محمد السعيد جمعة - ليلة الرعب.. قصة قصيرة

"الليل يغطي الشوارع بظلامه والبيوت القديمة تنبعث منها رائحة الماضي، السحب تركض في السماء ركض الخائفين، والقمر يظهر حيناً ويختفي خلف السحب الداكنة أحياناً، كنت في تلك الليلة الباردة عائداً من سهرة مع الأصدقاء في إحدى القرى المجاورة، ولازلت هائماً في خيالي مع أحاديثهم المشوقة عن أشباح الجن والعفاريت.
يقولون إن الأشباح تخرج ليلاً من أقبيتها وتجوب الشوارع و تتربص بالناس في الأماكن المظلمة فترانا من حيث لا نراها، وهناك في ضاحية المدينة مارد عتي يروع السائرين بين المقابر ليلاً ؛فمنهم من يصاب بلوثة في عقله إثر صدمة ظهور المارد، ومنهم من يسقط ميتاً في قبر مهجور إذا ضربه المارد بكفه الشيطانية، والمفزع أكثر أن العفاريت لديها القدرة على التشكل في صورة البشر أو أي نوع من الحيوانات، وأنها غالباً تعبث بأي إنسان تلمس بداخله مشاعر الخوف.
لا أنكر أنها أحاديث مثيرة ومشوقة، ولكن ماذا أفعل الآن إذا تحولت تلك الأحاديث إلى واقع وخصوصاً وأنا أسير وحيداً في ذلك الطريق المظلم، حاولت أن أصرف نفسي عن تلك الأوهام وقلت لنفسي :إن إجراء مكالمة هاتفية أمر مناسب الآن ؛ فمن خلالها أكون قد أرسلت للعفاربت رسالة مفادها "أنا لست خائفاً " ؛ فالعفاريت لا تجرؤ على الظهور لشخص رابط الجأش، وبالفعل حاولت إجراء مكالمة ولكن الشبكة لم تكن متاحة، فتظاهرت بإجراء مكالمة وتحدثت بصوت عال متقمصا دور صديق يعاتب صديقه ، وعندما تلعثمت في الكلام فوجئت برجل غريب الملامح يظهر أمامي للحظات ثم يختفي وكأن الأرض قد ابتلعه، وازداد الفزع عندما ظهر طفل دون رأس يتقافز حولي ثم يتحول إلى دخان ويطير في الهواء، ومن بعيد أقبلت سيارة سوداء قديمة تثير الغبار الكثيف، تقودها فتاة بيضاء لا تتجاوز العشرين من عمرها ، أشرت إليها فتوقفت وتوسلت إليها أن تحملني بعيداً عن هذا المكان فرحبت وجلست إلى جوارها وفي الطريق المغطى بالظلام قالت لي إن هذا المكان مسكون من الجن وحذرتني من التواجد فيه مرة أخرى، وبعد لحظة صمت بدأ صوتها يتهدج وهي تحدثني وأخذت تتنفس بصوت فيه حشرجة وصعقت عندما رأيت أثر الذبح والدماء على رقبتها وصدرها ؛إنها فتاة مذبوحة! وفي حركة لا إرادية فتحت الباب وألقيت بنفسي خارج السيارة ، ولحسن الحظ جاء سقوطي على أرض رملية.
تلفتت حولي فلم أجد الفتاة ولا سيارتها السوداء القديمة.
على بعد عدة أمتار الطريق الدائري المتجه إلى بلدتنا، ولو استطعت الوصول إليه أكون قد نجوت، نهضت وأخذت أجري فراراً من ذلك المكان، والرجل غريب الملامح يلاحقني ويحاول الإمساك بي وأنا أجري ، و الفتاة المذبوحة تصرخ خلفي وتجذبني من ملابسي، دفعتها بيدي وظللت أجري وأجري وورائي الرجل ذو الملامح الغريبة، وكدت أسقط أرضاً وأنا أتفادى الاصطدام بذلك الطفل الذي يتقافز أمامي بلا رأس.
وأخيراً وصلت إلى الطريق الدائرى، كانت مصابيح السيارات تنشر بهجتها المبهرة في عرس كرنفالي أذهب عني الفزع، نظرت خلفي فلم أجد الرجل ذا الملامح الغربية ولم أر الفتاة المذبوحة ولا الطفل الذي يتقافز بلا رأس، وبعد دقائق من الانتظار أخذتني سيارة إلى قلب المدينة، كانت الحياة تدب في شوارعها، أحسست بالأمان، ولكن لا أخفي عليكم :
"هناك أشياء أخرى كثيرة تجعلني خائفاً".

محمد السعيد جمعة
قصة "ليلة الرعب" _ضمن مجموعة #قالت_وردة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى