عقيل هاشم - أسلوب القص وكتابةً نص الفجيعة .. قراءة في ( رجل غير مهم بالمرّة) مجموعة قصصية للقاص الاردني جمعة شنب..

مجموعة قصصية - قصيرة جدا - تتعرض بجرأة بالغة لحقبة تتعرض فيها الانسانية الى الاستلاب والاضطهاد والقهر السياسي ، وتقترب بجرأة بالغة ومثيرة من يوميات تتشابه في واقعها , ومن خلال حوادث واقعية ومتخيلة أو مفترضة ، يعرضها القاص جمعة شنب بلغة سردية مقتضبة وقصيرة معبرة ومدهشة, وبرشاقة دون بذخ إنشائي فائض عن حاجة النص , تصل إلى حدود الوهم, وخلط الواقع بالمتخيل, بما يشبه الهذيان أحيانا, تتكيء النصوص على واقعة حقيقية ومتخيل بعض الاحيان , ليذهب بها القاص إلى أفق التحريض على الواقع, استنادا لما يجب أن يكون عليه من مثال.
اصدر عددا من المجموعات القصصية هي: للأرض جاذبيّة ، الرسالة الاخيرة ، موت ملاك صغير، وبعد هذه المجموعات الثلاث غادر إلى الولايات المتحدة وغاب عن الساحة الأدبية المحليّة أكثر من ربع قرن، مجموعته القصصية «قهوة رديئة»، ثم مجموعته القصصية بنت الحرام . واخيرا مجموعته القصصية الجديدة والتي أسماها «رجل غير مهم بالمرّة» وهي قصص قصيرة جدًّا،
«رجل غير مهم بالمرّة» قصص قصيرة جدًّا، فيها يرصد القاص التفاصيل العالقة بين الواقع المر والهوية الضائعة ليبلغ التداخل بين الاثنتين ذروته حد نزع جلد الذات وبعيدا عن المباشرة وقريبا من السخرية والعبث يجرد القاص جمعة شنب شخوصه من الوعي دون أن يفقدها خصوصيتها ليقيم عالما غرائبيا يكشف غرابة العالم الذي تعيشه الشعوب . تفتح غرائبية عوالم مجموعة القاص هامشا للبحث عن مظاهر قسوة الحياة في مجتمعاتنا بالتأشير إلى غربة الانسان عن المحيطين به كما جرت العادة ففي التفاصيل ايحاءات بغربة الزمان والمكان عن سياقات الحياة المعاشة.تتحول هذه الارهاصات إلى خلفية استند عليها القاص في سرده وهي تعيد صياغة نفسيات الناس وخيالاتهم وطرق تفكيرهم ونظرتهم للحياة والتي لا تخلو من العبث رغبة في إعادة خلق محاولة الوصول إلى مجتمع يخلو من الحروب والاضطهاد والتسلط يلتقي فيها الخيال مع السخرية السوداء.
اقتباس:
قصة «دأب»
الميت الذي حملناه على أكتافنا بحماس شديد، ظل يدقُ جدران النعش، ويصرخ:( ليس أنا) ، وبرغم ذلك أهلنا عليه التراب، وبعدها نبحث عن جثة أخرى.
ومن خلال نصوص اخرى نجد القاص يدون سفر كتابةً نصوصه وكانها (نص فجيعة)، برؤية توثِّق بالحكي ، ما لا يترك مجالاً لإغفال التفاصيل؛ الواقع اليومي ، تستمر الكتابة التي لا تتوقف عن مساءلة صمت الانسانية . والتوثيق لفظاعة ما يحدث كلَّ يوم لعالمنا العربي وانسانه المستلب ،ولأن بين الحكام والمواطنين علاقة شد وجذب والسيطرة ونبذ الاخر, يكتشف الكاتب لنا الوجه الاخر للسياسة المستبدة والحاكمة , ليكتشف في نهاية المطاف بأن الحياة الخاصة, محكومة بجملة من عوالم الاستبداد التي يختلط فيها موروث الاستبداد بنظام حكم الفرد المستبد أيضا.
اقتباس:
قصة «قوة غاشمة»
نحو تسعين جنديا راجلا ومدججا، وسبع وعشرين دبابة ومصفحة، وإحدى عشرة ناقة جند، وأربعين قناصا على أسطح الجيران، وأربع طائرات أباتشي متجهمة، وطائرتي إف 18 متباهيتين، يحيطون، منذ الفجر، ببيت الحاج مراد..الحاج مراد سبعيني مشلول أصم، ويعيش وحيدا منذ أكثر من ثلاثين سنة.».
هذا الحفر في الواقع المأزوم الذي تعيشه الشعوب وتعري ازدواجية الضحية والجلاد والتأرجح بين هذا الانحياز إنساني والذي يصعب التغاضي عنه. هذه النصوص المثقلة بحمولة فكرية يطرحها كاتبها من خلال لعبة التشويق وتقنيات شد القراء إلى جماليات الأحداث ، كل ذلك قرأناه وكما تخيلها كاتبها نيابةً عن كلِّ من آلمه وأهوالٌ لايكاد المرء يصدق تقلباتها ونتائجها المدمرة.. أطاحت الحروب الخاسرة بكل ماهو جميل ، اذن ما قيمة الحياة في قاعِ عفن وعماء وخراب وتشرذم . في زمنِ الحقدِ والأنانية والجشع والاختلال والبشاعة والظلمِ والقتل ،حتماً لا قيمة ولا فائدة لها، وفي ظلِّ موتٍ يوميا ، إنها نصوص مازومة والتي استُدعاها كاتبها غضباً ورفضاً لكلِّ ما يحيط بنا ويشمئزُّ منه ،حالات انسانية لايتحملها احد من شدّة ما هالهُ الموت الذي باتَ هاجسَ كلّ من أوجعهم الفقد، وأقلقهم بل أخافهم، كتبها بلغة مشحونة بالغضب والرقة في آن وبنبرة حادة في نفس الوقت عكست بجلاء ما يضطرم في صدره من رفض لما يجري ورسمت بمداد واضح ما حدثته به نفسه من بينها التساؤل والأحتجاج وحتى الصراخ في وجه العالم , العالم الذي ما فتيءَ يدفع المثقف العضوي الى التمرد , في هذه النصوص نلتمس ذاك العنفوان والحماس وذلك القلق الوجودي والحيرة وذلك الغضب الذي يتفجر كل مرة بهيئة نصوص لا تهادن , وفي ذات الوقت الذي يلعن فيه الكاتب واقعه وينعى خرابه نراه يحتفي بما يمكن أن يكون منقذاَ لهذا العالم من الخراب .وسط الكم الهائل من الكوابيس والهواجس والمخاوف والهذيان والجنون والمقابر والموت والقتل والرصاص والمجازر والطغاة والحروب والمرارات التي حشرها الكاتب في متون نصوصه.
وختاما ، القصص الواردة في هذه المجموعة، لم ترد في خيال القاص فحسب ، بل هي وصف دقيق لـظروف يومية لواقع مازوم سجّلها كاتبها ، بطريقة تعكس ألم الوطن المطبوع كوشم أبدي على مكان قلب كل واحد فينا.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى