيات "
فهرس
1 ـ العطار وأصحابه
2 ـ قرباش
3 ـ الأعشى
4 ـ زينة النساء
5 ـ الجمل الأسود
6 ـ الأب جبريل ( با جبراين )
7 ـ زاينة وحمادي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى