محمد السعيد جمعة - سمو الأمير بركات.. قصة قصيرة

جلس سمو الأمير بركات على أحد الأرصفة يتأمل أحوال البسطاء من الناس ، أولئك الذين اتخذوا من الرصيف مقراً لهم ، كان سمو الأمير يرتدي حذاءه البالي وثيابه الرثّة ، ولايخفى على الناظرين لحيته الكثيفة وشعره الأشعث الذي لم يهذبه منذ شهور ، ورغم كل ذلك كان سمو الأمير مستمتعاً برؤية القمر وهو يظهر وراء أسقف المنازل المواجهة لمجلسه على الرصيف ، ولم تفارق الابتسامة وجهه وهو يحدث نفسه بأنه لديه من المال ما يكفي لشراء أغلى القصور ويستطيع إذا شاء أن يرتدي أفخم الملابس وأن يشتري أغلى السيارات ويثق تماماً أن تلك المدينة بكل مافيها ومن فيها رهن إشارة منه ؛ ولكن مشيئة سموه اختارت الجلوس على الرصيف هكذا بملابسه التي لا يحسده عليها أحقر المتسولين ؛ فقد كان سموه شغوفاً بحياة البسطاء ويجد في إنكار الذات لذة لا يجدها في الغنى والجاه ، هكذا يقول سمو الأمير وهو يُحدث رفقاء الرصيف عن حقيقته التي لا يعرفها أحد .
وبينما كان سمو الأمير سابح في تأملاته السامية جاء شاب تبدو عليه مخايل الثراء والنعمة وأخذ ينظر إلى سمو الأمير ثم اقترب منه قائلاً : هل تسمح لي بالجلوس ؟ فرحّب سموه وأشار إليه وهو يقول : تفضّل .. الرصيف حق للجميع ، كان سمو الأمير ينظر إلى القمر عندما أخرج الشاب من حافظة نقوده ورقة من فئة الخمسين جنيهاً وقال له : هل تقبل مني هذا المبلغ البسيط ؟ ، قهقه سمو الأمير ونظر إلى الشاب قائلاً : إنك لا تعرفني أيها الشاب الطيب ، أنا الأمير بركات .. أنا أكثر الناس ثراءً في تلك المدينة ، لقد جئت إلى هنا مُتنكراً كما ترى لكي أغدق على الفقراء من عطاياي لا آخذُ منهم ، تعجب الشاب وهو ينظر إلى وجه الأمير وملابسه الرثة ، فقال سمو الأمير في تعالٍ : لا تتخذ من مظهري التنكري أداة تُضللك عن حقيقة شأني ، ولأنك شاب طيب سوف أمنحك إحدى هباتي المتواضعة ، نظر الشاب في ذهول ..فاستطرد سموه وفي إيقاع كلماته شموخ أصحاب الفضل من النبلاء : هل تريد قصراً ؟ هل تريد مالاً ؟؟ لقد حان الأوان لكي تتحقق كل أحلامك ، قل لي ماذا تريد ؟ تعجب الشاب ولسان حاله يقول " كم أنا محظوظ بلقاء هذا الأمير المتنكر ! ، وفي تلك اللحظة فوجيء رواد الرصيف بسيارة الشرطة تقف بمحاذاتهم ويندفع منها ثلاثة من الرجال صوب سمو الأمير ويمسكه أحدهم ويدفعه أمامه في شيء من العنف المصحوب بألفاظ السخرية و التوبيخ ، واحتشد البسطاء من رواد الرصيف غير مصدقين ما يحدث لسمو الأمير ؛ فالتفت إليهم أحد رجال الشرطة قائلاً : إنه هارب من مستشفى الأمراض العقلية وكنا نبحث عنه منذ شهور ، أصيب الجميع على الرصيف بالذهول ، واقترب الشاب ليرى سمو الأمير وهو يجلس في الصندوق الخلفي لسيارة الشرطة ، وسمعه يقول : لا تفهم ما حدث بطريقة خاطئة أيها الشاب الطيب ، إنهم سيقومون بتوصيلي إلى قصري ، أنا أمرتهم بذلك ، إنهم من رعاياي ، وأخذ يصيح بصوته المبحوح : أنا الأمير بركات ..أنا الأمير بركات ..أنا أكثر الناس ثراءً في تلك المدينة ، وعندما انطلقت السيارة بعيداً كان سمو الأمير بركات يشير بكلتا يديه لتحية رفقاء الرصيف .-


* قصة سمو الأمير -من كتاب "قالت وردة "-#الهيئة_المصرية_العامة_للكتاب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى