بلال البدور - أدباء الامارات في أمهات الصحف والمجلات.. خصومة أدبية من بغداد إلى الشارقة ـ 1-2

تعد مرحلة بدايات القرن الماضي مرحلة مخاض ثقافي وفكري في منطقة الإمارات. إذ شهدت هذه المرحلة بروز المدارس شبه النظامية ووصول المدرسين من خارج حدود الإمارات لتدريس الطلاب من خلال تلك المدارس أو الحلقات الخاصة.

كما شهدت بداية البعثات الدراسية إلى الخارج، حيث غادرت مجموعة من أبناء الإمارات إلى مناطق مختلفة لتلقي المزيد من العلوم، بعد أن كان الأمر مقتصراً على سفر شخص أو اثنين. وقد مثل تواصل أبناء الإمارات مع المثقفين من أبناء الدول العربية الأخرى، سواء في بلدانهم أو في الهند التي كانت ملتقى للمثقفين العرب آنذاك وتواصلهم مع الصحافة نقلة في تنمية الوعي لديهم وسعيهم لمحاكاة تلك التجارب.

* مجلة «صوت البحرين» مجلة أدبية اجتماعية شهرية أصدرتها لجنة من شباب البحرين أشرف على تحريرها ابراهيم حسن كمال وكان سكرتير تحريرها محمود المردي وكان في هيئة تحريرها كل من حسن جواد الجشي، عبدالعزيز سعد الشملان، علي التاجر وعبدالرحمن الباكر.

وكانت تطبع في بيروت، وصدر عددها الأول في ذي القعدة 1369هـ 1950م وتوقفت عن الصدور عام 1954م. ومن الكتابات التي نشرها لأبناء الإمارات الخصومة الأدبية التي دارت بين المقداد وعلي الحلي حول أمير الشعراء أحمد شوقي.

والمقداد هو الأديب أحمد بن علي العويس. واختار لقب (المقداد) اسماً له كما يؤكد ذلك كل من عمران بن سالم العويس ومحمد صالح القرق الذي كان يطبع مقالات العويس على الآلة الكاتبة.

حيث بدأ الحلي بمقالة بعنوان (أسقطوا شوقي من إمارة الشعر) فرد عليه العويس بمقالة بعنوان (أسقطوا الأدعياء من منائر الشعر). فكتب الحلي بعنوان (لا صوت للضفادع النقاقة في الأدب العربي الحي) فرد العويس بعنوان (لا محل للشعوذة والتهريج في الأدب العربي).

*أسقطوا «شوقي» من إمارة الشعر

مازلنا نطالع في أمهات الكتب والمجلات والصحف الناطقة بالضاد في العالم، وحتى في صحافة المهاجرين العرب في أميركا لقب «أمير الشعراء.. شوقي» سواء في حديث الشعر، أو في سباق النثر المجرد من اللغة الموسيقية.

وها قد بلغ هذا (اللقب) الفضفاض المضفى على المغفور له احمد شوقي (بك!) من العمر عتيا، وشهده أميره في حياته واستراح، وما انفك الرفقه المباركون اياه يهزجون حتى اليوم، لينداح في عالم الغيب المجهول والى الحد اللا متناهي البعيد!

لا ندري سر هذا العناد الملح في إقامة (الإمارات) في دولة الشعر، التي لا يعنيها مطلقاً، أمير يختال في افنائها.

ولا يضيرها زعيم من زعامات الكلاسيكية الميتة في أكنافها، اللهم إلا إذا نظرنا ـ من المنظار الأدبي الحر ـ لإمارة شوقي في دولة شعره، كما ننظر إلى إمارات لحج ومسقط والمحميات التسع من الخليج العربي مقارنة بينها وبين الدول الحديثة في مضمار الرقي والحضارة والتقدم العصري.

ومن هذا يبدو معيار الانهيار واضحاً، لا يحتاج إلى «عوينات!» أو دليل، ولكن سؤالا واحدا يظل مفترا على شفاه الحيارى، يتحرى عن جواب: من سينتهي مطاف (الأمير) في حدود الشاعرية الممتدة وراء اللانهاية؟

وأين سيقف بلا حراك؟ الظاهر، ان إمارة احمد شوقي، يحلو لها شططا ان تعيش عمرا مديدا بعد، على أية حال في فردوس الفراغ الفني!! وفيما يلوح، أنها تأبى التقهقر ـ جريا وراء أوهام المغفلين ـ أمام الإبداع الجديد، والنبوغ العتيد، والابتكار الوليد!

وهكذا، ستظل (الإمارة) افكوهة العصر الحالم تزدرهما أشداق العبقرية بنهم وشراسة، فهل لها ان تفيق من غفوتها؟ وهل لها ان تستفيق على الحان الخلق الفني الساحرة في محاريب الرومانتيكية الملهمة؟

لا أظن ذلك يسيرا على الذين في آذانهم وقر، وفي عيونهم قذى، وملء أهابهم شرر من دم العبودية! ان احمد شوقي ـ مع تقديرنا له كشاعر كبير! لا يصلح اثباتاً للواقع ـ وان هيأ الجو التمثيلي الروائي الشعري.. ان يكون أميرا للشعراء! ولن ينفع هذا الوسام الذهب إلا من اضفاه عليه رياء، مجاملة وتضليلا.

ان احمد شوقي، لا يخضع للنقد الأدبي من وجهته الشاعرية، ان حدقنا اليه من عدسة الحقيقة الفنية في مجالي التجربة الشعورية والأداء النفسي والعاطفة المشبوبة والخيال المجنح في آفاق الابداع. نحن لا نطلب إليه، نتاج التجربة اللاوعية، اللاشعورية، وتصوير الاحساس الباطني والواقع الداخلي.

. لان العرض في حكم الاستحالة المطلقة من حيث النتيجة بالنسبة للأمير!! الذي طالما امتهن (معارضة) قصائد الأقدمين الغابرين وحاكي منظوماتهم واراجيزهم، بمثلها وأنكى!

ان احمد شوقي ـ ونرجو الا يذهل المغفلون! ـ لا يستحق لقب «عريف» في دولة الشعر الفني فما كان احمد شوقي فناناً في العرف الإبداعي بالدرجة التي تؤهله، لتقبل وسام الإمارة الفنية!

ومن العجيب ان يتخبط الدكتور محمد غلاب في كتابه (أدب الثورة) حينما يعرف الرومانتيكية متفقا مع وجهة نظر الكاتب الفرنسي هانري بيل أو ستاندال بالقول انها (الفن الذي يتجاوب نتاجه مع أحاسيس الأمة، وكان مرآة آلامها وأنائها، وصدى آمالها ورغباتها... انه مرآة العصر كله!)

وعلى هذا الأساس الخاطئ يضع احمد شوقي في الطبعة الأولى من الشعراء الرومانتيكيين الخالدين، ظلما وكفرانا.. وحسبنا الله ونعم الوكيل!

وليس ادل على خطأ وضع شوقي في الصف الرومانتيكي من تهافت التعريف، فما الرومانتيكية الا ذلك الفن الابداعي التجددي في شكله وموضوعه، الفن الذي سطعت انواره في انجلترا، عام الثورة الفرنسية 1789..

وتخللت اشعاعاته القارة الأوروبية.

ولعل أكثر تخبطاً وخلطاً، ان يقرن الشاعر شوقي الرومانتيكي ـ على زعمه! ـ وصحبه في الشرق كالمنفلوطي من جهة، ببايرون وسكوت وشيللي وكنس وهوجو ولامرتين ودي موسيه ودي فيني وسواهم.. في ميزان الرومانتيكية التي حدد مفهومها ستاندال ووافقه على تعريفه الدكتور غلاّب!

وعلى افتراض صحة تعريف ست اندال للفن الرومانتيكي.. فلماذا أبقى للفن الواقعي من ميزة إزاء هذه المفاهيم التي أوردها على الفن الرومانتيكي؟

معنى هذا، وقياساً على التعريف المحرّف نتساءل: أحقاً ان الجواهري والرصافي والقروي وسواهم من الشعراء الواقعيين الاجتماعيين من صفوة الفن الرومانتيكية؟

الجواب: لا.. وألف كلا!

ومن المضحك المبكي، أن يدلل الدكتور غلاب على عبقرية شوقي الرومانتيكية الخالدة!! بكلامه المنظوم الذي انحبس عن التغني بآلام الشعب وآماله للحد الذي غالى فيه.. وناغى ترف الملوك والسلاطين، وناجى بحبوحة العيش الهني في قصور الباشاوات!

هذه نماذج حكيمة موجزة من «كلام» شوقي الذي يباهي به الدكتور محمد غلاب.. الفن الرومانتيكي الخالد، وهو ليس من الفن الشعري في شي ولا من الشعر الفني كذلك!

فتجد الذين بنى المسلة جدهم
لا يحسنون لابرةٍ! تشكيلا !!
يتلو الرجال عليهمو شهواتهم
فالناجحون ألذهم ترتيلا
ما كان دنلوب ولا تعليمه
عند الشدائد يغنيان فتيلا

وقال لا فضّ فوه:

زمان «الفرد» يا فرعون ولّى
ودالت دولة المتجبرينا
وأصبحت الرعاة بكل أرض
على حكم الرعية نازلينا
«فؤاد» أجلّ بالدستور ملكاً
وأشرف منك بالإسلام دينا

وقال عفا الله عنه:

هذا رسول الله لم
يبغض حقوق المؤمنات
العلم كان شريعة
لنسائه المتفقهات
رضن التجارة والسياسة
والشؤون الآخريات
الله انبتهن.. في
طاعاته.. خير النبات
يمشين في سوق الثواب
مساومات رابحات
بغداد دار العالمات
ومنزل المتأدبات

وهكذا إلى آخر المنظومة، ولولا الإطالة في الحديث لأثبتناها كاملة، ليسبّح المغفلون بحمد «الإمارة». ومن شاء الترفيه في روضة شوقي الرومانتيكية، فليراجع نص القصيدة الميمونة في الصفحة 127 من كتاب أدب الثورة للدكتور محمد غلاب.

إن هذا الاستمرار في العناد، والإصرار على الاحتفاظ بلقب «أمير الشعراء شوقي» لا يعتبر من واقع الصلة الأدبية بين شوقي وسيد عبقر، الأمير الفنان الحق المجهول في أعماق الغيب!

وواضح للناقد الفنان النزيه من الاعتبارات الإقليمية أن «جل» شعر شوقي، لا يرتبط بالانفعال الشعوري أو الأداء النفسي والخلق الفني الرائع، بالقدر الكبير الذي حققه عمر أبوريشة وبشارة الخوري.

والياس أبو شبكة وعلي محمود طه ومحمود حسن اسماعيل وجورج صيدح. وأوضح من ذلك أيضاً أن «أغلب» شعر الأمير عارٍ عن الطاقة الإنسانية، المعبِّرة عن الإحساس الجمعي والمشاعر الوطنية بالنسبة إلى الرصافي والجواهري وحافظ إبراهيم والقروي.

وهذه الأغاني التي يترنم بها محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، أليست جدباً ـ بألفاظها غير الموسيقية وأدائها الجاف الممحل وبحورها الفخمة الشنفرية! ـ وفي روضة الشعر الغنائي التي يغرّد فيها عمر أبوريشة والأخطل الصغير وغيرهما من شعراء الهوى والجمال والشباب. بل الفن؟!

أليس مخجلاً أن تلحن أمثال «ريم على القاع!» و«لو لا دعاوى والقوم الغلواء» و«وحين مدحتك اخترت السحابا» إلى آخره من الحكايات التي تدور على اللسان والمذياع وصالات الرقص، في الوقت الذي يجهل الكثيرون أن قصيدة «اوقفي الركب يا رمال البيد» لعمر أبي ريشة مثلاً، في الغرض الشعري ذاته، تفوق ذلك الريم على قاعه، بأشواط!! روعة وأسلوباً وأداءً وفناً! ولكن أنّى لها أن تحيا بين جماهير الاجترار، وهي ليست لصاحب الإمارة المحظوظ!

فماذا بقي له من رصيد الحساب، بعد كل هذا الإسقاط المعنوي، لتستمر مأساة اجترار اللقب المتعفن.. ونحن في جنة الشعر، الحي، المتوثب، الحر، المغن... يا أيتها الضفادع!

نحن لا نروم كأشخاص، نبش قبور الماضي ونهش الأموات في رموسهم، ولكن للحقيقة الأدبية معياراً موضوعياً غير ما سلف، لا يرحم ولا يستلين.. وإذا أرادت ذلك فليكن على مسؤوليتها!

ونحن نعرف جيداً أن تبيان هذه الحقيقة الأدبية المرّة سرعان ما يدفع الكسالى المتثائبين في هيكل الأحياء الأموات إلى التمرد على تغيير ما كان، وليس بالإمكان أبدع مما كان.. وبالتالي الاشمئزاز الساخط في عالم الفراغ المجدب. فليكن ذلك كذلك! ولا هوادة في قول الحق يا صاحبي!

علي الحلي - بغداد

*إعداد :بلال البدور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى