د. محمد وقيدي - التحليل النفسي لظاهرة العنف

العنف ظاهرة ملازمة للحياة الإنسانية، ولها تاريخ كما للإنسان تاريخ. تظهر للعنف في السلوك الإنساني أشكال متعددة ومتنوعة يصعب إرجاعها من أجل فهمها إلى عامل واحد، وذلك بالنظر إلى اختلاف مكوناتها وشروط حدوثها، وتنوع الآثار الناجمة عنها من مستوى إلى آخر. لذلك ننطلق في دراسة العنف من فرضية عامة مضمونها أن أشكاله المتنوعة في مظاهرها ومستوياتها غير قابلة للفهم جميعها بالطريقة نفسها أو بإرجاعها إلى العوامل نفسها.
نرى، من جهة أخرى، أن الاستناد إلى العلوم الإنسانية المختلفة من شأنه أن يساعد في فهم الظاهرة بإلقاء كل واحد من تلك العلوم الضوء على جانب من جوانبها، وذلك بإبراز أثر بعض مكوناتها في حدوثها وتنوعها وعواقبها.
يحيط بالإنسان اليوم، فردًا ومجتمعًا، عنف من شتى الأنواع. نبدأ هنا بمظهر من مظاهر العنف ومكون من مكوناته، هو المظهر النفسي، ونستند في الفهم إلى العلم الذي يدرس هذا المظهر من حياة الإنسان، أي علم النفس، علمًا بإرادتنا نقل الظاهرة نفسها لفهمها في ضوء مستويات أخرى من التحليل ترجع إلى العلوم الإنسانية المختلفة. نقصد أن نستفيد من تحليل علم النفس الذي اهتم بالعنف دون أن نقول مع ذلك إنه العلم الوحيد الذي ينبغي أن نعرض عليه الظاهرة. وقد تبلور في إطار علم النفس عدد من المفاهيم التي تقربنا من فهم العنف.
أ‌. العنف والعدوانية:
نصف بالعدوانية السلوك الصادر عن ذات نفسية بدافع من معاداتها لذوات أخرى بقصد الاعتداء عليها وإلحاق الضرر الجسمي والنفسي بها.
تظهر النزعة العدوانية لدى الإنسان منذ طفولته، كما قد تتطور في مراحل أخرى من العمر تبعًا لعوامل نفسية تنشأ عن شروط العلاقة بالمحيط الأسري أو بالمحيط المجتمعي العام[1]. تظهر السلوكات العدوانية لدى الطفل مرتبطة بالحرمان من تلبية حاجات حيوية، أو تكون مرتبطة بشخصية لم تتكيف بالشكل الملائم مع محيطها المباشر أو المجتمعي بصفة عامة.
إذا لم يتم تدارك العدوانية التي تكون ناشئة عند الطفل بتلبية الحاجات التي يحرم منها، وإذا لم تلعب التربية دورًا في إعادة تكييفه مع المحيط، فإن العدوانية التي تنشأ لديه تنمو وتتخذ أشكالاً أخرى في مراحل تالية من العمر مثل المراهقة وبعدها. يدفع النزوع العدواني الفرد إلى القيام بأعمال عنف ضد الغير قد تصل حدَّ القضاء على حياته.
تطوَّرت أشكال العدوان ضدَّ الغير بفضل التقدُّم العلمي والتقني الذي أمدَّ النزوع العدوانيِّ لدى الإنسان بوسائل تفوق بكثير ما كان يتوفر للشخص العدواني في أزمنة سابقة.
يصبح الميل إلى العدوان أساسًا للانتماء إلى جماعات يقوم نشاطها عليه بأشكال مختلفة ولغايات متباينة. فمن العصابات التي تقوم بأعمال السرقة والنهب، إلى الجماعات التي تقوم ببعض الأعمال الإرهابية، توجد الجماعة في موقع تأطير النزوع العدواني لدى الفرد بالمساهمة في التخطيط له وفي تحديد أهدافه وفي الحماس لتنفيذه.
تلعب الجماعة دورًا ملحوظًا في تنمية النزوع للعدوان لدى الفرد الذي يجد نفسه وسط الجماعة أقدر على إظهار نزوعاته العدوانية وعلى ممارستها على الغير. فقد يكون الفرد إذا كان منعزلاً مترددًا في الممارسات العدوانية، ولكنه لا يتردد في ذلك عندما يوجد وسط جماعة تشجِّع الممارسات بتبريرات متباينة. ثم إن الجماعة هي التي تهيئ التخطيطات والوسائل الكفيلة ببلوغ الغاية من الأفعال العدوانية. ومن الواضح من وجهة نظر علم النفس أن الفرد وسط الجماعة يكون مختلفا عمَّا يكون عليه إذا وجد منعزلاً.
الإيديولوجيات من بين الشروط المجتمعية التي تشجع على العدوان. فهناك بعض الإيديولوجيات التي تحمل ضمن تصوراتها ما يشجع الميولات العدوانية ويمنحها نوعًا من المشروعية، من حيث إنها تبرز لمعتنقيها أن العنف الممارس في حقِّ الغير يكون من أجل إقرار حقٍّ مطلوب أو دفعًا لشرٍّ صادر عن الغير ولا يمكن أن يظلَّ دون ردِّ فعل عليه.
لن يفوتنا ونحن نتحدث عن العدوانية أن نشير إلى أنها لا تتمثل في إلحاق الأذى الجسمي والنفسي بالغير فحسب، بل إن الأفعال المؤذية والمدمرة قد تتجه إلى الذات الممارسة لها أيضًا. فهناك العدوانية ضد الذات والتدمير الذاتي. ولهذا السلوك شروطه ضمن الاختلالات التي تعرفها الحياة النفسية للأفراد. ويعتبر الانتحار أقسى أنواع التدمير الذاتي لأنه يقضي على كل إمكانية للحياة، ويكون ضدَّ مبدأ الحفاظ عليها. وتوضِّح الدراسات النفسية أنه قد تجتمع في نفس الشخص الميول العدوانية ضد الغير وضد النفس في الوقت ذاته.
لم يكن قصدنا من الحديث عن مفهوم العدوانية أن نعرض هذا المفهوم في ذاته، فذلك أمر لا يسعه مقامنا الحالي. لقد كان القصد هو اقتراح مفهوم إجرائي يمكن أن يساعد في فهم الشخصية المندمجة ضمن العنف في المجتمع، والمنخرطة في أعمال إرهابية، علمًا بأن علم النفس الذي يدرس الشخصية الفردية يمكن أن يساعد عبر ذلك في فهم بعض الأفعال الجماعية من حيث إنه يلقي الضوء على طبيعة الشخصية الإنسانية التي لديها استعدادات نفسية للمشاركة في تلك الأفعال الجماعية.
ب‌. العنف والإحباط:
يعبر مفهوم الإحباط[2] عن حالة نفسية خاصة للشخصية الإنسانية لها بدورها آثار سلبية على السلوك قد تصل إلى الدفع بالإنسان نحو القيام بأفعال عنف إزاء الغير وإلحاق الضرر الجسمي والنفسي به. الإحباط حالة خيبة يشعر بها شخص تم حرمانه بكيفية ما من تلبية حقٍّ من حقوقه الحيوية أو رغبة من رغباته الطبيعية، أو تمَّ وضع عوائق تعوقه عن تلبية ذلك الحق أو هذه الرغبة. يمكن أن يكون الحرمان ناتجًا عن غياب الموضوع الذي تتعلق به الرغبة، كما يمكن أن ينتج عن وجود عوائق لبلوغ ذلك الموضوع بصفة طبيعية أو بصفة قصدية عند وضع هذه العوائق في طريق تلبية الفرد لرغباته.
يكون المحيط المجتمعي والثقافة السائدة فيه، والتي تتم تبعًا لها التربية المجتمعية، هما مصدر وضع الحواجز أو قواعد السلوك التي تعوق الفرد عن تلبية بعض رغباته. وقد تصبح الذات بفضل تمثلها لقواعد السلوك المجتمعية هي التي تقبل بوجود العوائق وتخضع لمقتضياتها، بل وتؤمن بها في الظاهر وتدافع عنها. ولكن التحليل النفسي الذي تناول موضوع الإحباط يرى أن الرغبات يتم كبتها في هذه الحالة. والكبت لا يعني، من وجهة نظر التحليل النفسي، الإقصاء التام للرغبات التي كانت موضوع حرمان أو عدم تلبية. فالرغبات المكبوتة تبقى دينامية وتكون خلف كثير من أنماط السلوك وردود الفعل.
تتنوع ردود الفعل التي تترتب عن الإحباط، غير أن ما نسجله منها في انسجام مع موضوع بحثنا هو أن الكثير منها يكون عبارة عن أفعال عنف. قد يتجه رد الفعل العنيف في حالة حرمان الطفل من حيازة موضوع ما إلى ذلك الموضوع نفسه، غير أن ردود الفعل هذه تتطور مع النمو وقد تصبح ناتجة عن تخطيط ومتجهة إلى من يظن الشخص المحبط بأنهم أعاقوا تلبيته لرغبته وحرمانه من تلبية حاجة حيوية أو مرغوب فيها لديه.
يرشدنا علم النفس إلى أن ردود الفعل على الإحباط وما يرتبط به من شعور بالخيبة لا يمس الغير فحسب، بل قد يمس الذات المحبطة أيضًا. فقد يكون من ردود الفعل المتجهة إلى الذات الميل إلى سلوك انطوائي، أو النكوص نحو سلوكات تعود إلى مراحل سابقة من العمر، أو إلحاق الأذى بالذات بكيفية متفاوتة بين الأشخاص. ولكن السلوك الذي يأتي رد فعل على الإحباط يكون في الغالب متسمًا بالميل إلى العنف أو العدوان، سواء إزاء الموضوعات التي تم الحرمان منها، أو إزاء ذوات أخرى يشعر الشخص المحبط بأنها كانت سببًا في الحرمان، أو نحو بدائل لهذه الذوات توجد في المحيط المباشر للشخص المحبط، وقد تكون تلك البدائل مجتمعية.
يمكن أن يكون الإحباط مؤقتًا وأن تتم تلبية الرغبات التي وقع التعلق بها في اللاحق فيرتفع الشعور بالخيبة المتعلقة بالحرمان الذي حصل، ولكن الإحباطات المتعلقة ببعض الرغبات قد تتكرر وتصبح مصدرًا لردود أفعال عنيفة ودائمة يصعب معها إعادة تكييف سلوك الشخص مع ذاته أو مع محيطه. وتؤكد نظرية التحليل النفسي أنه لا شيء يضيع من الحياة النفسية أو يختفي بصورة نهائية، بل هناك احتفاظ بكل معطيات الحياة النفسية عن طريق ميكانيزم الكبت الذي يساعد على الاحتفاظ للرغبات المكبوتة بطاقتها وديناميتها.
إذا كان الإحباط يؤدي إلى ظهور ردود أفعال عنيفة لدى الشخص المحبط، فإنه بذلك يسمح أيضًا بوجود استعدادات للانخراط في أي أعمال عنف جماعية.
لكن، إذا كان التركيز في علم النفس بصفة عامة وفي نظرية التحليل النفسي بصفة خاصة يكون على الذات الفردية، وإذا كانت نظرية التحليل النفسي الفرويدية بصفة خاصة تركز على الإحباط الناجم عن الحرمان الجنسي، باعتباره متعلقًا بأعمق الغرائز الإنسانية تأثيرًا في السلوك، فإن الحديث يكون فيها أيضًا عن إحباطات أخرى لها أصول مختلفة قد تكون مجتمعية أو اقتصادية أو سياسية.
لا يغفل فرويد، وهو واضع أسس نظرية التحليل النفسي، التفكير في الإنسان المجتمعي وفي الإحباطات الناجمة عن الحياة المجتمعية بصفة عامة. فإذا كنا قد أكدنا في السابق أن العنف قد ينتج عن خيبة الأمل التي تظهر عند الحرمان من تلبية رغبة حيوية لدى الإنسان، فإن فرويد يتحدث أيضًا عن الإحباط الذي يشعر به الإنسان في ظل الحضارة الراهنة، وعن خيبة الأمل لكون هذه الحضارة تحرم الإنسان من بلوغ تلبية كثير من حاجاته[3].
من بين خيبات الأمل تلك التي تأتي متعلقة بنتائج التقدم العلمي والتقني الذي هو مظهر بارز من مظاهر الحضارة الراهنة، فقد حققت الإنسانية تقدمًا تقنيًا أصبحت تأمل منه السيادة على الطبيعة وتسخير نتائج العلم لصالح الإنسان. وقد زاد التقدم العلمي والتقني من فرص وأشكال تلبية الإنسان لكثير من رغباته ومن متع الحياة لديه. ولكن العلم لم يحقق ما يضمن سعادة الإنسان فحسب، بل كان السبب في عدد من الخيبات أيضًا بفضل التطبيقات التي تقضي على حياة الإنسان، فبالأولى أن تكون قاضية على سبل تلبيته لرغباته وتحصيله لسعادته الجسمية والنفسية مع ذلك. لم يعد تقدم العلم من هذه الجهة أملاً للإنسانية، بل أصبح مصدر خيبات متعددة بالنسبة إليها[4].
نضيف إلى ما سبق ذكره خيبة أمل أخرى مرتبطة بالعلم هي أن العلم لم يسخر للسيادة على الطبيعة لصالح الإنسانية بأكملها، بل تم استغلال اكتشافاته المتعددة لتحقيق سيادة جزء من الإنسانية على جزء آخر منها، سواء كان ذلك داخل المجتمع نفسه أو كان من مجتمع إلى آخر أو من حضارة إلى أخرى.
خيبات الإنسان من نتائج الحضارة الراهنة متعددة وبها تغدو هذه الحضارة مصدرًا لعدد من الإحباطات. فهناك الإحباط الذي يشعر به جزء كبير من الإنسانية بفعل عدم وفاء الحضارة المهيمنة الحالية بما كانت قد وعدت به عند نشأتها. قامت هذه الحضارة على أساس الحرية والعدالة والمساواة، وأضافت إلى ذلك حقوق الإنسان والديمقراطية، ومنها أساسًا حق الإنسان في حياة كريمة تضمن الحد الأدنى لإمكانية العيش الإنساني، ثم حق الناس كافة في ممارسة حياتهم وفق معتقداتهم، وحق الشعوب على اختلاف موقعها من العالم في تقرير مصيرها وبناء مجتمعها على أساس اختياراتها الذاتية.
تأتي خيبات الإنسانية من الحضارة الحالية نابعة من السير في الاتجاه المضاد لما كان متوقعًا منها لصالح الإنسانية. فباسم نشر نتائج الحضارة في جهات أخرى من العالم غير التي انطلقت منها تمت ممارسات مناقضة للمبادئ التي تأسست عليها الحضارة في الأصل. وعالم اليوم تشكله الحروب وأشكال الدمار، وتعاني فيه الإنسانية في جهات كثيرة من الجهات من استمرار شروط التخلف، ومن المجاعة وانتشار الأوبئة، ومن أشكال الهيمنة وفرض الإرادة، وهذه أمور يمكن أن تخلق عددًا من صور الحرمان ومن الإحباطات الناجمة عن ذلك الحرمان. بعبارة أخرى إن العالم المعاصر الذي تعيش فيه الإنسانية في ضوء توازن مختل، يعاني من عواقب تلك الاختلالات ويكون مصدرًا لإحباطات شتى. نضيف أيضًا الاختلالات التي تعرفها مجتمعات اليوم، وبخاصة منها تلك التي استعصى فيها تحقيق النمو، حيث يعاني الإنسان من إحباطات كثيرة في حياته المجتمعية اليومية.
لقد وسعنا من مفهوم الإحباط، فلم نأخذه في حدود دلالته النفسية الأصلية، وذلك بفعل كون الإنسان كائنًا بيولوجيًا نفسيًا ومجتمعيًا، من جهة، وحتى يمكننا الاستفادة منه في إلقاء الضوء على ظاهرة العنف الجماعي والمنظم التي نقدم فرضيات لدراستها من جهة أخرى. ولن يفوتنا أن نعيد التذكير بأن استخدامنا لهذا المفهوم نسبي، إذ لا نقول بأن الظاهرة قابلة بكل أبعادها لتلقي التفسير الملائم والتام في ضوئه، ولكنه يظل مع ذلك مفهومًا له إجرائيته في تفسير بعض جوانب الطاهرة وبعض مستويات تمظهرها. ويساعدنا هذا المفهوم على فهم الحالات التي تكون فيها الذات الفردية بنية قابلة لاستقبال التأثيرات التي تستقطبها للقيام بأعمال عنف جماعية ومنفذة لتخطيطات سابقة وخارج ذات الفرد.
ت‌. العنف والاضطرابات السلوكية:
تشمل الإضطرابات السلوكية كل أنواع الاختلال التي تظهر في سلوك أي شخص ويكون لها تأثير على علاقاته وعلى مدى اندماجه في الحياة المجتمعية ومدى تكيفه مع شروط هذه الحياة. وهناك علامات جسمية ونفسية تدل على ذلك.
يعزو التحليل النفسي الاختلالات في السلوك إلى عقد نفسية قد تظهر لدى الشخص في مرحلة مبكرة من عمره دون أن تتحقق في حياته شروط ملائمة لتجاوزها. وقد تكون ناتجة عن شعور بالنقص، علمًا بأن لمثل هذا الشعور أسبابًا متنوعة في مجرى الحياة النفسية. وقد ترجع الاضطرابات النفسية إلى بعض الأحداث التي تكون قد وقعت في فترة من الحياة دون أن يقع التخلص من نتائجها، مثل الخضوع لعنف، أو التعرض لاستغلال جنسي بالعنف، أو نتيجة تفكك أسري أو غير ذلك من الوقائع الكثيرة التي يكون لها أثر في حياة الفرد.
ترجع أسباب الاضطرابات النفسية أحيانًا إلى ظروف قاسية يكون قد مر منها الشخص وتركت آثارها بادية على سلوكه. ومن ذلك الخضوع لتعذيب أو لغبن داخل الأسرة أو في المجتمع بصفة عامة. وإذا ما أردنا في السياق نفسه أن نتحدث عن الفرد داخل المجتمع، فإننا نقول إن مجتمعات بأكملها قد مرت من حالات الخضوع لعنف كان له التأثير في بناء شخصية أفرادها، وكان بصفة مباشرة أو غير مباشرة عاملاً في ظهور الاضطرابات النفسية بين أفراد تلك المجتمعات.
تتميز الإضطرابات النفسية بكونها تظهر في بعض الأعراض التي تدل على المرض النفسي، ولكن دون اعتبارها مع ذلك حالة مرضية تتطلب وضع من تظهر عليه في خانة المرضى النفسيين. ويظل من يعيشون مثل تلك الاضطرابات متفاعلين داخل الحياة المجتمعية.
ما يهمنا تجاه الموضوع الذي نتناوله الآن بالدراسة هو أن أشكالاً عديدة من مظاهر العنف تظهر لدى الشخص المضطرب نفسيًا، وهي أشكال تتفاوت خطورتها بالنسبة للمحيط المباشر أو بالنسبة للحياة المجتمعية بصفة عامة. كما أنه يهمنا أن نسجل أن عددًا من الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية يبدون استعدادًا للانخراط في أي عمل عنف جماعي.
العنف ظاهرة متعددة الأبعاد، ولا يكفي لفهم وجودها أو تطورها داخل سياق مجتمعي محدد أن نرجعها إلى شروط نفسية. ولذلك نرى أنه مهما تكن درجة إجرائية المفاهيم النفسية لقهم الظاهرة الإرهابية، فإنه لاغنى عن الانتقال إلى الاستعانة بمفاهيم من علوم إنسانية أخرى للتمكن من فهم الظاهرة في كل أبعادها، وهي كما رأينا ذات أبعاد مجتمعية-اقتصادية، وأبعاد أخرى سياسية تتعلق بالسياسة المحلية أو بالوضع السياسي العالمي، كما أنها اكتست أحيانًا صفة الأفعال وردود الأفعال التي لها علاقة بالصراع بين الحضارات والثقافات السائدة في العالم المعاصر.


أعلى