سامية بكري - الابتسامة الأخيرة

انهمرت دموع أم سعدون حين قالوا لها إن ولدها الذي كان يعمل في قطر تزوج من فتاة تونسية، وسيقيم معها هناك ولن يعود قبل خمسة أعوام لكنها نادت على القطة "حرباية" ووقفت على باب بيتها وهي تضعها على كتفها وتبتسم للرائح والغادي ابتسامة تكشف عن فضاء فمها الداخلي وخلوه من السنة الذهبية التي باعتها لتشتري التأشيرة لسعدون.
ولأول مرة يكتشف الناس أن لديها غمازات حين تضحك فقد كانت تخاصم الضحك لسنين طوال، ترملت وشقيت وجاورت الوحدة بل واحبتها حتى تربي سعدون دون رجل يكسر عينه بعد وفاة أبيه وها هي تقف على عتبة بيتها لتقول لأحمد أبو حنضل أنها نجحت وحدها دون زواج به كضرة على امرأته في أن تربى ابنها وتشير لعبد الحليم أبو زلطة أن الدلع الذي وعدها به حين تقدم لخطبتها منذ عشرين سنة لا يساوي فرحتها بابنها وهو رجل يزوج نفسه وتلوف عليه بنات العرب في الغربة.
تلحس حرباية رقبة أم سعدون فلا تنفر من عرقها المالح ولا رائحة العجائز المنبعثة من تحت إبطها بنكهة الحلبة وكمكمة الهدوم التي منعها السن من غسلها بيديها فأجلت ذلك ليوم الجمعة لتعطيها لجارتها التي تمتلك غسالة كهربائية، تخفض عينيها إلى الأرض وهي تفعل ذلك وتود لو قالت لها أن ولدها سيعفيها من كل هذا قريبا وسيأتي لها بغسالة أتوماتيكية تنشف الغسيل وتكويه حتى، لكن يسافر الكلام إلى لسانها ثم يتراجع عائدا فهي لا تحب الكذب.
تقولها حازمة لحرباية نعم لا أحب الكذب فتنظر القطة لها بدهشة مستفهمة؛ فتنزلها بعنف وملل من فوق كتفها قائلة: "ولا عمرك ستفهميني يا حرباية صدق من أسماك حرباية روحي شوفي أولادك وأرضعيهم".
يرتعش جفناها لدى هبة هواء محملة بالتراب فتدعكهما بكمها مدعية أن التراب أسأل دموعها ثم تدخل للدار وتغلق بابها عليها.
في الصباح تأتي لوزة بنت الجيران الصغيرة لتناديها كي تشارك امها الخبيز تضجر البنت لطول ما خبطت الباب بيديها الصغيرتين ونادت بعلو صوتها وحين تأتي أمها وأبيها ويفتح الباب بمعاونة فوزي النجار يجدون أم سعدون وقد رقدت بلا نفس ضاحكة كاشفة عن مكان سنتها الخالي فيما كانت حرباية ترضع قططها الأربع بجوارها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى