موسى غافل الشطري - لماذا تتخلف واسط عن الركب في القدرة النقدية

هذا الموضوع لا يستهدف شخصاً بذاته. إنما هو موضوع الغاية منه .. كشف المستور ، و إيقاف النزف بسمعة العطاء الواسطي . لأن عملية دعم الجانب الابداعي في واسط ، يقتضي وضع النقاط على الحروف ، و من أجل ردع التخريب و اللا أبالية في نمو و معافاة النشاط الثقافي و النزول للساحة الابداعية بقوة . و صقل القدرات التي تحتاج إلى عملية نقدية و تقويمية مسؤولة لعودة تراث حميد الجيلاوي و شمران الياسري و غيرهما، في نطاق الأدب المبدع قبل كل شيء :
أتابع العطاء الهامشي للعملية النقدية في واسط ، هامشية لأنها سلبية في تعاملها مع المنجز الواسطي . و أنا ممن يعنيهم ذلك ، بدون أن أخفي حلمي بمساحة نقدية محلية معافاة وتستطيع أن تغطي الفعالية الأدبية الجارية في هذه المحافظة ، شأنها شان المحافظات و المدن الأخرى . غير أن ذلك – و بكل أسف – يشكل حدا أدنى ، و هذه حالة محزنة .
بالطبع من الصعب أن تجري التغطية لفعاليات ادبية و فنية لشخصيات لهم باع في النشاط الأدبي و الفني الواسطي في الداخل و الخارج . مثلما يحدث في محافظات عراقية لقيت من الدعم النقدي من داخل المحافظة بما لا يمتلكه النشاط في الساحة الواسطية . فالمهمة النقدية .. ما لم تَرْتَق إلى مستوى القدرة الابداعية ، كمهمة خلاقة تسعى الى التقصي عن المنجز المتميز لكي تشترك باحتفالية الفهم ، فإنها سوف لن تكون سوى جهد متدن بطريق ممارسة نقدية قاصرة .
و لاحظنا أيضاً في الآونة الأخيرة ، و بكل أسف ، الافتقار الذريع لأي نشاط أكاديمي جامعي في المحافظة ، بهذا الصدد ، يغطي و لو جزء ضئيلا لدعم المنجز الثقافي ، و سعيها الذي ينبغي أن ينشط بصدد إجراء الدراسات النقدية ، و دراسات الماجستير او اطروحات الدكتوراه لتغطية الفعالية الثقافية بجد وعلى أوسع ما يمكن ، و من ثم دعم هذا النشاط خارج إطار الحرم الجامعي كمهمة تنقيب و تحري عن القدرات الابداعية ، وليس اختصاره على نشاطات هامشية . يجدر بالاشارة .. لعبت الجامعة نشاطاً واضحاً في فترة رئيس الجامعة السابق الدكتورجواد الموسوي و الفقيد الدكتور رعد . أما الآن فلا شيئ يذكر . و حتى أبان رئاسة الدكتور الموسوي ، كانت الدراسات النقدية التي قدمت و لم تغطي المنجز الابداعي بل اتسمت بطابع انتقائي بحت ، و ضمن علاقات ضيقة .
أما الآن .. فأي نشاط يف بتغطية نقدية من قبل الجامعة يكاد لا يتماشى و قدراتها المتاحة ، و إنما يهبط إلى درجات متدنية جداً.. ترك هذا الموقف السلبي الحبل على الغارب لبعض الأدعياء من راكبي الموجة، ممن ينطبق عليهم البيت الشعري القائل ( صفا لك الجو فبيضي و اصفري و نقري ما شاء ان تنقري ) . و ظل الجهد الواسطي ينحدر إلى أدنى مستوى من العطاء النقدي . و هو عطاء بائس لا يرتقي للمستوى المنشود لتبني البرنامج الطموح بغية احتواء المنجز المحلي و الرقي به إلى الذروة لينافس بهذا الشأن المحافظات الأخرى .
و لعل من استطاع تجاوز الفاصلة بين السلبية و الايجابية ، بصدد تصعيد المواكبة لدعم الحركة الثقافية ، إنما انحصرت في إطار ضيق جداً من الذين تجردوا من ارتكازهم على العلاقات الإخوانية أو محاولة تسقيط النص . ممن لم يتوقف عند اعتباراتٍ تحكمها المجاملات و الاستعراضات بهدف التسقيط . و إنما جرت محاولات محدودة توغلت في ثيمات النص للتوصل إلى انجاز مهمة يتجشمها متلق ذكي . يعني عملية النقد عملية مضنية تحتاج إلى خلق ابداعي – ربما – من جديد .
فدور الناقد الذكي ، و المتقن بصنعة النقد – و هذه مهمة جسيمة و لها خصوصيتها - قد يرتقي بالنص الابداعي إلى مستوى بنائه بقدرة قد تتجاوز قدرة المؤلف , و قد يرتقي به بما يثير الادهاش ، بما لم يطرأ في بال السارد ، و يطرح استنتاجا تأويلياً بمعزل عن بنية النص بما لم يسعَ إليه المؤلف . و أنا أعتقد إن الناقد المبدع .. لكي يهيء المجال لنشوة اللذة ينبغي عليه أن يوصل النص إلى الذروة لكي يحتفل - من هو جدير بكلمة ناقد - بقدرته الابداعية ، باعتباره المتلقي الذكي و المبدع الذي يتقاسم لذة الفهم مع النص ، بغض النظر عن محددات السارد .
أي ان الناقد القدير هو غير من يركب موجة النقد و يتصيد و يختلق العثرات و يبحث عن المثالب التافهة للإيقاع بالنص و تحويله إلى جثة هامدة بهدف الإيقاع بالنص و التمهيد لضرورة قبره ، و بمثل هذا السعي المريض لمن يمارس مهمة النقد بغير احقية ، قد يحط هو بالذات من مستواه و يصطف مع الدخلاء على العملية النقدية ، و من ثم يعرقل إيصال النص إلى استحقاقه كمنجز إبداعي ، و لا يميته . لأن عملية الموت لا تنال سوى النص الهابط حاله حال النصوص الهابطة .
طبعاً .. هناك ضعف واضح حتى على نطاق العراق . هناك كسل نقدي لا ينسجم مع الساحة الابداعية على نطاق العراق ، و نحن لسنا بصدد هذا الموضوع .
و في واسط لم يجر الاعتماد على قدرات نقدية اكاديمية متمرسة ، بل جرى الاعتماد على القدرات الذاتية كما لاحظت ما يبذل من جهد لاقتفاء الأثر الابداعي لدى المبدع و من ثم القدرة على اقتناص روحية الابداع .
و قد أتاح للساحة الواسطية ، عن مجمل ما يحدث من اهتمام في وضع النصوص السردية و الشعرية ، أن تعثر على أحد الدراسات الجادة و الملتزمة و غير الانفعالية . و غير النابشة بقصد تسقيط النص من حيث رسالته الابداعية. فقد لوحظ أن البعض ممن يركبون موج الضفاف الضحلة لمياه البحر النقدي العميق ، أن هؤلاء ، ينبشون بالنص عن خلل املائي أو مطبعي دون أي التفات للجانب الابداعي . و : "هذه الجملة ينبغي أن تتقدم على تلك الجملة . و هذه العبارة أنسب من تلك "و مثل هذه المحددات هي عملية تعويقية لانتقالة ثيمات النص بممرات لا تدرك لاكتمال البعد التأويلي .ومن ثم قد لا يتحمل صانع النص كل المسؤولية بصدد الوقوع ببعض الزلات اللغوية : إذ لماذا وضعت وظيفة المصحح ؟ و لكن المصحح في هذا الزمن أعطانا عمره و ظل مكانه شاغراً. و مثل هذه التفاهات لا ترتقي حتى تصل إلى مهمة المعالجة الابداعية . فالمهمة الابداعية ليست وظيفة بيتية ينجزها تلميذ لكي يعرضها صباحاً أمام المعلم . و من ثم عدم تعمد ممارسة التجاهل الذي يحدث في وسطنا الثقافي الواسطي لمجمل المنجز الأدبي في هذه المحافظة. و هكذا هو الحال مع غالب المنجز الواسطي . مشياً على المبدأ الأثير القائل : ( مغني القافلة لا يطرب ) .
فالبعض للأسف يمارس ، لا دورا نقدياً ، بل انتقاداً بطابع يقترب من المضمون الشخصي . و هذه عملية – تسفيهية – تهبط بمستوى الناقد نفسه ووظيفة النقد إلى النيل من نقاء العملية النقدية . بينما ظاهرة النقد هي : بناء و تقويم و تعيين جانب الخلل ، و تذوق ابداعي . و لكن كل هذه مسخت و جرى التجرد منها .
و إذا أردنا أن نقول غير ذلك : فعلينا أن نبحث عن الجهد المضني الذي بذله احد النقاد الأكاديميين أو غيرهم و استطاع أن يفكك نصاً سردياً أو شعرياً ، و تعرف على ثيماته . بطريقة اختصاص .
هذه الظاهرة تكاد تتراجع أمام المنهجية الخاطئة التي يمارسها البعض ، و هي حالة للأسف ، تستحوذ على ظاهرة التعامل - الملزمة - مع النص الواسطي بروح من المشاكسة للجم العمل الابداعي ، و لا تلقى الكشف عن قصديتها المدمرة للجهد الابداعي .
و لعلنا نكاد نقترب من أن واسط تعاني من هذه الظاهرة المرضية المؤسفة ، و قد لا تتاح الجرأة لكشفها ، بل يجري التعتيم عليها مجاملة ، في انحسار ممارسة النقد الأدبي المهني . وهي ظاهرة تتعدد مسالكها ، بين أن يتخذ كاتبها طابع التصيد في مآخذ قد لا تكون ذات أهمية كبيرة لإسقاط النص فنياً ووضعياً ، و عدم التركيز على أن الكتابة النقدية ما جاءت إلاً من أجل الوصول إلى الأخذ بيد مؤلف النص للوصول إلى المستوى الابداعي أو أنه أخفق في ذلك
.
و دعونا أن نكون صريحين : أن هناك العديد و ربما الغالبية الساحقة من كتاب النص الابداعي يلاقون صعوبة في إتقان اللغة بشكل كامل ، و هذا ليس عيبياً قاتلاً . فأنا على سبيل المثال لدي قدرة ابداعية و لابد من اعتمادي على من يساعدني في التصحيح . و هذه حالة لا ينبغي أن نغض الطرف عنها . و لكن بالمقابل .. على المولعين بالتنبيش أن لا يدحسوا إنوفهم فيما لا يعنيهم لجهلهم بوظيفة النقد . فهم غير مؤهلين لعملية التعامل مع نقد العمل الابداعي ، بل المناسب لهم هو العمل في وظيفة التصحيح و ليس غير .
و للتألق بقصد إعطاء منجز نقدي إبداعي . و لإعطاء الشهادة على مقدرة الناقد على تسليط الضوء لتوضيح نقاط الاخفاق بروحية مجردة من الانفعال . و مثل هذه المهمة ستأخذ بيد العملية الابداعية في واسط إلى مستوى المحافظات الرائدة . و لعل ذلك قد ساهم إلى حد كبير في إفراغ الساحة الأدبية بشكل لا يمكن التستر عليه .
إن هذا بالطبع لا يؤشر إلى حالة معافاة . و بالتأكيد هي حالة لا توحي إلاّ إلى نوع من الإخفاق في الممارسة البناءة و المهنية ، و إن كان من حقه أن يبحر إلى فضاءات أخرى .على أن يسعده ما يشاهد ، و يساعد أيضاً على المضي ، باتجاه دعم المنجز الابداعي في المحافظة ، كما عليه الحال في محافظة البصرة و الحلة و الناصرية وكربلاء و السماوة و غيرها . و من ثم إعطاء الدعم و المساحة إلى خارج المحافظة للنص الإبداعي الواسطي كظاهرة عراقية بارزة . بل وهناك ممارسة توحي للمتابع بنوع من التعالي . أو التجاهل المتعمد . و هذه الحالة تدل على ركة في الوعي النقدي ، كونه مهمة بناءة و ليست هدامة .
على كل حال .. ليس من المعقول أن هذه المحافظة العريقة بمنجزاتها الابداعية ، تعاني من ظاهرة ( مرض التصحر ) ، ما يستدعي ( الناقد ) أن يهاجر إلى فناءات أخرى أكثر عطاء للتعامل مع مبدعين هناك . و هو ميل للتعكز على إبداع الغير لبناء مكانة أو سمعة تعزز سمعته كناقد ؟؟؟؟
في حين لا نكاد نعثر على ناقد من خارج المحافظة كلف نفسه عناء القيام بمشروع نقدي عن المنجز الواسطي . بل هناك رابطة تضامنية لشد أزر مبدعي محافظاتهم . لا يشترط عليهم أن يتركوا دارهم خربة و يأتون لبناء دور الآخرين .
ربما هناك شيء من هذا القبيل و لكننا لم نسمع به . فقط نسمع بالواسطيين الذي يتجشمون عناء السفر إلى فضاءات غير واسطية . و هي مهمة تستوجب منا التامل لمثل هذه الظاهرة المرضية .
و نحن نكبر فيهم هذا الجهد على ما يسدونه من( خدمة تطوعية )؟؟؟ . و بالطبع هم لم يطلبوا من الآخرين رد الفضل بالمثل . (كما هي العادة بتبادل الزيارات) . و نحن نخشى أن يكونوا ليسوا بحاجة لخدماتنا .
أنا اعتقد أن النجاح لأي ناقد هو اقتفاء أثر المنجز الابداعي هنا داخل هذه المحافظة ، وهي مهمة يستطيع أن يفخر بها ، لكي تتأتى له فرص أفضل فيما لو أنه مارس نشاطه مع كتّاب نصوص في محافظته كونه ملماً بوضع الكاتب، سواء في مسيرته الأدبية أو سيرته الذاتية و النفسية . أو لاعتبارات أخرى يستطيع من خلالها الوصول إلى دراسة موضوعية ملمة بجوانب هامة لصناعة النص النقدي ، سواء في المجال التفكيكي أو التأويلي او اللساني و غيره من المقاربات النقدية ، لإعطاء رؤية إبداعية أكثر إشراقاً من الاشتغال على نصوص تحتاج إلى وضوح في الرؤية النقدية قد لا تتوفر معطياتها له إلاّ من خلال ما يحيط بها من هالة ، قد حصلت بفعل عاملين إثنين : إبداع المؤلف و إبداع المتلقي / الناقد ، منذ عشرات السنين أو أقل .
فعلاً نحن بحاجة إلى مبدعين يمتلكون الجرأة و العلاقة الخلاقة لطرح مشروع مدرسة نقدية واسطية متخلصة من الاستباقات ذات النيات السلبية .


9/12/2016



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى