جعفر الديري - محمود مرسي.. أداء تلقائي لشخصيات متكاملة

لا يذكر اسم الممثل المصري الراحل محمود مرسي، إلا بالإكبار والتقدير، لمسيرة فنية جاوزت الأربعين عامًا، بدأت العام 1962 بالفيلم السينمائي (أنا الهارب)، وانتهت بوفاته السبت 24 إبريل العام 2004، أثناء تصوير مسلسل (وهج الصيف)، إثر أزمة قلبية حادة.
محمود مرسي، يوضع في خانة الفنانين المصريين الكبار، أمثال زكي رستم، محمود المليجي، وآخرين ارتقوا بالأداء، فأصبحوا علامات فارقة في مسيرة الفن العربي السينمائي والدرامي على حد سواء. بفضل كم من الأعمال السينمائية والدرامية، قدمها مرسي ودخلت تاريخ الفن من أوسع الأبواب، منها، الليلة الأخيرة، أغنية على الممر، السمان والخريف، شيء من الخوف، سعد اليتيم، الباب المفتوح، الشحاذ، زينب والعرش، عصفور النار، بين القصرين، رحلة أبو العلا البشري، العائلة. عدا عن مجموعة أخرى من الأعمال والبرامج الإذاعية، أكدت تميز هذا الفنان.
لقد كان شديد الحرص على فنه، فعلى رغم الأدوار الكثيرة التي كانت تعرض عليه، وجدناه يختار منها ما يليق باسمه. وفي لقاء نادر مع مجلة المصور، يقول مرسي «قاطعت السينما لأني لا أجد السيناريو الذي يرضيني والقصة التي تشبعني منذ آخر فيلم لي وهو (حد السيف) الذي لعبت فيه دور المدير العام العاجز عن تدبير النقود لتزويج ابنته ويهوى العزف على آلة القانون ويعمل لدى راقصة مشهورة وكانت الراقصة هي الفنانة نجوى فؤاد منتجة الفيلم».
ثم يعلق مرسي على ما آلت إليه حال السينما والمسرح والتليفزيون، بالقول «لا أدري سببا لهذا الطوفان من التفاهة في السينما والمسرح والتليفزيون.. الملايين تنفق على أعمال تافهة، وقد عرضت على عشرات السيناريوهات لمسلسلات تليفزيونية بعد مسلسل (لما التعلب فات) الذي عرض في رمضان الماضي ورفضتها لأنها تافهة والأدوار هامشية وآخرها مسلسل (محمد علي الكبير) الذي كان سيخرجه الراحل حسام الدين مصطفى وقد عرض على دور عمر مكرم وقرأته فوجدت كل الأدوار هامشية بجانب دور حسين فهمي وهو محمد علي».
في أعمال مرسي، يبرز أسلوب الأداء التلقائي. حيث الأداء بحسب المخرج الروسي الكبير قسطنطين ستانسلافسكي، ترجمة لمشاعر داخلية، يحسها الممثل!، بعد دراسته الشخصية المؤداة، كما لو كانت حقيقية، وذلك بهدف بناء شخصية متكاملة.
نلمس ذلك -على سبيل المثال- في مسلسل (عصفور النار)، من إنتاج العام 1987، قصة وسيناريو وحوار أسامة أنور عكاشة، وإخراج محمد فاضل. جسد فيه الفنان الراحل، في الرابعة والستين من عمره، دورين، الأول دور عمدة قرية الحلوانية صقر الحلواني، والثاني دور أخيه المغدور به برصاصة «طائشة» العمدة السابق صادق الحلواني.
ورغم أننا ومنذ المشهد الأول في المسلسل، نلحظ التنافر الواضح بين شخصية صقر وأخيه صادق الحلواني! يثير مرسي دهشتنا حين يقنعنا في أدائه للدورين. حيث الجبروت والتسلط يسخر من التواضع، الشدة والقسوة تمنع أي فرصة للرأفة بالناس، الأنانية تعارض حماية مصالح أهل القرية!.
لقد أبرز مرسي مشاعر الشقيقين، جلية في تعابير الوجه، والعينين بالذات حملهما (صقر الحلوانية) من مشاعر الكره والضغينة، ما نفرنا منه، وحبب إلينا (صادق الحلوانية) بنظراته الهادئة وبسمته الوضاءة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى