موسى غافل الشطري - رسالة مخجلة.. قصة قصيرة

شكا صديقي من ظاهرة المجافاة التي يصادفها من البعض . ضحك و قال لي:
ـ بماذا تفسر مثل هكذا حالة ؟
فحدثته عن حالة شبيهة بما مشغول ذهنه بها:
ـ طالما يصادفني .. هذا السلوك الغامض الذي ينهجه البعض . إنها حالة اشبه بما ذكرتها ، قد تشغلك بهذا القدر أو ذاك ، لكنها حالة معاشة.
في أحيان كثيرة.. قد يتصرف البعض على هذا النحو ، إرادياً أو غير إرادي ، ممن يتسمون بالكياسة ، و سعة الأفق . وعندما تسأله عن المبررات ، لا يقنعك ، و لا يقنع نفسه ، ويظل يُرتِّق بثلماتِها . رغم انه غير مقتنع بأعذاره .
***
ذات يوم .. أحد جلسائي ، كنا ماضيين في نقاش معرفي عن امور معقدة، و كنت بحاجة للتزود برؤيا مقنعة عن ظاهرة كثر الجدال حولها . كان جليسي على حظ وافر بمثل هذه الأمور ، و كنت منشداً لتفسيراته المذهلة. مختصر مفيد .. كان ذهنية متوقدة لأبعد الحدود .
عندما أقبل أحد الأصدقاء الأعزاء بعد غياب طويل و نحن منشَدِّين بالحديث ، توقفت عن ذلك و نهضت لاستقباله مرحباً . حيّانا بتحية مهذبة . بينما تجاهله جليسي بشكل ملحوظ ، و أشاح بوجهه جانباً.
ناديت للصديق على قدح شاي . و عندما طرح قدحه على الطبلة، و هو مشغول البال بأمر ما . كان بين فترة و أخرى يلتفت لجليسي الذي أشاح بوجهه عنه . و كنت انتظر أن ينتهي حتى نمضي باستعادة ، أعوامنا الماضية ، لكنه سرعان ما استأذن ، و غادرنا على عجل ، رغم طلبي منه أن يجلس لكي نقضي بعض الوقت .
حين غادرنا التفت لصاحبي الذي تعمد أن يبدو على انصراف كامل عن حديثنا السريع و سألته :
ـ اراك قد استقبلته بجفاء .. هل أنتما على غير وفاق ؟
بدا يتململ ، و كأني قد أحرجته ، فبسط كفه متفاجئاً بسؤالي و قال و هو يحاول ان يبتسم :
ـ لا أدري . و لكني لا أعلم لماذا أبدو متضايقاً من مشاهدته .
قلت :
ـ كيف تتضايق ؟ هل ثمة امر ما عَكَّر علاقتكما ؟
لم يجد إجابة مناسبة فقال :
ـ لا .. أبداً . و لكني لا أرتاح لشكله فحسب .
ـ شكله ؟!
ـ أصارحك ؟ إن ثمة إحساساً غامضاً يقول لي هذا الانسان غير مريح .
ضحكت .
***
لاح لنا صديقي المعني و قد عاد مسرعاً و استأذن أن يختلي معي على انفراد ، فوقفنا على مسافة غير مرأية من جليسي ، و بدا صاحبي مترددا في قول ما يدور بذهنه . قلت له مبتسما :
ـ إن في قلبك شيء ما ؟
قال :
ـ نعم . كنت أود أن أقول شيئاً لجليسك ، و لكنه أعرض عني متجاهلاً و بشكل محرج ..
فقلت له ، لكي أردم هذه الفجوة التي حدثت :
ـ لا .. كنا نتحدث عن أمر ربما ثقل أمره على مزاجه .
قال :
ـ على كلٍ حال .. أنا التقيت بابنته زميلة ابنتي في الجامعة ، و يسكنان سوية في القسم . و كانت تريد أن تأتي إلى أهلها برفقتي ، لأنها مطالبة بتسديد القسط الدراسي . و عندما علمت بالأمر قلت لها :
ـ إذا كان سفرك من أجل المبلغ . فلا تذهب أنا أعطيك المبلغ ، و أستلمه من والدك .
المبلغ مئتي ألف دينار . فقط أرجوك أن تبلغه بالأمر . ربما سيحرج الآن لو أنا قلت له . و ربما المبلغ لم يكن تحت يده الآن .
ضحكت دون إرادتي فقال :
ـ لماذا تضحك ؟
قلت :
ـ أعرف أنك قدر المقام .

موسى غافل الشطري
6/12/ 2016

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى