تواتيت نصرالدين - التضحية

لكل بداية نهاية لكنّ نهايته معها لم تكن ككل النهايات . فبداية علاقته معها كان لها طقوس رائعة لإعلان ميلاد حبه الذي بدأ يكبر شيئا فشيئا في ملكوت الأنس والبهاء والكلمةالجميلة منذ لقائهما الأول ذات مساء بعد الانتهاء من القاء أمسيته الشعرية التي ألهبت القاعة
بقصائده الرائعة. لكنه لم يكن يدرك أن صدفة اللقاء ستجمعة مع شابة في الثلاثين ربيعا من العمر كانت من بين الحاضرين..
تقدمت منه بعد أن نزل من منصة القاعة وتصفيقات الجمهور تحيي حضوره القوي . قدمت له مذكرتها الخاصة ليدون عليها شيئا للذكرى ..أمسك القلم وخط ماراق له من عبارات لكنها لم تكتفي بما دونه من عبارات . لقد طلبت منه رقم هاتفه لمكالمته من أجل إبداء رأيه في نصوصها لأنها مشروع كاتبة يلوح في الأفق كما قالت له .. وفي ليلة من الليالي وبينما هو منهمك في ملء وتحضير وثائق السفر لزبائنه بغرفته . يرن هاتفه ودون أن أن يعلم هوية المتصل في ساعة متأخرة من الليل يفتح هاتفه على صوت أنثويّ رخيم ..يسألها عن هويتها ومن تكون فتخبره بكل التفاصيل كما تخبره بما لديها من نصوص وتستدرجه في الحديث لسماع آخر روائعها التي أبهرته وهزت مشاعره .. لقد طلبت منه أن يكون مرجعا لها لتقييم إبداعها الأدبي .يوافق على طلبها ويحدد معها لقاء بمكتبه في إحدى كبريات شوارع المدينة الذي كتبت على واجهته ( وكالة السياحة والسفر ) . لقد كان يعمل وسيطا مع مؤسسات سياحية عالمية لها صمعتها ومكانتها في عالم السياحة والأسفار ..وفي صبيحة الغد يتوجه كعادته إلى مكتبه ..يدخلالمكتب ..يطلب من سكريتيرته أن تحضر له بعض السجلات والملفات لمراجعتها . وما هي إلى لحظات تطرق باب المكتب فتأذن لها السكريتيرة بالدخول..تسلم عليها و وتطلب منها بأن تخبره بحضورها . تدخل السكريتيرة إلى مكتبه وتخبره بوجود آنسة تود مقابلته فيأذن لها بالدخول ..لقد كانت في قمة الأناقة والجمال ..يتذكرها على التو ..يرحب بها ..يطلب منهاالجلوس . تجلس على الكرسي المقابل له يبادرها الحديث : لقد كنت رائعة في قصيدتك ..تشكره على مدحه لها وتقدم له أعمالها الإبداعية التي أحضرتها معها ..
تصفحها ..قرأ بعضا منها ثم استفاضا في الحديث عن الإبداع والمبدعين والثقافة والفنون . وبعد أن ودعته على أمل اللقاء .أخذ معه أعمالها إلى البيت . وبعد تناول وجبة الغداء مع أفراد العائلة . دخل غرفته وانكب على مراجعة أعمالها الإبداعية ..لقد شدته الكثير من النصوص التي نالت إعجابه وذائقته...وفي لقائهما الموالي قدم لها أعمالها مبديا اعجابه الكبير بأسلوبها ولغتها وأفكارها وما تحملهمه من تجديد ..وفي هذه الأثناء تقرع السكريتيرة الباب ..تدخل ..تقدم له دعوة وصلت على التو للموافقة على تنشيط أمسية شعرية من تنظيم أكبر جمعية ثقافية على مستوى المدينة بمناسبة عيد الطفولة ..يخبرها بذلك ويدعوها لمشاركته هذه الأمسية ..وافقت على دعوته دون أن تتردد لأنها كانت تدرك جيدا أن هذه فرصتها للتعريف بإبداعها للجمهور والإقتراب منه أكثر فأكثر . وبعد أيام يزفها البشرى على أن الجمعية الثقافية قد وافقت على مشاركتها بعد أن أقنعهم بقدرتها الأدبية . لقد كانت فرحتها كبيرة على أن تكون إلى جانب شاعر وأديب مرموق وجمهور غفير .وفي الموعد المحدد لتاريخ انعقاد الأمسية يلتقيان في قاعة من قاعات مسرح المدينة التي أعدت لهذا الغرض . ويلتقيان بجمهورهما من محبي الكلمة الذي كانت تعج به القاعة . وفي غمرة هذه الأجواء يعلن عن بداية الأمسية فيصعدان إلى المنصة ويجلسان إلى طاولة قبالة الجمهور الذي صفق لهما طويلا .لقد ألقى كل منهما من روائع ابداعه من شعر وخواطر وقصص نالت إعجاب الحاضرين من أساطين الكلمة والإبداع ..وقد كان للمداخلات والمناقشات فسحة و فرصة للتقرب من عالمهما .لقد كانت أمسية رائعة فريد ةمن نوعها جمعتهماعلى وقع الكلمة الطيبة .لقد كان يحبها إلى درجة الهوس وقد تعلق بها كثيرا دون أن يخبرها بما يدور بخلده ..ولكنه في الأخير راح يصارحها بحبه دون أن يتمالك نفسه عاقدا عزمه على طلب يدها حليلة وزوجة دون مقدمات ..وبعدما أنهى كلامه . سمع منها ما لم يكن في الحسبان فتقر له بأنها تحبه ومعجبة بشخصه . وبدموع جارفة ونبرات متقطعة تبوح له بأنها عاهدت نفسها بأن تبقى في خدمة والدتها المقعدة ورعاية إخوتها الصغار وأنه لامفر من واقعها الذي فرضته عليها الأيام بعد وفاة والدها ..وبعد أخذ ورد في الحديث يقتنع بمبادئها وما وهبت نفسها لأجله ..إلا أن أمنيتها كانت كبيرة في صدور أعمالها الإبداعية ونشرها على نطاق واسع . وما هي إلا أشهر قليلة تبنت إحدى دور النشر طباعة أعمالها والتي أصبحت فيما بعد تدرس في مناهج الجامعات ومرجعا أدبيا وفكريا للطلبة . وهكذا تحققت أمنيتها التي راودتها كثيرا لتكرم بعد ذلك رفقة حبيبها الدي كان متعاقدا مع أحدى الجامعات العريقة في تقديم محاضراته الفكرية والأدبية هده الجامعة أبت إلا أن تكرمهما بوسام الإستحقاق والتشريف ليبقى هدا التكريم شاهدا على حبهما وخدمتهما للعلم والإنسانية والتضحية بالحب..
********
بقلم / تواتيت نصرالدين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى