سعيد أحباط - لا أرى وجوها

الكل صامت في هذه القاعة ، عيون الرجال باهتة ، ضحكات النساء بلا بريق ..تداخلت ألوانهم وأسماؤهم ، وفي لحظة ما أحسست أن غربتي تدفعني إلى الصياح ..صوت خافت خرج من صدري اعتقدت أن لا أحد سمعه ؟همهم أحد الجالسين كنت لا أرى وجهه، فقط صوته وصلني ، تقدمت برأسي لعلي أرى محدثي ..ساعتها تقدم الجالسون مثلي بقي الجدار البشري ..وعوائقه تفصلنا ..ثم بادرني صوته بسؤال تعيس:

- ماذا أصابك ؟

- هل من حقي أن أجيب عن سؤاله ؟

ربما كان هذا الجرح هو السبب في أن أغتصب هذا السكون الذي يخيم علينا ، تفوهت ببعض الكلمات التي لم يفهم معناها أحد ، رمقني الجالسون بخوف فيه الكثير من التردد ، لم يجرؤ أحد على محاورتي ..آن لي أن أفهم أني لست منهم ، وهذا الصمت المطبق على صدري لا بد من كسره..جمعت ما بقي لي من حق نفضت الغبار العالق بجسمي ..تقدمت خطوات إلى الأمام لا أحد أبدى استغرابه .. كان ذلك ردهم على وجودي ، ساعتها عادت بي ذاكرتي إلى تلك العجوز التي اقتحمت بدون استئذان خلوتي في أن أبكي لوحدي عند غروب الشمس..التفت متعجبا إليها من تكون ؟ هل إنس أم جان ؟قسمات وجهها دلتني على جمال ،كانت ترتديه في شبابها .
لكني لم أفكر لا أنا ولا هي في تغيير مكاننا رغم الروائح الكريهة التي كانت تنبعث من بقايا بول أعرض عنه أصحابه بدا لي المشهد جميلا.كل سكان هذا الزقاق كانوا يغطون في نوم عميق ، مثلهم مثل باقي المدينة لحظتها قفزت بين مخيلتي إلى الوراء إلى سنوات خلت ..الحدث كان في شهر مارس ، في اليوم الثامن عشر منه ، تعود أهل البيت على النهوض باكرا مع تمتمات رب العائلة ، كان لسان حاله يشتم الكل دون تفرقة بين كبير وصغير ..جرت الأمور عادية إلى أن أكمل صحن الزيت الذي يفتح به بقايا فتات الخبز المتناثر أمامه همست هي :

- دعها هكذا وسأجمعها ..

- أنا ..فيما بعد ..

خرج كلاهما من الغرفة برأي مخالف ومضى الضجيج يتصاعد بين جدران الغرف الأخرى ينتظر الأخ الأكبر تناول كوب الشاي وسيجارة بين يده اليسرى ولسان حاله يروي برنامج يومه الذي لا يختلف عادة عن بقايا الأيام الأخرى ..لدى مروره أمام غرفة الحمام ، اعترضه آخاه الأصغر بعين مفتوحة وأخرى مغلقة ، رفع رأسه إلى الساعة المعلقة على الحائط بينما يداه اليسرى تدعك أسفل بطنه ، عادة أوصاه الجميع عدة مرات أن يقلع عنها ، لم يقل الفتى شيئا :

- آما أنا فكنت أسمع أصواتا وحركات ولا أرى وجوها ..

أطلقت صيحة مدوية هي أقرب للعويل ، صداها كاد يقتلع التو ثر الذي كنت أتخبط فيه ، حركت ساقي مرة ، ومرتين لأعبر عن وجودي لا فائدة ، وجدت في حلقي مرارة العزلة التي لا صوت لها ، والتي صرت أجد لها طعما ..استسلمت لها طمعا في بعض الراحة ..هي ساعات فقط ، وبعدها سأجعل من نفسي عظيما ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى