نسرين البخشونجي - الفراشة

في ليلة صيفية حارة, وقفت سُمية في شرفة المنزل, كانت تنظر إلى السماء بنجومها وبدرها المكتمل.

ذكّرها ذلك الجو بحدث مرت به وهى طفلة صغيرة, لم تنسه قط, عندما أخذتها جدتها في سيارة والدها إلى مكان غريب لم تذهب إليه من قبل.. كانت في العاشرة تقريبًا, ترتدي بلوزة بيضاء مرسوم عليها فراشة تحلق في السماء و بنطالاً وردي اللون.

أكثر ما تذكره عن هذا المكان هو الكراسي الكثيرة المصفوفة على جانبي الغرفة, كانت تلك الكراسي معدنية ملونة باللون الأبيض.

بينما كانت تجلس سُمية مع جدتها وكانت تتساءل عن والدها الذي اختفى من المكان, نادت سيدة سمينة على اسمها...قامت الجدة وأمسكت يدها في حنان و دخلا إلى غرفة أخرى, فيها رجل يرتدي نظارة طبية, في عينية نظرة واثقة, وضعها على جهاز وهي واقفة ثم شكها في أحد فخذيها في غفلة منها, ثم قال للجدة: "انتظرا ربع ساعة".

انقضى الوقت بسرعة وبدأت الصغيرة تشعر بإحساس غريب بين الخوف و الضعف.. دخلا إلى الغرفة من جديد, ثم طلب منها الرجل أن تستلقي على السرير, كان يتحدث معها، وفجأة لم تشعر بنفسها.

في ذلك الوقت حلمت بحلم غريب لكنه مضحك جدًا , رأت نفسها في مصنع لتعليب سمك التونة، وأنها قد تم تعليبها ووضع على العلب المعدنية صورتها, لم تكن هي الوحيدة التي تعلّبت، بل إن الشخصيتين الكرتونيتين (القط توم و الفـأر جيري) كانا يمران بنفس التجربة.

أفاقت من ذلك الحلم لتجد نفسها بين يدي والدها خارجًا من ذلك المكان المريب ونساء واقفات يزغردن و يباركن له أما هي فكانت تشعر بجفاف في الحلق, و إحساس خانق بالوهن والضعف.

هي الآن واقفة في شرفة المنزل, تتذكر كيف أدركت حقيقة ما حدث.. عندما بدأت الغيوم تجتاح صفحة السماء ليتوارى خلفها البدر, و يتلاشى نوره ليخيم الظلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من مجموعة " بعد إجباري" الصادرة أخيرا عن دار فكرة بالقاهرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى