عبدالعزيز أمزيان - بعض الأبعاد الدلالية والجمالية في ديوان " يد فارغة" للشاعر المغربي محمد بنقدور الوهراني

في حوزة الشاعر المغربي محمد بنقدور الوهراني، أربعة دواوين" لست الآن وحدي" سنة 2013. "عن ظهر قلب"سنة 2016 . " بعيدا ...في أول الطريق" سنة 2018.
ديون" يد فارغة" وهو يعد الديوان الثاني للشاعر. صدر عن مطبعة سليكي أخوين/ طنجة سنة نونبر 2014. في حلة جميلة، لوحة الغلاف: الفنان حسن البراق. وهي لوحة تعبيرية، ذات ألوان هادئة، يغلب عليها اللون الأزرق الذي يرمز إلى الصفاء والسلم والأمن والطمأنينة. في عمق اللوحة ثمة بؤرة ضوء يستل منها المتلقي العزم والأمل والتفاؤل.
يقع الديوان في اثنتين وعشرين ومائة صفحة، يطوي بين دفتيه نصوصا تتراوح بين القصر والتوسط والطول في عدد أسطرها الشعرية، وهي مقسمة إلى مجموعات، كل مجموعة مصدرة بإهداء خاص، المجموعة الأولى المعنونة بالبعيدة، تشمل سبعة نصوص شعرية قصيرة (وحشة- شرفة- خريف- طيف- فنجان- حنين- قرنفلة) وهي مهداة "إليها دائما، زوجة،رفيقة وحبيبة... " وهي نصوص يؤكد مضمونها العام العلاقة الروحية المتينة، التي تربطه بالزوجة، وهي علاقة راسخة مختلفة، يحضر فيها البعد الجمالي، على مستوى الحياة المعيشة- بقوة- وعلى امتداد العمر. يتعمق حضور الحبيبة / الرفيقة، وهي بعيدة - في الضفة الأخرى- عن طريق كل الحواس : حاسة الشم:
يحرك رائحتََََََََََََََك داخلي
ويغرقني في عطر وحشتك ص 5 (وحشة)
حاسة اللمس، وحاسة البصر:
دعيه يتوسد دفء عينيك
لكي لا تضيع عنك قسماتي ص8 (طيف)
حاسة الذوق وحاسة اللمس:
أن نكهة البن، هنا،
مرارتها مختلفة
وأن للفنجان وشفتيك
تفاصيل متشابهة، ص 9 (فنجان)
حاسة السمع:
وأن غيمة الشوق
أمطرت في القلب
طوفانا من حنين. ص 10( حنين)
حاسة البصر:
وجعي يتحرك في عينيك،
لأني أعلم أنك تراني
بعين أخرى تراني... ص11 ( قرنفلة)
المجموعة الثانية بعنوان "هوى (أغمات)" وهي تغطي نصا شعريا واحدا طويلا، مصدرة بإهداء "إلى كبدي التي تمشي على الأرض، إلى حازم ولؤي". في هذا النص مناجاة وجدانية، من حبيبة أدمنت العشق والهيام، طافت روحها في دوح الحبيب، فغرقت في نسائمه الباذخة، جال قلبها في بحره، فسبحت في رذاذه العذب، ونداه الزلال، فثملت من الصبابة والوجد، حتى أنها لم تعد تعرف وقت نزول المطر، ولا وقت هبوب ريح الشمال، مناجاة بحساسية شعرية عالية التوقد، وإحساس وجداني مرتفع النبرة، وبلغة سلسة نضرة قوية الاشتعال.
لا أعرف متى ستمطر
لأغسل بعض ما علق بقلبي،
لا أعرف متى ستهب
ريح الشمال، ص 15 .
..................
أريد شجرة من (مرج فضة)
أستظل بها من أرقي
وأنام طويلا
أحلم بالوادي الكبير ص 15.
..........
أفرش لي (طين الطيب) مرة أخرى
أمشي عليه حافية
وأهيم وحيدة ص 17.
وتتصاعد المناجاة بأسلوب غفير، ونبرات سحيقة، تكاد تسمع رنينها الواجع، وهدير سجعها الواخز، حتى لكأنك أمام مشاهد حب مشدودة الأعصاب، ومقيدة الخيوط، لكنها مسترسلة النبضات، متتابعة الدفقات..
علمني لغة الحب من جديد
ذكرني بقواعد العشق المستحيلة
افتح لي كتاب (أميرة الأندلس)
ودعني أتقمص دور الغجرية الحرون
أراقصك، بغنج، فوق (ناعورة الماء) ص 21.
المجموعة الثالثة بعنوان "عين زرقاء" وهي تشمل نصا شعريا واحدا متوسط الطول، مصدرة بإهداء "إلى الشاعر عبد الكريم الطبال، تلك الدمعة كانت زرقاء، زرقة الماء والسماء." يخاطب الشاعر محمد بنقدور الوهراني فيه، الشاعر الألمعي عبد الكريم الطبال، بتقدير وإكبار، وبلغة شعرية منتقاة، من قاموس الطبيعة بنوعيها الصامت والجامد:( العين، المطر، الشفق، السماء، القمر، مجرة، الموج، الشجر، النرجس، ريح، غيوم..) ومن قاموس الألوان: ( زرقاء، حمرة، كحل، رماد..) وهي مخاطبة تشي بعلاقة إنسانية طافحة بالصفاء والدفء والحياة، ولعل ما يؤكد ذلك حضور غني للألفاظ الدالة عليها (العين، شمس، الضوء،المطر، حمرة، الماء، الموج، الشجر، فتنة..) وتشف أيضا عن صلة موشومة بالتجدد والحركية والاستمرارية، يثبت ذلك استخدام الشاعر محمد بنقدور الجمل الفعلية الدالة على زمن الحاضر والمستقبل.
ترقبك
تلك العين، ترمقك،
تدعوك إلى نافذة وشمس ص 29.
................
تداعب كلماتك بجفونها
لكي تعلمك
معنى الموج
سر الماء
وصمت الشجر. ص 31.
المجموعة الرابعة بعنوان "شتاء أولى" وهي تتضمن عشرة نصوص شعرية قصيرة( خريف العمر- نجوم الصباح- رائحة التراب- حقول العاشق- فخاخ الورد- إيقاع الماء- لهفة الغائب- عواصف الليالي- بياض في بياض- غيثك يا الله ) مصدرة بإهداء " إلى عبد اللطيف بنقدور الوهراني، رضى الوالدين من رضا الوالدين..." في هذه المجموعة يتوغل البعد الغنائي، ويستشري في فضائها بنغم موسيقي سلس، وبنبر إيقاعي منقاد، ساهمت في تشكيلها مظاهر التكرار والتوازي، اللذين حضرا كقيمتين فنيتين في جل النصوص، فمنحاها زخما إبداعيا لائقا، وطاقة تعبيرية رائقة:
كان الخريف صديقا لأبي
يتواعدان ويلتقيان
في نفس الوقت
في نفس الفصل
في نفس الحقل ص 37. (خريف العمر)
نصوص شعرية ترسم صورة أب مكافح، مقاوم، عميق، مؤمن، منسجم مع ذاته، ومع الطبيعة، ومع الآخرين، لدرجة أنه حين وافته المنية، ظلت كل الكائنات التي كانت تعرفه، تسأل عنه، وتبحث له عن أثر.
مات أبي
ظل الخريف يسأل عنه
في نفس الوقت
في نفس الفصل
في نفس الحقل،
يبحث عنه بين الشواهد ص 48 ( غيثك يا الله)
المجموعة الخامسة بعنوان "دعني أرقب" وهي تضم سبعة نصوص شعرية قصيرة (نور- نهر- كلام- جرح- نشيد- سفر- فجر-) مصدرة بإهداء "إلى جواد الحضري بركة ربانية تمشي على الأرض" في هذه المجموعة، تنساق الصور هادئة، ملونة بالحرف، موشاة بالضوء..
دعني أرقب،
طلوع الفجر
خيطا أبيض،
أو بزوغ النور ص 53 (نور)
تنسج لوحات فنية متنامية، ومشاهد جمالية متصاعدة، ترفل في أثواب المجاز، وتتباهى في حلل الاستعارة:
دعني أرقب
اشتعال القصيد
أؤجج عنقه
أكلم صمته ص 57 (نشيد)
المجموعة السادسة بعنوان تفاصيل صغيرة، وتحتوي على ستة نصوص شعرية قصيرة( ماء-ورد- ضوء- حلم-موت- قناع) مصدرة بإهداء " إلى الشاعر محمد عابد، كنت تحدثني، عندما انتبهت، فجأة، إلى أننا أصبحنا بدون سماء.." في هذه المجموعة تزداد الصور تألقا، وتحتد توهجا، وتنطلق من وجدان متقد، ومن روح مكتظة بالحياة..
الدمعة تضيء
الفجر يضيء
القلب يضيء
رغم غصة الشوق يضيء..ص 66 ضوء)
المجموعة السابعة بعنوان "ميراث الريح" يلتف تحت إمرتها، ستة نصوص شعرية قصيرة ( سنبلة- ملك- قدر- صبر- وصية) وهي مصدرة بإهداء" إلى يوسف بنقدور الوهراني (خيرة) تلك المرأة الطيبة، تذكرها، كانت شمسنا الأولى...) هذه المجموعة تنطوي على صور شعرية، اعتمد الشاعر محمد بنقدور الوهراني في تشكيلها –في الأغلب- على التشبيه، ترمي في بعدها الدلالي على تشرب الشاعر حكم الحياة، وتشبعه بقيمها..
الصولجان سنبلة
والبئر قدر التائبين،
سحابة صيف ممطرة ص 75 سنبلة)
المجموعة الثامنة بعنوان " وشوشات النوارس" تجمع نصا واحدا، وهي مصدرة بإهداء " إلى الشاعر إدريس علوش على الضفة الأخرى من الشرفة الأطلسية، يرقبنا، دائما، طفل يجري." وهو نص يجري كالماء، منساب كالغدير، تلمع أصدافه، وتبرق درره، تاركا انكسار الفصول غصة في حلق المكان.
يأتي، يرحل
يأخذ معه زرقة الماء
ويترك لنا ملوحة المكان. ص 84.
المجموعة التاسعة بعنوان "يا أنت" تلف نصا شعريا واحدا طويلا، مصدرة بإهداء " إلى الأديب عبد الإله المويسي جذوة الفكر منتهاك...فقط هي تتوهج حين تصير معناك." في هذا النص، تتماهى ذات الشاعر، مع ذات الشاعر عبد الإله المويسي، وتنصهر في بوتقة مداه، فسيغرق الشاعر في نداءات الجراح، مضيئا بالشعل، ومنيرا بالأقباس..
دفنت فيك جرح الحقيقة
وزرعت فيك ملحا ورمادا،
ولأنك واحد بهيئة الجمع
سأكتفي بهز شجرة الدفلى
وأدع الوطن الجريح
ينتشي بسراب وخراب وأنين ص 91 .
المجموعة العاشرة بعنوان "حرائق الشعراء" تنطوي على نصين شعريين: (1- مدارج قصيدة- 2 حرائق الشعراء) مصدرة بإهداء " إلى الشاعرة وداد بنموسى للقصيدة جذر في الماء وجذر في السماء" في هذين النصين تصادف لغة شعرية ماتعة، يحاول الشاعر من خلالها أن (يقتفي دهشة المفردات وشرارة الوجد وومضات بعيدة ص 99)، ويستكنه الأشياء الشبيهة..
تبحث عن مذاق الغواية
عن شبيه البحر والكتابة
عن الغيوم الهاربة
عن الضفة الأخرى
وعن متاهات جديدة...ص100( 1- مدارج قصيدة)
المجموعة الحادية عشرة بعنوان " الناي الحزين" تجمع نصا شعريا واحدا طويلا، مصدرة بإهداء " إلى الشاعر سامح درويش هناك شعراء يستطيعون، بقوة القصيدة، إلهامك..." وهو نص شعري يتشكل من ثماني عشرة لوحة، يغلب على أجوائها مسحة حزن..
الناي حزين
أصابع العازف المرتعشة
لا تثير داخله نفس الارتعاش. ص 110 .
المجموعة الثانية عشرة بعنوان "قطعة سكر" تضم نصا شعريا واحدا، مصدرة بإهداء " إلى الحسن حجوب بعض الناس لا يحتاجون للكثير لكي يحضوا باحترامك" وهو نص شعري، يعبر الشاعر فيه عن حبه لحجوب الحسن، بصفاء روحي، ولحن غزير، ينفذ إلى دواخل الشاعر، فيسكنه..
لحنها يتطاير
في سماء ارتشافاتك،
تعزف بها كل سمفونياتك ص 117.
ويختم الشاعر الديوان بمجموعة، عنونها ب" عرائش االكون" تحتوي على نص شعري واحد، وهي مهداة " عرائش الكون لا أهوى سواها هي الدنيا وقفر ما عداها
'خالد عطاونة) وهو نص شعري ينفتح على المكان، بكل ألقه، وبكل مكوناته وامتداداته، ويسمح لنفسه أن يبوح بمكنونات وجدانه بطريقة شعرية غارقة في الغنائية البهيجة..
كل الجهات هنا
النهر لا زال هنا
الهضبة والمصب هنا
التفاح الذهبي هنا
والحرس الأمين هنا
فقط المدينة لم تعد هنا...
باقتضاب شديد، حاولنا أن نبرز بعض المقومات الجمالية للديوان الشعري " يد فارغة" للشاعر المميز محمد بنقدور الوهراني، ونقترب من بعض قوالبه الفنية، ونلم ببعض معانيه الشعرية، التي تميزت بعمق الصفاء، ونبل الأمن، اللذين ميزا علاقة الشاعر الإنسانية بالأسرة بكل أفرادها، والأصدقاء بكل أطيافها، في بعد الحياة، في اتساع مناحيها، ورحابة آفاقها.


عبد العزيز أمزيان



L’image contient peut-être : ‎‎عبد العزيز أمزيان‎‎

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى